بريمو

لمى شماس

من معتقلات النظام إلى معتقلات الدولة الإسلامية في العراق والشام.. رحلة مريرة مر بها بها الناشط الإعلامي والميداني أحمد بريمو، والذي تم تحريره مؤخراً في مدينة حلب بعد معارك بين فصائل المعارضة وتنظيم الدولة.. في اسطنبول كان بإمكان بريمو أن يتحدث عن تلك التجربة، ولموقع الحل السوري كان هذا الحوار:

ـ من سجون النظام إلى سجون داعش… كيف كانت تلك الاعتقالات وما هي التهم؟

بالنسبة لاعتقالي من قبل النظام ثلاث مرات كانت تهماً معتادة “التظاهر والنيل من هيبة الدولة”، أما اعتقالي الأخير من قبل داعش فتفاصيله أكثر حضوراً في ذاكرتي اليوم…

بتاريخ 16-11 -2013 كنت أحتفل مع أصدقائي بمناسبة عيد ميلادي، فإذا بملثمين يقرعون باب المنزل، عرفت فوراً أنهم مقاتلون من داعش وقد جاؤوا لإلقاء القبض علي، وبالفعل أخذوني مكبلاً في سيارة، و بعد مسافة قصيرة وصلنا إلى حاجز للجيش الحر، وعندما سألهم عناصر الحاجز إلى أي فصيل ينتمون قالوا “نحن من حركة أحرار الشام”، وبالتالي لم يتم تفتيش السيارة  وسمحوا لنا بالعبور…

التفاصيل الأخرى علمت بها بعد خروجي من المعتقل من خلال أصدقائي الذين لاحقوا السيارة وأخبروا حاجز الجيش الحر بأن السيارة التي عبرت قبل قليل اختطفتني، وعندها تواصل الحاجز مع حاجز يليه، وفور وصول السيارة التي تقلني مع عناصر داعش إلى الحاجز الثاني، طلبوا من عناصر داعش الترجل من السيارة، فأشهر عناصر داعش أسلحتهم باتجاه الحاجز، وعندما حاولت الهرب  نحو الجيش الحر، أمسكني أحد عناصر الحر ليحميني، فاقترب منه عناصر داعش وبدؤوا بالصراخ “اتركه سنأخذه نحن الدولة الإسلامية”، فتركني  وقال لي “اذهب ولا تخف هؤلاء أخوتنا”، وقال أيضاً إنه سيركب معي في السيارة ذاتها كي اطمئن، ولكنهم لم يسمحوا له بذلك..

بعد دخولنا إلى المقر الأمني وضعوني في زنزانة جماعية، كان بداخلها حوالي 40 معتقل، وبعد ساعات تم طلبي للتحقيق، حيث وجدت اشخاصاً عرفت في مابعد أنهم كبار مسؤولي الدولة الإسلامية، وقام هؤلاء بضربي وتعذيبي، وهم “أبو الأثير العبسي – والي حلب”، و”أبو عبيدة المغربي رئيس المقر الأمني” وعدد من أمراء الدولة كما يسمونهم، انهالوا عليّ جميعاً بالضرب بالعصي والهروات، وكانوا حوالي ستة أو سبعة أشخاص، وتم تعذيبي بلؤم شديد، حيث أغمي علي أثناء التعذيب مرتين أو ثلاث مرات، فكانوا يقومون بإيقاظي ويتابعون تعذيبي..

ـ وانتهى التعذيب بانتهاء التحقيق؟

لا.. نزل معي إلى الزنزانة كل من شارك في ضربي، وقبل أن يخرج الوالي من الزنزانة  قال  لرئيس المقر الأمني وللمحققين “هذا المعتقل يبقى معصوب العينين ومكبلاً، وضعوا في رأسه غطاءً كي لا يرى أحداً ولا يراه أحد”، وفي كل نصف ساعة أو ساعة يدخل إلي حوالي خمسة أشخاص ويقومون بضربي وتعذيبي.. وأثناء الضرب كانوا يشتمونني بكلمات نابية  وإهانات، ويسألونني أين هو ذاك الإعلامي أو ذاك العلماني..

