في نحو عشرة أيام ألقت طائرات النظام السوري نحو 150 برميلاً متفجراً، أودت بحياة المئات من السكان المدنيين، وتفيد تسريبات من داخل أجهزة النظام بحصوله على ضوء أخضر دولي “لاتخاذ كل ما يلزم” من أجل خروج آمن لأسلحته الكيمياوية من منشأة السفيرة العسكرية “معامل الدفاع” إلى ميناء اللاذقية.

تفويض مثل هذا كان قد حصل عليه النظام قبل ذلك في معركة استعادة طريق خناصر المؤدية إلى السفيرة، واستعان وقتها بقوات من الحرس الثوري الإيراني بشكل علني، حيث عرضت إحدى القنوات التلفزيونية العالمية تسجيل فيديو للعمليات برفقة فرقة عسكرية إيرانية. والشريط الذي حصل عليه أحد ألوية الجيش الحر عندما نصب كميناً لإحدى دوريات الحرس الثوري، تبين أنه يعود لمخرج إيراني كان يعد فيلماً وثائقياً عن تلك العملية، ولم تصدر أية رد فعل من القوى الدولية على ذلك.

ومع أن طريق نقل الكيمياوي من معامل الدفاع في السفيرة التي تقع على بعد 20 كيلومتراً جنوب حلب، لا يمر بتلك الأخيرة، بل يذهب جنوباً نحو اثريا ثم السلمية ثم حمص ثم اللاذقية، وهي تقع بكاملها تحت سيطرة النظام، إلا أنه ادعى على ما يبدو أن ثمَّة احتمالاً لمهاجمة الثوار لقوافل النقل، ونظراً للخطورة الشديدة للعناصر الكيمياوية المنقولة، فقد سمح له بتدمير القوى المفترضة، وقد استغل هذا السماح لإرهاب أهالي مدينة حلب المدنيين، والضغط على الحواضن الاجتماعية للثوار المقاتلين للتخلي عنهم، خاصة من جهة مطار النيرب العسكري، الواقع جنوب شرق حلب، الذي تتأهب كتائب الثوار للهجوم عليه بمجرد حلول الأشهر الغائمة، التي يصبح النظام فيها غير قادر على استخدام سلاح الطيران.

وكانت منشأة معامل الدفاع في السفيرة التي تعدها مراكز أبحاث غربية أكبر منشأة صناعية عسكرية في الشرق الأوسط، وينتج ويخزن فيها غاز الخردل، وغاز السارين، وغاز الأعصاب VX، أحد أبرز المواقع التي تستهدفها فرق المراقبين الدوليين المنوط بها نزع سلاح الكيمياوي للنظام السوري، وفق قرار مجلس الأمن رقم 2118 الصادر تحت الفصل السادس، وتضمن إنذاراً بإجراءات عقابية تحت الفصل السابع في حال استخدام السلاح الكيمياوي مرة ثانية، أو في حال عدم امتثال أي من الأطراف السورية المتحاربة للإجراءات الواردة لنزع هذا السلاح. وقد نص القرار على أن توصيل المواد الكيمياوية إلى اللاذقية، ومسؤولية تأمين الترسانة حتى لحظة وصولها للسفن الأجنبية، يقع على كاهل النظام السوري. وكانت مصادر في الجيش الحر قد أشارت إلى أن النظام نقل في منتصف إبريل 2013 كميات من مخزون السفيرة الكيمياوي إلى منطقة معسكرات الطلائع في مصياف بحماة.

ويعتقد أن عمليات النقل ستبدأ في الأيام القليلة القادمة بعد أن أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويجو، أن روسيا انتهت إلى 20 ديسمبر من تسليم الآليات اللازمة لنقل الأسلحة الكيمياوية السورية المطلوب تدميرها بالخارج، وهي عبارة عن 50 شاحنة كاماز، و25 آلية مدرعة من نوع أورال وصلت جواً إلى مطار جبلة، وستنقل هذه الشاحنات المواد الكيمياوية من 12 موقعاً إلى ميناء اللاذقية، لتشحن بعدها في سفن دنماركية وسويدية.

ورغم حجم التدمير والضحايا الذين خلفتهما عمليات قصف حلب، فإنها تكشفت عن مزيد من تداعي قوى النظام العسكرية وتهالكها على عكس ما توحي به للوهلة الأولى، فقد لجأ إلى النوع الأشد تدميراً من المتفجرات في العالم وهو الـ” c4″ لإلحاق الدمار بأوسع مساحة ممكنة، وهو أسلوب تلجأ إليه الجيوش عادة عندما تفقد القدرة على توجيه المقذوفات إلى أهدافها بشكل ملائم، كما قام بإلقائها من خلال طائرات النقل الجوي انتينوف 26، التي يمتلك منها 6 طائرات، تحمل كل واحدة منها 5.5 طن أو 44 راكباً، اثنتان منها كانت مخصصة لإسقاط المظليين، أي أنها مزودة بباب خلفي منزلق، وهو ما جعلها صالحة لإلقاء حاويات الـ” c4″ المدمرة. وقد لجأ إليها بعد أن أصبح العمل بالحوامات غير ممكن، فهي تحتاج للتحليق إلى ارتفاع 4 كلم لتفادي المضادات الأرضية، الأمر الذي يعرضها لخطر السقوط مع الحمولة الزائدة بعد أن تهالكت بفعل الاستخدام الجائر، وقد سقطت إحداها في شهر سبتمبر الماضي بالقرب من مطار الطبقة العسكري، وسقطت أخرى في شهر فبراير في بادية دير الزور بسبب أعطال فنية.

ويطرح التفويض الدولي السابق ذكره سؤالاً أخلاقياً جديداً على المجتمع الدولي، وهو هل أن نزع السلاح الكيمياوي جاء لمنع النظام السوري من قتل شعبه بالفعل أم لغايات سياسية بعيدة كل البعد عن هذا الهدف؟ فالضربة التي وجهت إلى حلب مؤخراً بأسلحة تقليدية، خلفت نحو 1000 شهيد من المدنيين، ونحو ألفي جريح بعضهم في حالة خطرة، وعدد غير معروف ممن دفنوا تحت الركام، ناهيك عن نحو 50 ألف مدني غادروا منازلهم إلى العراء هرباً من القصف في جو غاية في البرودة، وهي حصيلة تفوق في فداحتها حصيلة الهجوم الكيمياوي في الغوطة الشرقية في أغسطس الماضي، والتي ذهب ضحيتها نحو 1400 شخص، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الضربة الكيمياوية لا تخلف جرحى أو معاقين أو عائلات وأطفالاً يتجمدون برداً في العراء.

عبد الناصر العايد ـ العربية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.