تذكّر هجمة “داعش” الأخيرة على كفرنبل بدخول ذلك الكائن إلى محل الخزف، كان بديهياً أن يتحطم كل شيء بين براثنه. كفرنبل التي لا تلوي على شيء سوى لافتاتها ومرحها وسخريتها، كان عليها أن تتلقى ضربة قاسية من أولئك الذين يذكّرون بزوار الفجر، ممثلي النظام السوري ورسله إلى البيوت الآمنة.

هكذا داهمت “داعش” المكتب الإعلامي لكفرنبل، وإذاعة “فريش اف ام” فيها، ومقر “باص الكرامة”، وهو مشروع تأهيلي – إبداعي يستهدف الأطفال النازحين في المدارس، قبل أن تترك كل شيء حطاماً، وتسرق محتويات تلك المقرات من حواسيب وأجهزة اتصال وأثاث، ثم تخطف خمسة ناشطين وتطلق سراحهم بعد ساعات.

ليس جديداُ أسلوب “داعش” في الاعتداء على ناشطين وخطفهم والاعتداء على الحريات، فأساليبها المعتادة لا بد أن تصل بها إلى مواجهة خصمها اللدود “كفرنبل” بما تمثله هذه من مطالبات بدولة علمانية مدنية وديموقراطية. وما تعنيه “كفرنبل” من ضمير للثورة، وبوصلة لها، البوصلة التي قادتها لتوثيق انتهاكات “داعش” كما انتهاكات النظام، هي التي تعي بفطرتها أن هاتين الدولتين، “دولة داعش” و”دولة النظام السوري” ببطشهما وعدائهما للحرية، لا بد ملتقيان في مكان ما.

لا ندري بالضبط ما السبب المباشر لهجمة “داعش” على كفرنبل، لكن يمكن الافتراض بأن وكلاء النظام السوري، من “داعش” وسواها، لا يمكن أن تروق لهم كفرنبل التي وصلت بثورة السوريين إلى العالم، وكانت وجهها الأجمل. في النهاية هي جزء من حرب الاستحواذ على السلطة في كل بلدة سورية محررة، هذا ما شهدناه في سراقب، وكفرنبل، وغيرها من البلدات.

وإذا كان أنصار النظام السوري حاولوا الاصطياد في الماء العكر ليروّجوا لخبر التقاء ناشطي كفرنبل مع مؤيدي النظام في حربهم ضد المتطرفين الإسلاميين فإن إحدى صفحات كفرنبل في عزّ محنتها أصدرت بياناً يقول: “لن نتحد إلا مع الأحرار لإسقاط “داعش” والنظام، ولن نتوقف عن هذا الأمر ما حيينا. إن تنظيم “القاعدة” صنيعة النظام، وبوجوده في سوريا تضاعف عديد أعدائنا، لكننا لن نكلّ ولن نملّ حتى الخلاص من الاثنين معاً”.

إن إطالة أمد الأزمة في سوريا لن ينجب سوى المزيد من العنف والفوضى والتطرف، حيث تتزايد يومياً الاعتدءات على حرية التعبير، كما تزيد أعمال القمع والخطف والقتل. إن كل ذلك ما هو إلا دعم لاستمرار النظام، ولا يمكن أن نفهم من هكذا أعمال إلا انتسابها للنظام ورعاته، كيف نفهم مثلاً اختطاف ناشطين بارزين منذ حوالى عشرين يوماً، هم رزان زيتونة سميرة الخليل ووائل حمادة وناظم حمادي، وعدم معرفة مصيرهم في منطقة تخضع لسلطة المعارضة!

قد تعود “داعش” أو سواها من جديد إلى الاعتداء على كفرنبل وسرقة عدّتها ولافتاتها، تلك التي رفض أبناء البلدة المقاومة مراراً بيعها في معارض بالمزاد العلني، كما يحدث للأعمال الفنية الكبيرة، لكن هؤلاء قاصرون عن إدراك أن أعمال البلدة ذائعة الصيت حفرت عميقاً في وجدان الناس، من غير السوريين قبل السوريين، ولذلك ليس بالإمكان مصادرتها. ثم من قال إن كفرنبل غير قادرة أن تنبت من جديد في غوطة دمشق الشرقية، أو على كرتونة في دير الزور، أو في حي الوعر في حمص. كفر نبل فكرة، ولا يمكن للفكرة أن تموت.

هذه المرة قالت كفرنبل في لافتة لها “لا تجزعوا أنا لا أموت، تعاقبَ الطغيان على أرضي ولم أمت..”. لكن هناك من رفع لافتة دفاعاً عن كفرنبل تقول إن “كفرنبل لن تسقط”، اللافت فيها هو التوقيع، فبعد “كفرنبل المحتلة”، و”كفرنبل المحررة”، تأتي الآن “كفرنبل المغتصبة”.

راشد عيسى ـ المدن

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.