داعش والعشائر…. جدلية المبايعة والانتماء ورصاص الرفض

داعش والعشائر…. جدلية المبايعة والانتماء ورصاص الرفض

نبيل محمد

أمام الأسئلة الكثيرة التي تتردد يومياً عن تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام، يلجأ من يقف عاجزاً أو يستصعب حالة البحث تلك للحديث عن البيئة الحاضنة لهم في الجغرافيا السورية أولاً، ومبررات هذا الاحتضان في حال ثبوته ريفاً ومدينةً، إلا أن ضبابية التنظيم الملقب بداعش ما زالت هي الأسئلة الأكثر قدرة على فهم حالة الاحتقان المتبادل بين جميع الأطراف المدنية والمسلحة وخاصة في الشرق والشمال السوري.

من هي قياداته الحقيقية وما هي حقيقة ارتباطاته بقيادات دول مجاورة أو بالنظام السوري نفسه؟

كيف استطاع تنظيم مسلح أن يصبح المانشت العريض للصحف متقدماً على غالبية الفصائل المسلحة المقاتلة ضمن الجيش السوري الحر وخارجه؟

كيف حقق التنظيم نفاذيته في بعض المدن وما هي حقيقة معاملته للسكان.. وما مدى ارتباطه أو خلافه مع القيادات المدنية والعسكرية في المناطق المحررة؟

كيف بايعته العشائر ولماذا؟ وما هي حقيقة انقسام العشائر على نفسها؟

لا يبدو غريباً وجود تنظيم جهادي إسلامي في الصحراء السورية وفي المدن والأرياف التي ما زال للعشائر وقياداتها حضور فيها، فتاريخياً كان للتنظيمات الجهادية مكان في مثيلات هذا المجتمع، فالتنظيم الجهادي عادة ما يقترب من “الإٍسلام القبلي” وغالباً ما ينشط في أماكن حضور الحالة العشائرية التي تخشى من السلطات المدنية وتحاول الإبقاء على نفوذها وسلاحها، وهو ما يمكن الاستدلال عليه بحضور الحالة الجهادية في سيناء مصر وحضرموت اليمن وأنبار العراق، ولكن ماذا عن سورية وكيف حضرت داعش في المنطقة الشرقية وهل بايعتها العشائر بالفعل؟

عشائر المنطقة الشرقية.. الصورة العامة

طبع النظام السوري خلال أكثر من أربعين عام مضت الحالة العشائرية في الشرق والشمال السوري بطابعه الحزبي الوصولي، بمعنى أن القيادة العشائرية في نظام البعث كانت قيادة عشائرية بعثية، وكان غالبية شيوخ العشائر هم من مبايعي نظام حافظ الأسد، وكانوا وكلاءً متنفذين باسم النظام على عشائرهم، كما هي الحال بالنسبة لتجار المدن الكبرى والمرجعيات الطائفية في مختلف المناطق السورية، وهو ما خلق حالة من الفصام ضمن العشيرة السورية خاصة مع بداية الثورة، فشيوخ تلك العشائر كانوا قيادات محسوبة على النظام وذات ارتباطات وثيقة به وهو ما خلط أوراق المعادلة وقدم صورة جديدة للحالة الشعائرية ككل.

من قائل يقول… العشائر التي بايعت داعش هي العشائر التي كانت معروفة بولائها بالنظام وهي التي أخرت الثورة عن الرقة عاماً كاملا وعمل مسلحوها كشبيحة إلى جانب النظام، ويقول آخر.. سارع الشيخ حسن البريجّ والشيخ علي الخابور لمبايعة داعش وهما المعروفين باشتباك مسلح حين وفاة حافظ الأسد حيث اختلفا من سيبني بيت العزاء بالقائد.

لكن لا يبدو هذا مبرراً كافياً للوفاق بين العشائر وداعش، لا بد من عوامل دعت مجموعة كبيرة من شيوخ عشائر المنطقة الشرقية والشمالية لمبايعة داعش…

