رقة1

جمال بيطار

“لكل شخص الحق في التعلم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزامياً وينبغي أن يُعمّم التعليم الفني والمهني، وأن يُيسر القبول للتعليم العالي على قدمِ المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة”. تلك هي الفقرة الأولى من المادة 26 في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.  

في سوريا، لا يبدو الانطلاق من بيانٍ أممي إنساني ضرورياً، إذ من الأجدى القول، إنّه وفقاً لدراسة أصدرتها منظمة اليونيسيف في ديسمبر/كانون الأول 2013، انخفضت وتيرة التعليم في سوريا بشكلٍ حاد، وأُجبر أكثر من ثلاثة ملايين طفل على التوقف عن التعلم جرّاء الصراع.

ووفقاً لدراسة المنظمة، فإنّ “واحدة من بين كل خمس مدارس في سوريا أصبحت غير صالحة للتعليم”، إمّا بسبب تعرضها للضرر والتدمير جرّاء استخدامها في الصراع، لغاياتٍ غير تلك التي أُعدت من أجلها، أو لأنّها أصبحت ملجأ للنازحين داخلياً.

تحتاج المدارس المتبقية، التي مازالت تعمل ويُحشر فيها مئاتٌ من الطلاب، أساليباً تعليمية جديدة. ولا بد من رصد تلك المناهج، أو على أقل تقدير، معرفة ما يقرأه الأطفال الآن، تحت وطأة الأثر النفسي والإنساني الناتج عن الدمار.

ثلاثة نماذج للمناهج

باتت المناهج التعليمية، الموجودة حالياً، في عداد الأمور المقلقة جداً للراصد الأكاديمي، أولها النموذج التعليمي القائم منذ فترة طويلة، المُتمثل في مناهج النظام، ذلك التعليم الذي طالما عمد حسب مقيّمين إلى “تدمير ذهنية الطفل وإشباع عقله بأفكارٍ لن تُعلمه في يومٍ معنى المعرفة وأكثر أدواتها أهمية الحرية”.

النموذج الثاني الذي بدأ بالظهور في سوريا كمنهجٍ تعليمي، يبدو أنه لم يختلف عن سلفه. يَردُ في إحدى كتب منهاج التاريخ للمرحلة الثانوية، الذي يُدرس في مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، هذا المقطع “نأى النظام اللاشرعي في سوريا بنفسه عن طموحات الشعب، وتدّخل في لبنان، وضرب التضامن العربي  بوقوفه إلى جانب إيران في عدوانها على العراق، وكانت الجريمة الكبرى بتوريث الحكم إلى ولدهِ المدعو (بشار الأسد) لتدخل سوريا بعدها في ثورةٍ عارمةٍ”.

الخلاف والاتفاق مع مضمون تلك الجملة ليس هو مثار الحديث، إلا أنّ آلية تقديم الفكرة، والفجاجة في الطرح، وتوجيه الذهنية، يبدو غير مختلفٍ عن نموذج النظام بشيء، فهو يتجه بدوره إلى ملء ذهنية الطالب بأفكارٍ بعيدة عن التحليل العلمي، حيث لا يتم استعراض واقع الحقيقة التاريخية، بقدر ما يتم إعطاؤها تقييمات وأفكار جاهزة.

النموذج الثالث، الأقل انتشاراً حالياً في سوريا ولكنّه الأكثر تسارعاً من حيث وتيرة الانتشار، هو التعليم الأيديولوجي الديني، إذ شكّل مضمون المنهاج مشكلة كبيرة، في المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة، والحالة في الرقة لا تُشكل استثناءً. تشهد تلك المناطق صراعاً بين العديد من القوى، التي بمعظمها تيارات دينية أيديولوجية، في محاولةٍ منها لإعطاء التعليم الصبغة الدينية التي تميلُ إليها.

طبيعة المناهج ومشاكلها

الكثير من المدارس مازالت تعتمد المنهاج الذي كان موجوداً سابقاً، لكن في الكثير منها، امتنع المدرسون عن تدريس مادة التربية القومية لكلٍ من المرحلتين الإعدادية والثانوية.

إحدى أبرز المشاكل التقنية التي تواجه القطاع التعليمي، على سبيل المثال في محافظة الرقة، هو تدريس المواد العلمية، ويبرز في مقدمتها الفيزياء والرياضيات.

يقول أحمد، وهو خريج قسم الرياضيات من جامعة دمشق  “هناك نقص كبير في الكادر الذي تقوم بتدريس المواد العلمية، ويتواجد أيضاً ضعفٌ في الإمكانيات العلمية لدى الكادر الموجود، هذا الضعف ناتجٌ عن نقصٍ في التأهيل والظروف النفسية التي يعيشها المجتمع ككل”.

