جواز السفر… مذكرة أمنية قبل أن تكون وثيقة انتماء وطني

جواز السفر… مذكرة أمنية قبل أن تكون وثيقة انتماء وطني

جواز

رامز أنطاكي

جواز السفر الذي كان عبارة عن مذكرة شخصية رسمية تصدر من إحدى فروع إدارة الهجرة والجوازات في سورية بات اليوم حلماً لدى البعض، داخل وخارج سورية، خاصة المطلوبين للفروع الأمنية أو الخدمة العسكرية أو من تساورهم شكوك بهذا الخصوص.

يخشى الكثيرون من مراجعة فروع الهجرة والجوازات داخل سورية خاصة بعد تسجيل عشرات حالات الاعتقال من هذه الفروع لشبان وفتيات سوريين، كما يخشى سوريون مقيمون في دول الجوار من الحضور إلى السفارات لتجديد جوازاتهم أو تمديها خوفاً من أن تصادر أو يطلب منهم مراجعة إدارة الهجرة والجوازات في دمشق، لتعلق إزاء ذلك الكثير من مخططات السفر أو الالتحاق بمنح علمية أو عقود عمل بسبب عدم صلاحية الجواز وعدم القدرة على تمديه أو تجديده أو الحصول على جواز جديد.

تجارب في السفارات..

سامر، شاب كان من سكان دمشق، تعود أصوله إلى المنطقة الجنوبية في سورية، غادر بيته ليستقر في بيروت بحثاً عن مصدر رزقٍ أفضل بعد انطلاق الثورة في سورية وتوالي الأحدث، يقول: “مدّدت جواز سفري في السفارة السورية في لبنان الواقعة في منطقة بعبدا أواخر العام الماضي، التمديد الذي يجري على الجواز القديم نفسه كان مجانياً ولمدة سنتين، الأمر تطلب وجودي الشخصي لتقديم طلب مكتوب، سلمته في السفارة لأعود بعد 15 يوم وأتلقى نتيجة إيجابية، أي أن الموافقة أتت من دمشق على تمديد جوازي، أحضرت جوازي وصورتين شخصيتين لي، وانتظرت قرابة ساعة من الزمن حتى تجمع عدد كافٍ من الجوازات التي ينتظر أصحابها تمديد صلاحيتها، فتم ذلك عبر لصاقة توضع على إحدى صفحات الجواز مذيلة بتوقيع السكرتير الأول في السفارة”.

ويؤكد سامر أنه لم يضطر لدفع أي مبلغ مالي كرشوة، وأن موظفي السفارة كانوا حسني التعامل مع المراجعين، إلا أنه كان من الواضح بالنسبة له أنهم أشخاص غير مؤهلين لشغل الوظائف التي يعملون فيها.

تجربة سامر ليست عامة فالكثير من الأشخاص الذين لهم وضع مختلف من الناحية الأمنية من وجهة نظر النظام، يعود طلبهم للتمديد أو التجديد من دمشق مع عدم الموافقة، فيمتنع حينذاك موظفو السفارة عن التعامل مع جوازهم طالبين منهم مراجعة فرع الهجرة والجوازات في دمشق لتسوية وضعهم، مما يعني عملياً أنهم مطلوبون لأحد الأجهزة الأمنية أو أكثر وأن رحلتهم إلى دمشق ستكون رحلة مستحيلة أو مغامرة ليست مضمونة العواقب، وسفرهم خارج لبنان معلق بسبب انتهاء صلاحيات جوازاتهم.

تجديد الجواز ليس مجانياً كالتمديد، هناك رسوم كانت محددة بـ 385 دولاراً أميركياً، خفضت الآن حتى صارت 200 دولاراً أميركياً، ومن الممكن أيضاً الاستحصال على جواز سفر للمرة الأولى عن طريق السفارة السورية في لبنان لكن الأمر يتطلب انتظاراً طويلاً قد يفوق الأشهر الستة.

وعن حركة المراجعين في السفارة يقول سامر “حين مددت صلاحية جوازي لم يكن هناك ازدحام في السفارة من قبل أصحاب المعاملات المختصة بجوازات السفر، كان الإقبال متوسطاً، لكن الازدحام كان يتركز عند الموظفين الذين يتولون أمور المعاملات التي تتعلق بأمور الخدمة العسكرية وتأجيلها ودفع بدل الخدمة.

وفي تركيا يخبرنا فخري الحاج بكار أنه قام بتمديد جواز سفره في القنصلية السورية في اسطنبول “كانت الكلفة تقارب الـ 160 يورو وارتفعت لاحقاً إلى 280 يورو، قاموا بتجديد جواز سفري لمدة أربع سنوات بكل سلاسة رغم علمي الأكيد أنني مطلوبٌ لدى أجهزة النظام الأمنية بسبب نشاطي المعارض، أما تجديد الجواز فيستغرق وقتاً طويلاً يصل إلى ستة أشهر، وبحسب معلوماتي فقد بدأت القنصلية مؤخراً برفض تمديد أو تجديد جوازات السفر التي يحملها شبانٌ مطلوبون للخدمة العسكرية في سورية”.

