رامز أنطاكي

    قامت الدولة الإسلامية في العراق والشام، الشهيرة بـ “داعش”، أواخر أيلول المنصرم، بتكسير صلبان كنيسة في الرقة، أول مركز محافظة اعتبر “محررًا” بالكامل من سلطة نظام الأسد بدايات آذار الماضي.

هذا الإعتداء لم يكن معزولًا بوصفه عملًا يوجه رسالًة شديدة السلبية لمسيحيي الرقة خاصًة، وسورية عامًة، بل والمشرق العربي أيضًا، إذ ليس من المستغرب أن تسمع مسيحيًا لبنانيًا أو أردنيًا ينتقد الثورة في سورية مستشهدًا بحادثة تكسير الصلبان كمثال عن سوء نوايا الثورة. هذا الإعتداء لم يكن معزولًا إذ سبقه أعمال تصب في الخانة نفسها، ولحقته أيضًا ممارسات لا يخطأ عاقل في تصنيفها كأعمال عدائية بحق المسيحيين. في المحصلة فرغت منطقة الرقة من المسيحيين أو كادت، وتحولت كنائس لمقرات “داعشية” أو دعوية، أو حتى لمراكز تعذيب وإعدام حسب إحدى الروايات.
ما يهمنا في هذا الشأن أمران اثنان، أولهما يخص مؤيدي الثورة وناشطيها:
كانت أفعال “داعش” العدائية بحق المسيحيين علنية على نحو يتعذر إنكارها من قبل من يهمه أن يفعل، ورغم ذلك فقد أنكر بعض مؤيديها حدوث أفعالٍ مشابهة حتى كذبتهم الصورة والتسجيل والتناقل الإخباري، بينما لجأ قسمهم الأكبر إلى تبرير أفعال “داعش” بسوق رواية تحكي عن تعمد الرهبان في كنائس الرقة مناكفة مسلميها عبر قرع أجراس الكنائس تزامنًا مع الآذان الداعي إلى الصلاة، بل وتكرارهم لفعلتهم الشنيعة تلك رغم لفت نظرهم إلى سوء عملهم وتحذيرهم منه. الحقيقة أن لا رهبان في الرقة، لا الآن ولا فيما سبق، والكهنة الذين كانوا، غادروا قبل الإعتداء على الكنائس، ولم يبق إلا عدد ضئيل من المسيحيين، فلم تكن من صلاة ولا قرع للأجراس أساسًا.

كان هذا توصيفًا لما حصل وقيل، بينما العبرة تكمن في السلوك التبريري الخاص بمؤيدي “داعش” الذي لا يختلف عن سلوك نظرائهم ممن يؤيدون النظام، هذا سلوك قد لا يكون مفاجئًا اليوم، لكه حتمًا خطير، وله أوخم العواقب الآن وفي المستقبل، على الثورة وأهدافه، ووحدة الشعب السوري بأطيافه الدينية والطائفية والأثنية.

الأمر الثاني يختص بحقيقة “داعش” نفسها، وهو إن كان يهم مؤيدي الثورة، إلا أن لبعض مناصري النظام حصة فيه:
ربما بات ما سيطرح في السطور التالية مكررًا ومعروفًا، لكن طرحه مجددًا لا يضر بل يفيد، وبالتالي فهو مطلوب خاصة مع استمرار تمدد “داعش” وتماديها في أفعالها.

هل يشبه الإسلام الذي تقدمه “داعش” الإسلام الذي عرفه السوريون؟ وهل خدمت أفعالهم -التي سمحوا بوصولها إلى الإعلام- أحدًا غير نظام الأسد؟ ولمصلحة من تم تخويف أقلية دينية ودفعها للهروب والهجرة؟ ألم يقدموا بذلك مأساًة رائعة ليتاجر بها دعاة حماية الأقليات من مؤيدي النظام على الشاشات وفي المحافل الدولية؟

“داعش” أثبتت مرارًا وتكرارًا بأفعالها، بما فيها ما فعلته بحق مسيحيي الرقة، أنها تنظيم مخترق من قبل النظام الذي تدعي محاربته. قد يصعب عليّ أن أصدق إختراقًا يطال التنظيم بكامل أفراده، لكن نظرية تتكلم عن إختراق وتجنيد لقيادات تنظيمية، تستند في طرحها على هوية المستفيد من أفعال “داعش”، وعلى تاريخ أجهزة النظام مع تنظيمات مماثلة في لبنان والعراق، هي نظرية منطقية يجب أن تلقى قبولًا واسعًا، وأن يعبر عن هذا القبول بعمل مناوىء على الأرض، ليس فقط من قبل من يؤيد الثورة بإخلاص، بل من قبل بعض من يعاديها أيضًا!

على الهامش: تصنيف أقلية دينية أو أثنية بكاملها على أنها مؤيدة للنظام –بغض النظر عن حق صاحب التصنيف- لا يعني أن يُسمح أو يُقبل بإضطهادها جماعيًا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.