حر

 ليلى زين الدين

انقسامات الكتائب المقاتله وصراعاتها، وانهاك الحاضن الشعبي، وحصار الجوع والموت، عوامل عديدة ساهمت في فرض النظام شروطه على الثوار، وحولت بعض عناصر الجيش الحر إلى ما يسمى بـ “لجان دفاع وطني”، وفقاً للاتفاقات الجديدة التي تطبخ على نار النظام الهادئة في المناطق الميحطة العاصمة دمشق.

البعض يرى في مثل هذا الاتفاق إخماداً للثورة، والبعض الآخر يعتبرها الخيار الوحيد أمام الثوار المحاصرين مع المدنيين في جنوبي دمشق، فكيف يمكن الاقتناع بأن يتحول الجيش الحر إلى دفاع وطني؟.

جنوبي دمشق المحاصر منذ أكثر ثمانية أشهر والذي يضم مدن وبلدات “يلدا”، و”ببيلا”، و”بيت سحم”، و”مخيم اليرموك” الفلسطيني، و”القدم”، و”العسالي”، و”الحجر الأسود”، و”السيدة زينب”، و”الحسينية”، شيع أكثر من 110 شهداء قضوا بسبب الجوع، وخلال الأيام القليلة الماضية دخلت إلى بعض مناطقه مساعدات غذائية “بالقطارة” وفق ناشطين.

 مستقلة لكن تابعة للنظام!!

وبسبب الحصار المطبق الذي فرضه، استطاع النظام إجبار الثوار على الدخول في اتفاقياتٍ وهدنٍ يعتبرها كثيرون مجحفة بحق الثورة.

وبالدخول في تفاصيل الاتفاق الجديد، يشير مصدر عسكري فضل عدم ذكر اسمه إلى أن الفكرة الأساسية هي إنشاء لجان ضمن قوات الدفاع الوطني يتم تشكليها من الجيش الحر نفسه، مهمتها حماية مناطقها وضبط وضعها العسكري، ومنع دخول قوات غريبة إلى المنطقة، عبر التنسيق مع ضابط ارتباط بين اللجان الجديدة في المناطق التي تهادن والأصل في دمشق قيادة الدفاع الوطني.

وما يتم الترويج له في الوقت الحالي هو التأكيد على استقلالية اللجان وعدم تبعيتها لا للنظام ولا للجيش الحر، وهي “نقطة السم التي يدسها النظام في كأس العسل” وفق ناشط من يلدا، فكيف سيكون هناك استقلالية والعلاقة المباشرة والنهائية ستكون مع قيادة الدفاع الوطني “التابع للنظام”؟.

الناشط المطلع على نص الاتفاق سامح همام يؤكد أن التشكيل الجديد لن يكون مستقلاً بأي شكلٍ من الأشكال، “نص الهدنة مكتوب بطريقة شديدة الذكاء”.. ضمن النص لا توجد أية إشارة لا للنظام ولا للمعارضة، وعنوان الاتفاق هو “مشروع الدفاع عن الوطن”، لكن ضمن البنود تم تمرير فكرة “تبعية هذه اللجان للمقر الرئيسي للدفاع الوطني”.

متأهب للمواجهة

والملفت في الاتفاق الجديد هو تعاطي الجيش الحر بجدية مع فكرة تحولهم لدفاع وطني تابع للنظام، ويبدو أن وجهة نظر الحر تتمثل في تمسكهم بمناطقهم وعدم تسليم سلاحهم أو تسوية أوضاعهم، وهذا بحد ذاته نقطة قوة تجعلهم قادرين في أي لحظة يشعرون فيها بأي خطر العودة للمواجهة من جديد.

 أما ما يجبرهم على مثل هذا الاتفاق، فهو ضغط الحاضن الشعبي من جهة، وضعف قوة الكتائب القائمة من جهةٍ ثانية، حسب ما يشير الناشط مؤكداً أن “تشكيلات الجيش الحر التي بقيت في المنطقة ضعيفة جداً، فحالة الحصار والجوع دفعت المدنيين إلى التخلي عن الجيش الحر، وتركه وحيداً في مواجهة النظام، علاوةً عن الممارسات السيئة لبعض الكتائب “مثل لواء الحجر الأسود” وأبعدت الحاضن الشعبي عن “حاملي السلاح”.

وإذا كان الحاضن الشعبي منهكاً مما عاشه طيلة السنوات الثلاثة الماضية، فالجيش الحر هو الآخر تعب من الحرب، لا سيما مع ظهور داعش في جنوبي دمشق ونشاطها في المنطقة، ما جعل كل الخيارات القائمة أمام الجيش الحر سيئة، وهم يفاضلون اليوم بين أقل الخيارات سوءاً، حسب ما يشير الناشط، الذي يربط بين تواجد داعش وهذه الاتفاقيات، ليكون عاملاً مساعداً في الدفع أكثر باتجاه عقد التسويات مع النظام، وتحت أي شروط.

 النظام يماطل

العديد من مناطق جنوبي دمشق معنية بهذا الاتفاق باستثناء مخيم اليرموك الذي يدخل ضمن إطار مبادرة تحييد المخيمات، لكن إلى الآن لم تحسم بعض النقاط الإشكالية، كتلك المتعلقة بتمركز القوات والخروج الآمن للمسلحين الغرباء عن المنطقة “كلواء أبابيل حوران”.

وفي الوقت الذي يستعجل فيه الحر لتنفيذ الهدنة التي تؤدي بالنتيجة إلى فك الحصار عن المدنيين، نجد أن النظام يماطل، ففي يلدا، يؤكد الناشط أبو سعيد أنهم قدموا للنظام قوائم بأسماء عناصر الجيش الحر الراغبين في التحول إلى دفاع وطني، لكن الاتفاق إلى الآن لم يتم تنفيذه، ويتهم النظام أنه يماطل ليكسب الوقت من جهة، ومن جهةٍ ثانية ليحصل على أكبر مكاسب ممكنة من الثوار.

وبطبيعة الحال لا يبدي الناشطون ارتياحاً حيال هذه الهدن، لقناعتهم أن النظام سيعطي الثوار في المرحلة الأولى الأمان، لكنه بعد ذلك سيعمل على القضاء عليهم، وبالنتيجة إخماد الثورة، في حين يعتقد فريق آخر أن الهدنة يمكن أن تصب في صالح الثورة، لإعادة الروح للحاضن الشعبي المنهك، والثوار يمتلكون زمام الأمور في مناطقهم وأي خرق من قبل النظام سيكون الرد جاهزاً.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.