ـ ماذا عن الطعام؟

فقدت شهيتي للطعام بشكل شبه كامل لمدة 20 أو 25 يوم، وبعد مرور أسبوعين لم أعد استطع النوم، من شدة الألم لأنني كنت مكبلاً طوال الفترة، وكانت أصوات الأشخاص الذين يتعرضون للتعذيب تؤثر بجميع المعتقلين، وتزيد من ألمنا.

ـ ماهي التهمة التي وجهت إليك ؟

تم استدعائي للتحقيق للمرة الثالثة والأخيرة، ووجهوا لي تهمة الإساءة لداعش وتسليم أحد أصدقائي للأمن وهو معتقل فعلاً لدى النظام، وخلال التحقيق الأخير قاموا بتعذيبي بأسلوب قاس بواسطة الكهرباء بشكل مباشر على جسدي وفي مناطق حساسة  ( الوجه – تحت اللسان .. اليدين ) بالإضافة للجلد والضرب بالعصي.

استمر تعذيبي حينها أكثر من ساعتين كنت خلالها “مشبوحاً” على آلة خاصة، وبعدها أنزلني المحقق من على آلة التعذيب، وأخبرني أنه سيعيدني إلى الزنزانة، وأنه في حال لم تثبت علي أية تهمة سيفرجون عني بعد يومين أو ثلاثة أيام..

ـ هل قدرت التعرف على جنسية الذين قاموا بتعذيبك؟

الغالبية العظمى منهم سوريون وتحديداً من مدينة حلب، كما أنني التقيت بثلاثة عناصر من السعودية، والعراق، المغرب.

ـ هل لديك أية معلومات عن المجزرة التي نفذتها داعش في المعتقل؟

قبل التحرر بوقت قصير، صرنا نسمع أصوات الاشتباكات من مكان بعيد.. ثم بدأت الأصوات تقترب منا أكثر فأكثر، ولم يعد يصلنا طعام، والمياه كانت مقطوعة وكذلك الكهرباء..

وفي فجر يوم الاثنين 6- 1-2014، فتح الباب عنصران، وبدؤوا بقراءة بعض أسماء المساجين وإخراجهم بحجة أنه تم الإفراج عنهم، كان هناك 11 زنزانة في الطابق السفلي، وست منفردات، أخذوا من كل زنزانة عدة أشخاص… وفي المرة الأخيرة سمعت عنصرين يرددان اسمي ولكن وفور سماعنا صوت المفتاح يخترق الباب سقطت قذيفة أو قنبلة على المبنى، وعندها ترك العناصر الباب وصعدا للطابق العلوي، بعد خروجي من المعتقل، علمت أنهم أعدموا كل من أخرجوه من الزنزانة في ذلك اليوم.

ـ وعلمتم أن تلك الاشتباكات كانت من أجل تحريركم؟

اشتدت الاشتباكات وصرنا نسمع أصوات الثوار متقدمين باتجاء البناء، تشجع بعض المساجين وكسروا الأبواب،  وحرروا جميع من في الزنزانات و كنت واحداً منهم..

عندما كسر المساجين  باب زنزانتنا أخبرونا أننا سنخرج كلنا دفعة واحدة، وأننا لن نتراجع مهما حصل، ونحن وافقنا على ذلك لأننا إن بقينا سنموت من العطش والجوع، ناهيك عن أن داعش ربما تكون قد فخخت المكان، لأن مقاتلاً عراقياً في داعش أخبرنا بأن الدولة باسوأ الاحوال لن تستسلم وأنها ستفخخ المكان ..

وبالفعل خرجنا إلى ساحة السجن، وبعدها إلى مقبرة تقع خلف البناء ثم  انتقلنا إلى أحد الأحياء حيث قابلنا الثوار.

ـ هل تتذكر تصفيات على إثر الانتماء الطائفي حصلت في المعتقل؟

نعم لقد أعدموا شخصين ينتميان إلى الطائفة الأرمنية.. كنا نشعر بغصة تجاه كل شيء يقومون به خاصة وأن ذلك يتم باسم الإسلام، على الرغم من أن تصرفاتهم وطرق تعذيبهم لا تمت للإسلام بأية صلة، ورغم أن أغلبية المعتقلين مسلمين إلا أننا  تعرضنا لأبشع أنواع التعذيب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.