داعش.. والعشائر

الشيخ عبد الكريم الراكان ( عشيرة السبخة )، الشيخ مصطفى الخلف العيسى (عشيرة البوعساف)، الشيخ هويدي شلاش الملحم و الشيخ بشير الفيصل ( عشيرة العفادلة )، الشيخ سعدون فهد الكره (عشيرة الروس من عنزة )، الشيخ ثامر الملحم الدرويش ( عشيرة الشبل )، الشيخ احمد الكنو ( عشيرة البورجب )، الشيخ عبد الله الستار ( عشيرة زور شمر )، الشيخ فيصل المطر والشيخ يحيى الخطيب ( عشيرة سخاني)… كل هذه المشايخ التي تنتمي إلى كبريات قبائل المنطقة الشرقية بايعت داعش، إلا أن ذلك وفق الناشط المدني في مدينة الرقة “ثائر الأحمد” لا يعني أبداً أن العشيرة بالكامل هي من رعايا داعش أو أن مسلحيها هم من مقاتلي داعش، فتلك المبايعة “لاقت رفضاً من قبل نسبة كبيرة من أبناء العشائر، وهو ما جعل فصائل مسلحة من عشيرة معينة تقاتل مع داعش مقابل فصائل أخرى من العشيرة ذاتها تقاتل ضد داعش أو تقاتل ضد النظام ضمن تنظيمات الجيش الحر أو كتائب إسلامية أخرى”.

مبررات المبايعة..

من خلال رؤية الواقع العام ضمن مدينة الرقة وريفها، واستطلاع آراء بعض نشطاء المدينة الحاضرين فيها حتى الآن فيها، يمكن حصر مبررات مبايعة شيوخ العشائر في المدينة وريفها لداعش بأمرين هامين هما، السلطة والقوة والتخويف من جهة حيث أن ممارسات داعش التسلطية في الخطف والاغتيال وذبح الأسر “يتم ذبح أسيرين اثنين كل جمعة حتى الآن من قبل داعش في الرقة” ونشر العناصر المسلحة في المدينة وريفها أديا إلى اتقاء شر التنظيم من خلال مبايعته، ومن جهة أخرى قدرة التنظيم المالية على تأمين بعض المتطلبات للعشائر وشيوخها ما يجعل مبايعتها أكثر ربحية، وضم سلاح العشيرة إلى سلاحها أكثر جدوى وحصصاً في النفط وسواه… وهنا يروي أحد نشطاء الرقة … “شيوخ العشائر مالت نحو الأقوى فلو كانت النصرة أقوى في المدينة لبايعوها ولو كان لواء التوحيد كذلك ولو كان النظام أيضاً.. هم هكذا يتبعون الأقوى”.

يقول الناشط المدني ثائر الأحمد.. “الوضع في الرقة مختلف قليلاً عن ريفها، فرغم مبايعة الكثير من شيوخ العشائر لداعش، إلا أن هناك مقاومة للتنظيم على الصعيد الشعبي، ولا يستطيع التنظيم ممارسة دكتاتوريته بفجاجة بينما في بعض مناطق الريف كقرية الكرامة فإن أمير داعش هو الحاكم الآمر بكل ما تعني الكلمة”.

بين الرقة ودير الزور

ظهر الانقسام ضمن العشائر جلياً في الاشتباكات التي وقعت في دير الزور بين كتائب أحفاد الرسول وبين داعش، حيث وقفت عشائر بكاملها في صف كتيبة الأحفاد مقابل عشائر أخرى في صف داعش، بينما كانت العشائر المنقسمة بين هذا وذاك هي الأكثر حضوراً، بمعنى أن حالة الانقسام أو ضياع هوية الولاء الواحد ضمن العشيرة الواحدة كانت هي الأكثر حضوراً، وهو ما يغيب إلى حد ما عن غالبية القراءات التي تناقش وضع العشائر السورية في راهن الثورة السورية، ومن ثم في علاقتها بداعش، وخاصة في دير الزور التي تتميز العشائر المنتشرة فيها باحتوائها كل منها على أكثر من فصيل مسلح واحد بينما الرقة شهدت الحضور الأقوى لداعش والتغلغل الأكبر وسط العشائر.

والفرق يتضح بين الرقة ودير الزور كون انتقال الرقة من سلطة النظام إلى حضور داعش كان سريعاً، على خلاف دير الزور التي مرت بمراحل لا حضور فيها للطرفين مقابل حضور أقوى للجيش الحر، وهو ما لعب دوراً كبيراً أيضاً في انقسامات ببعض العشائر المنتشرة في الرقة ودير الزور سوية وفي عدة محافظات سورية سوية.