من جهة ثانية، يختلف الناشطون في توصيف دور تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، في القطاع التعليمي، حيث قامت “داعش” بتأسيس ما يُعرف بـ “دائرة التعليم في ولاية الرقة”، ويقولون إن “نقابة المعلمين الأحرار هي إحدى الجهات التي تساهم في العملية التعليمية في المدينة،” وهذه النقابة موالية لـ “داعش”.

ويؤكد الناشطون على ما يقال بإن “داعش تكفلت بإعطاء رواتب للمعلمين في بعض المناطق النائية من ريف الرقة” لكنهم يُشيرون إلى أنه لا وجود لأي تأكيد حول هذه القضية.

مدارس الرقة بين قصف النظام وعمالة الأطفال   

بدا خروج النظام من الرقة بدايةً لتحقق الحلم في التخلص من النظام الديكتاتوري بالنسبة للسوريين الذين يؤيدون الثورة، ولكنّ إهمال هذه المحافظة وتسليمها للفوضى، أدىّ إلى نتائجٍ كارثية. وكالعادة دفع القطاع التعليمي، كما في كل الصراعات، الضريبة الأكبر.

الناشط في المجال التعليمي، أحمد، يصف العملية التعليمية في الرقة بأنها “سد رمق”، ويوضح أن العملية التعليمية لها تقوم ” كي لا يتوقف الطلاب عن الدراسة والمدرسة فحسب”.

ويعلل ذلك بالقول “أنّ ظروف المدرسة وحتى أساسياتها غير موجودة، فالمدارس غالباً ما تكون مغلقة وأحياناً يقتصر الدوام على بضع ساعاتٍ في اليوم”.

من جهته، يُشير الناشط الميداني، حسين، أن الأهالي يخافون من إرسال أبنائهم إلى المدارس بسبب القصف المستمر على الرقة، لكن ليس القصف وحده هو السبب، إذ يقول حسين “يُمكن القول إنّ نسبة الدوام تراجعت بشكلٍ كبير عمّا كانت عليه في العام الفائت، بسبب نزوح عددٍ كبير من السكان وعمالة الأطفال”.

ولا تبدو عمالة الأطفال غريبة في ظل الوضع القائم في الرقة أو في مناطق أخرى تعاني من الحصار، وبحسب حسين، فإن “نسبة لا بأس بها من الأطفال يعملون في مجالات الصناعة المحلية وكباعة على الأرصفة في الشوارع من أجل مساعدة أهاليهم في تحمل أعباء الحياة وكسب العيش”.

الواقع والصعوبات

بعض المدارس الحكومية التقليدية مازالت تعمل في الرقة، وذلك حصل باتفاق بين النظام والعديد من الأطراف المعارضة، على ضرورة استمرار العملية التعليمية في حدودها الدنيا.

يقول حسين، إن مدير تربية الرقة الموجود في دمشق “يدير ما يستطيع من شؤون المدارس، ويتم ذلك عبر موظفي المديرية الذين لايزالون يعملون (في الرقة) ويرفعون سجلات الدوام من أجل أن يقوم الموظفون باستلام رواتبهم”.

ويرى الكثيرون أنه من الغريب أن يقوم النظام بدفع رواتب المدرسين في محافظة الرقة حتى الآن، وهو لا يسيطر على أي جزء منها، ولكنّ هذه الرواتب يتم تجميعها على أشهر عديدة، بعدها على المدرس السفر إلى مدينة دير الزور من أجل أن يستلم رواتبه.

هذا السفر محفوفٌ بالمخاطر، فالكثير من المدرسين والموظفين في المجال التعليمي مطلوبٌ لجهاتٍ أمنية، ويشير حسين إلى أنه “في بعض الأحيان، يذهب مدرسون أو موظفون لاستلام رواتبهم ولا يعودون، حيث يتم اعتقالهم على الطريق”. ويؤكد “عدد المعلمين الذين طُردوا من وظائفهم قليل، ولكنّ عدد الموظفين، لدى القطاع التعليمي، الذين طُردوا من وظائفهم كبير جداً”.

بعض المدارس اليوم خاضعٌ لسيطرة الكتائب المعارضة حيث تحولت إلى مقراتٍ لها، الأمر الذي ساهم إلى حدٍ كبير في تراجع العملية التعليمية في الرقة، إلا أنّ المكتب التربوي في المجلس المحلي واتحاد المعلمين الأحرار وهي هيئة تمّ تشكيلها من قبل مدرسين مدنيين، بالتعاون مع منظماتٍ دولية، يقومون بمحاولة إعادة تأهيل بعض المدارس المغلقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.