جواز سفر

جوازات مزورة

وسام الذي ينتمي لعائلة معروفة بنشاطها السياسي المعارض، أضاع جواز سفره في تركيا، فبادر إلى الإتصال بالقنصلية السورية في إسطنبول شارحاً حالته دون أن يعلن عن هويته، فكان الجواب الذي تلقاه يفيد بأن يحرر محضراً بضياع جوازه لدى الشرطة التركية، مما يمكنه أن يعبر الحدود التركية السورية نحو حلب حيث يمكن له أن يستخرج جوازاً بدل ضائع.

يقول وسام: “لم يكن هذا الحل وارداً بالنسبة لي، لثقتي بأنه سيتم القبض علي فور وصولي إلى المركز الحدودي السوري”، إثر ذلك عرض أحد التجمعات الحزبية المعارضة عبر أحد أعضاءه على وسام، أن يؤمن له جواز سفر مزور، “لم يكن أمامي أي حل متاح آخر فقبلت بهذا العرض، لكن لسوء حظي لم ينجح الأمر كما يجب، إذ أن ضابط الأمن التركي الذي كان مناوباً في المنفذ الحدودي حيث كنت أهم بالعبور نحو سورية، اكتشف أن الجواز الذي بحوزتي مزور حال أن أمسك به.” تعرض وسام للتحقيق وللتهديد بترحيله إلى سورية، لكن بعض الإتصالات تكفلت بالإفراج عنه لكن مع نقطة سوداء في سجله لدى الشرطة التركية، ليعود إلى نقطة الصفر من حيث وجوده في تركيا دون أن يمتلك وثيقة رسمية سورية تؤهله للسفر والتنقل.

“كدت أن أيأس لولا أن توصلت عبر بعض الأصدقاء إلى ديبلوماسي سوري متعاطف مع الثورة، يعمل في سفارة تقع ضمن أحد بلدان القارة الأميركية، وقد وفّر لي جواز سفر سوري رسمي دون أي كلفة مالية، أمكن لي بواسطته أن أمارس حقي في السفر والتنقل، لكن مما يؤسف له أن هذا الديبلوماسي ترك منصبه في السفارة مما حرمه إمكانية الإستمرار في تقديم هذا النوع من التسهيلات والخدمات”.

أما جورج الناشط السوري المقيم في إحدى الدول الأوروبية بعد مغادرته سورية هرباً من خطر الإعتقال، فكانت مشكلته تتلخص في تمديد صلاحية جواز سفره عبر السفارة السورية في البلد الذي يقيم فيه، يقول جورج في هذا الصدد: “قدمت طلباً مكتوباً لتمديد جواز سفري فجاءني الجواب لاحقاً بالرفض بحجة أنني مطلوب لخدمة العلم، بينما أبلغني أحد أقربائي الذي له علاقات مميزة بموظفين في السفارة، أن السبب الحقيقي لرفض طلبي هو أنني مطلوب لأحد الأجهزة الأمنية بسبب نشاطي الثوري”.

تبقى بعض الوسائل الجيدة متاحة لحل أزمة جواز السفر السوري لدى السوريين الذي يواجهون مشاكل تعترض تمديد أو تجديد جوازات سفرهم، وسائل أخبرنا عنها بعض من استخدمها من الناشطين السوريين لكننا نتجنب إيردها هنا لنحافظ على إستمرارية هذه الوسائل وعدم الكشف عنها على صعيد واسع قد يهدد بتوقفها أو منعها.

تبدو الحالة الأمنية لطالب التمديد أو التجديد أو الاستحصال على الجواز هي أساس المعاملة بالنسبة لمؤسسات الدولة وفروعها القنصلية والسفارات، فموافقة فروع الأمن على منح ذاك الشخص موافقة تمديد هي ما يعني تمديد جوازه، أما ورود اسمه في إحدى سجلاتها كمطلوب لأمر ما هو ما يعني رفض طلبة أو مصادرة جوازه أو على الأقل محاولة إجباره على الالتزام بالبلد الذي يقيم فيه عن طريق منع تسيير أوراقه.. وبذلك تبقى الأمور المتعلقة بجوازات السفر وتمديدها وتجديدها همّاً وقلقاً حقيقيين ومزمنين يحملهما السوري المعارض، سواء كان داخل سورية راغباً في مغادرتها، أو خارج سورية يريد ممارسة حقه في السفر والتنقل. وسيبقى هذا المواطن السوري رهين مزاجية أجهزة الأمن السورية التي تقيد حقه الحيوي في السفر والتنقل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.