أسرع ردود مسؤولي الأسد، تلك التي تصدر رفضاً لإمكانية نقل السلطة في جنيف2 إلى هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة سواء جاءت تلميحاً أو تصريحاً، ولا فرق بين رعاة النظام أو خصومه، بل لا كرامة للروس أنفسهم في هذه النقطة، ولو من باب التقية السياسية أو الدبلوماسية المطلوبة للم شمل الأفرقاء على مسرح التفاوض، مثلاً ممنوع أن يرى نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف أن ( تلميحات الأسد حول إمكانية ترشحه للرئاسة الآن لا تشجع على الحل) ، إذ سرعان ما أصدرت خارجية بشار بياناً يعتبر أن الشعب السوري وحده من يقرر قيادته، دون أن يحدد البيان أي شعب هذا؟. وهل يشمل النازحين والمهجرين والمدفونين تحت أنقاض البراميل المتفجرة أم يقتصر على الشبيحة والمنحبكجية؟!.

يدرك الروس قبل غيرهم ان إمكانية تأثيرهم السياسي على الأسد تقف عاجزة عند حدود الضغط عليه من أجل التنحي، وان إيران تحتكر قرار مصيره، لذا يسارع لافروف إلى لحس كلام نائبه بالقول ( ان الغرب بات يدرك خطورة سيطرة الإرهابيين أكثر من بقاء الأسد على رأس السلطة).

تحاول موسكو تفريغ جنيف1 من محتواه، وتحويل جنيف2 إلى مؤتمر دولي يعيد تكريس الأسد على كرسي الحكم تحت يافطة توحيد جهود السلطة والمعارضة في مواجهة (الإرهاب) بمعنى تحويل الثورة إلى صحوات تنضوي تحت رايات ميلشيا حزب الله وأبو الفضل العباس لقتل وتشريد ما تبقى من السوريين الثائرين على الولي الفقيه وتابعه في دمشق.

كل البروباغندا الإعلامية المُنسقة للنظام ورعاته، جرى تكثيفها مؤخراَ في هذه الخانة حتى أن الحديث عن حوار وطني على تفاهته مؤجل إلى ما بعد محاربة (الإرهاب) الذي هو أساس الحل السياسي بحسب كلام نقلته (سانا) عن وليد المعلم خلال لقائه معاون وزير الخارجية الهندي سانديب كومار.

لا يزال الأسد وطاقمه، يمارسون الكذب المكشوف على أنفسهم والعالم بأنهم يواجهون مؤامرة خارجية، وليست ثورة شعبية بالأساس، حولها الخيار بوأدها أمنياً وعسكرياً إلى حرب شوارع وأزقة، وساحة استقطاب اقليمي ودولي لتصفية الحسابات انفلتت خارج امكانية الاحتواء أو السيطرة مهما بلغت شدة القوة النارية المستخدمة لإبادتها.

يستحيل على الأسد مصالحة السوريين أو ارغامهم على القبول بوجوده في حاضرهم ومستقبلهم، إلا إذا امتلك معجزات إلهية بإعادة أكثر من 200 ألف شهييد إلى الحياة، ومداوة جراح نصف مليون، وبث الروح بأحجار المدن المدمرة، والأهم إعادة تأهيل خمسة ملايين من أطفال النزوح في الداخل والتهجير في مخيمات اللجوء، وحدها رغبة الثأر لدى هؤلاء كفيلة بإدامة المواجهة إلى يوم القيامة.

تستطيع القوى الدولية إطالة أمد الصراع عسكرياً بتأجيل التدخل أو بمنع المساعدات عن الجيش الحر، لكنها تعجز عن حسمه لمصلحة جيش الأسد وميليشياته الطائفية التي تدفقت من كل حدب وصوب، والحديث عن انتصارات عسكرية لأولئك مجرد هراء، يستعيدون السيطرة على منطقة في ريف دمشق ليخسروا مقابلها ثلاث مناطق في الشمال والجنوب والوسط، أو في دمشق نفسها والريف.

لم تعد الأزمة ملكاً لتوافق روسي – أمريكي، كلٌ لمصالحه وحساباته، والتي تتقاطع مع مصلحة إسرئيلية صارت معلنة، لا تكتفي بتسليم بطل المقاومة لسلاحه الكيماوي إنما تتعداه إلى استمراره في تدمير ما أمُكن أو ما تبقى من سوريا، وتحويل أراضيها إلى ساحة مواجهة مذهبية ينزلق إليها الجميع، وتستنزفهم سياسياً وعسكرياً واقتصادياَ من إيران إلى السعودية التي يصُعب عليها تجاهل تمدد النفوذ الفارسي في خواصرها.

مماطلة أوباما أو تجاهله لخطورة ما يحدث ليست عديمة الأخلاق فقط بل خطيرة، وتهدد بتفجير الشرق الأوسط برمته، ها هو لبنان ينام على وقع التفجيرات الأمنية ليستفيق على عمليات الاغتيال مجدداَ، أحدث ضحاياها وليس آخرهم وزير المالية الأسبق ومستشار الرئيس الحريري محمد شطح، فيما تقود حكومة المالكي المتورطة في سوريا العراق نحو الانفجار الشامل عبر تهديده بحرق خيام المعتصمين في ساحة الرمادي، واستفزاره لمليار مسلم بتحويل قبلتهم من مكة المكرمة إلى كربلاء، وربما غداً إلى قم الايرانية أو مرقد الخميني.

لن تتجاهل واشنطن وموسكو إلى مالا نهاية أن بداية إطفاء الحريق الكبير في المنطقة برمتها، يبدأ برحيل الأسد ولو بالقوة تمهيداً لتوافق السوريين، وهذا ممكن، ويبقى العكس هو المستحيل.. المشكلة في سرعة وتوقيت الإقرار قبل أن تلتهم الحرائق الجميع.

إياد عيسى ـ أورينت نت

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.