ليلى زين الدين

 عظام بارزة، وجوه ترشح الشحوب، وعيون غائرة، كلها صور تشي بمجاعةٍ حقيقية، يعيشها ما يزيد عن 40 ألف محاصر في مساحة 2 كم2، المكان مخيم اليرموك، حيث حمل الجائعون نعوش أكثر من 42 شخص استسلموا لبطونهم الخاوية.

“غداً سأبحث عن الأوراق المتبقية في شجرة تين قريبة لنطبخها، لكنني سأسبق أولادي في تناولها، لأحميهم من أي ضرر”، هذا ما يقوله أحد الآباء في المخيم الذي مضى على حصاره نحو 7 أشهر، ويضيف “نريد البقاء على قيد الحياة”.

إسراء طفلة لا يتجاوز عمرها الثمانية سنوات، تدخل إلى أحد المخابز المدمرة، وتبحث بين الأنقاض عن بقايا الخبز والكعك، وكل ما تحلم به هو كعكة صغيرة فقط.

مخيم اليرموك

وتتعدد أسباب الموت

لم يبق في المخيم ما يمكن أن يكون غذاءً سوى الحشائش، فما كانت تعتاش عليه العائلات من سبانخ وفجلٍ، والعدس لصناعة الخبز لم يعد متوفراً، وحتى “البزر” الذي تحول إلى خيارٍ وحيد كبديلٍ عن الطحين، أصبح بعيد المنال لغلاء أسعاره وندرة تواجده، حيث وصل سعر الكيلو إلى 4500 ليرة سورية، والخبز المتعفن الذي كان يخلطه أبناء المخيم بالزعتر أيضاً لم يعد متوفراً.

الباحثون عن الطعام في البساتين القريبة من الحجر الأسود ويلدا، للحصول على بعض الحشائش والثمار إن وجدت، لم يكن بحثهم بلا ثمن، القناصات كانت لهم بالمرصاد، وهذا حال شابين وامرأة استشهدوا قنصاً، حسب ما يخبرنا حسان الدمشقي ناشط إغاثي ومؤسس هيئة همسة الطبية في مخيم اليرموك، أما مجموع من ماتوا بسبب الجوع وقنصاً بحثاً عن الطعام خلال الحصار فوصل العدد إلى 42 هذا بحسب ناشطين من داخل المخيم، وآخر رقمٍ في شهداء الجوع كانت الطفلة إسراء المصري ولا يتجاوز عمرها العام ونصف العام.

وبين الموت جوعاً وقنصاً وقصفاً، هناك الموت بفعل التسمم، فالأهالي يقومون بتناول كل ما يمكن أن يقع بيدهم، كالطحين المخلوط بسم الفئران.

عجز طبي

والشأن الطبي ليس بأفضل حالٍ من الغذائي، فمشفى فلسطين الوحيد في المخيم، يعاني من تدهورٍ كبير، بسبب فقدان معظم المستلزمات الطبية، من أدوية وأكياس دم وشاش، وسيرومات، ومفجرات صدر، وسيارات الإسعاف، إلى جانب انقطاع الكهرباء وعدم إمكانية تشغيل أجهزة الإنعاش والعناية، علاوةً عن النقص في الكادر الطبي فلا يوجد أطباء جراحة، ولا طبيب قلبية.

كيف تداوى جراح عشرات المصايبن يومياً؟ سؤال يجيبنا عنه ناشط دمشقي: “والله العظيم حتى الشاش المعقم فقدناه للجرحى، ويوجد شاش غليظ وتم تعقيمه وتقطيعه، حتى لا يمكن أن تمسحي به وجهك بسبب سماكته، أما المادة المعقمة فهي البوفيدون، نخلطها بالكثير من الماء بسبب قلتها”.

ويضيف الناشط: “استقبلت حالة في منزلي واعتنيت بها أنا وزوجتي، وبقيت يومين أبكي من شدة أوجاع المصاب، وبالنهاية اضطررت إلى إعطائه حبوب مخدرة لعله ينام ويستريح من أوجاعه قليلاً، بعد ما غيرت له على جروحه، حيث تعرض من خمسة أشهر لكسر في الفخذ، وشظايا بالظهر والقدم، وحتى اليوم لا يستطيع الوقوف، أخاف أن ينتهي به الحال إلى بتر الرجل، فهناك حالات بتر كثيرة”.

وعجزت كل حملات التضامن والمنظمات الإنسانية عن إدخال كسرة خبزٍ واحدة، أو حث النظام على تنفيذ بنود مبادرة تحييد المخيمات.

الدمشقي الذي هو الآخر لا يجد ما يطعم به أطفاله، ويقول: “حاولنا في أكثر من مرة إدخال قوافل المساعدات لكن ما يحدث دائماً، هو افتعال اشتباكات وهمية من قبل النظام لمنع السيارات من التقدم، وآخرها كان في التاسع من الشهر الحالي، وكان هناك العديد من المنظمات التي تنتظر نجاح هذه المبادرة، لتقوم بإدخال سياراتها كالصليب الأحمر والأونروا، وحماس واليونسيف”.

وفي الهدنة يطول الحديث، فلا حل لإنقاذ المخيم سوى هذه المبادرة، فحتى المقاتلين هنا لا يمتلكون أي خيار سوى الانتظار،  رغم عدم وجود الضمانات، فخروج قوات المعارضة، ستترك المدنيين لمصيرٍ مجهول يخشاه الناشطون، في ظل إرادة بعض الفصائل الموالية للنظام بتسليمه المخيم كاملاً، ورغم ذلك هناك من يحاول للرمق الأخير من أجل إنجاح الهدنة، حسب ما يؤكد الناشط حسان الدمشقي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.