كان رفض العشائر الأوضح لداعش هو في دير الزور وبعض مناطق حلب، حيث شهدت الحالة الانقسامية ضمن العشيرة الواحدة أشدها، فالعشائر التي انقسمت مع بداية الثورة بين فصائل معارضة وأخرى موالية، استمرت بانقسامها تجاه داعش، وهو ما جعل داعش تنظر لمن لم يبايعها كعشيرة أو كفصيل مرتبط تاريخياً بعشيرة معينة على أنهم “صحوات”، إلا أن الاشتباكات المسلحة ما زالت ضم حدود معنية، بمعنى أن الفصائل المعارضة التي لم تبايع داعش حاولت قدر الإمكان اتقاء الاشتباك معها خاصة في ظل استمرار العمليات العسكرية ضد النظام.

أبناء العشائر المبايعة.. خلاف مع الشيوخ

يبدو اختلاف أفراد عشيرة ما مع مشايخها حالة عادية، لا تختلف عن وجود أكثر من تيار ضمن قرية معينة أو حتى ضمن أسرة، ومن هذا المنطلق يقول أبو محمد وهو طبيب أسنان من أبناء إحدى عشائر دير الزور: “لا نجد وضوحاً لدى العشائر في الرأي حتى و إن كان شيخ العشيرة له موقف معين فباقي أفراد العشيرة كلا منهم يتخذ موقفه على هواه مع الابتعاد عن الصدام مع باقي أفراد العشيرة” ويتابع .. ” الموقف الانقسامي لدى العشيرة الواحد من صنيعة النظام, إذ دأب النظام على شق الصف في العشيرة من خلال تبني كل فرع من الفروع الأمنية لشخص ما من العشيرة في الترشيح لانتخابات مجلس الشعب, مما جعل المواقف في العشيرة الواحدة متبايناً منقسماً و انسحب ذلك الأمر على العشيرة أثناء الثورة لذلك لا يمكن أن تقول على عشيرة أنها مع أو ضد الثورة.. مبايعة أم غير مبايعة لداعش”.

ومن الطبيعي أن هذا الانقسام لا يعني داعش من الجانب العام، حيث أنها تعتبر مبايعة شيوخ عشيرة معينة هو إعلان انتماء تلك العشيرة للتنظيم، وعندما تخوض في مشكلاتها مع أفراد أو فصائل يرفضونها ضمن عشيرة مبايعة فإن هذا لا يظهر على السطح، فمن مصلحة داعش عملياً وضع العشائر في بوتقة واحدة واعتبار المبايعة عامة، بل واستغلال حالة الخلاف بين العشائر من أجل تسويق نفسها كقوة قتالية قادرة على السيطرة على الوضع وقادرة على أن تكون ظهراً يحمي عشيرة معينة ويعمم الوفاق أحياناً بين العشائر.

عشائر تتمسك بالتيارات الأقل تشدداً

يظهر تمسك بعض العشائر بحركة أحرار الشام الإسلامية وجبهة النصرة في ريف حلب واضحاً، وهو ما يعزز حضور هذه الفصائل في تلك المناطق، وما يجعلها القوة الأكثر تأثيراً، بينما تبدو داعش أقل حضوراً، وهو ما تنبهت إليه داعش جيداً حيث أن بداية تغلغلها في النسيج الاجتماعي في ريف حلب بدأ من خلال حصولها على مبايعة عدة عشائر، لتكون فصيلاً منافساً وقادراً على التغلغل ونشر القوى المسلحة في المنطقة.

وأمام مجمل تلك المعادلات لا يمكننا إهمال جانب هام جداً في انتشار داعش خاصة مع بداية تشكيل التنظيم في سورية، وهو نظرية التحالف مع الشيطان ضد النظام السوري، بمعنى أنه لا يمكن إغفال حالة العدمية التي وصلت إليها الكثير من المناطق في الجغرافيا السورية نتيجة المجازر والممارسات المرعبة التي قامت بها قوات النظام، وهي ما جعلت الكثيرين قادرين على التحالف مع أية قوة عسكرية عاملة على الأرض ضد النظام، فلا فرق بين نصرة وداعش وأحرار الشام والجيش الحر وإنما الهدف هو محاربة النظام سواء بسلاح متشدد أو لا بالنسبة لأفراد وعائلات فقدوا كل شيء بسلاح النظام، وهو أيضاً ما جعل البعض وخاصة من العشائر يرتدّون عن مبايعة داعش حينما ثبت حضور الفصائل الأخرى على الجبهات ضد النظام أكثر من داعش، بل وغياب داعش التام عن كثير من جبهات القتال ضد النظام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.