حشيش

رامز أنطاكي

“الحشيش”! المخدر المعروف ذائع الشهرة في لبنان، والذي كان يعتبر في سورية نوع من أنواع المحرمات، بات اليوم محل إنتشار وتداول غير مسبوق في أوساط السوريين في بلدهم وفي مناطق تواجدهم في لبنان.

الحشيش أو الحشيشة، المعروف علمياً بــ “Cannabis sativa”، نبتة تزرع بالبذور لتتحول إلى شجيرة يتراوح طولها بين 1 و2.5م، أوراقه طويلة وأزهاره صغيرة وخضراء اللون ذات غلاف زهري، والنبتة المؤنثة تحتوي على نسبة أكبر من المادة المخدرة، قياساً بالنبتة المذكرة، ويمتاز الحشيش المعروف أيضاً بإسم القنب الهندي بقدرة تحمله العالية لتغيرات المناخ والحرارة، فيتحمل برد الشتاء القاسي وحرارة الصيف القوية في منطقة كسهل البقاع اللبناني، ويزرع خلال شهري آذار ونيسان.

يصل الحشيش إلى المتعاطي بعد تصنيعه على شكل عجينة، يمكن للمتعاطي الخبير كشف نوعيتها من خلال لونها ورائحتها، فالغش مألوف هنا، إذ يعمد بعض التجار إلى غلي بعض صمغ الأشجار مخلوطاً بماء وبعض الحنة بالإضافة إلى حشيش من نوع سيء، لتشكيل عجينة حشيش مغشوشة، تباع بسعر رخيص وتلعب دوراً مخدراً لكنه ذو نوعية سيئة. وقد يصل الحشيش إلى المستهلك الغني على شكل زيت الحشيش الذي يعتبر شديد النقاء وقوي المفعول مما يؤدي إلى إرتفاع سعره وبقائه بالتالي محصوراً بين أغنياء المتعاطين.

يعود تاريخ زراعة الحشيش في لبنان إلى ما قبل الحرب الأهلية التي بدأت عام 1975، لكن هذه الحرب ساهمت في ازدهار هذه الزراعة والصناعة الملحقة بها، إذ تفيد إحصائيات الأمم المتحدة أن لبنان صار خلال الحرب المصدر الأساسي للمخدرات في الشرق الأوسط بمعدل إنتاج سنوي يقارب ألف طن، بينما تعادل المساحات المزروعة بالحشيش في المواسم الأخيرة 1500 هكتار. سورية أيضاً عرفت زراعة الحشيش لكن على نطاق شديد الضيق، ومرد ذلك التشدد الأمني في مكافحة هذه الآفة.

 كانت الدولة اللبنانية تعمل سنوياً على إتلاف ما يمكنها رصده من الحقول المزروعة بالحشيش والمنتشرة خصوصاً في منطقة بعلبك-الهرمل، ولكن مقاومة المزارعين للدولة خلال عملية الإتلاف وصلت درجة إستهداف مركبات الجيش اللبناني المشرف على العملية بالقذائف الصاروخية. شراسة هؤلاء المزارعين بالإضافة إلى شبه الغطاء السياسي المتوفر لهم، وإنشغال الأجهزة الأمنية اللبنانية بالمشاكل الأمنية المستجدة جراء الأحداث الدائرة في سورية، هذه كله أدى إلى إنتعاش زراعة الحشيش اللبناني خاصة مع سهولة تهريبه إلى سورية بسبب تراخي قبضة الأجهزة الأمنية السورية في المناطق الحدودية.

رواج سوري

بات واضحاً مع تقدم عمر الثورة في سورية أن الحشيش بات مخدراً يتمتع بوجود متقدم جداً قياساً بالفترات الماضية، في دمشق وفي حلب مروراً بحمص، لم يعد أمر متعاطي الحشيش مستهجناً كما في السابق ولم يعد الحشيش كمخدر صعب المنال كما كان معروفاً، يقول عصام، الشاب السوري المقيم في لبنان منذ سنتين، والذي يتردد دورياً على مدينته دمشق: “رأيت بأم عيني شخصاً يمكن اعتباره نافذاً يدخن علناً لفافة حشيش في مطعم معروف يقع ضمن منطقة باب توما الدمشقية، الناس باتوا أكثر تساهلاً مع الموضوع، ربما هي حالة التوتر العام والدائم التي أصابت أفراد المجتمع السوري جراء الأحداث الدائرة في البلاد، وأيضاً أعلم كشاب أن كل ممنوع مرغوب، خاصة إن كان هذا الممنوع متوفراً بسعر معقول”.

مقدار من الحشيش الجيد النوع من زنة تسمى “نص ربع” تكلف قرابة 50 د.أ. في لبنان، ويقال أن سعرها أرخص من ذلك في دمشق، مما يزيد الإقبال عليها وإعتبارها مخدراً بديلاً أفضل من المخدرات الكيميائية  الشعبية التي كانت رائجة في سورية كحبوب “كبتاغون” وشراب “سيمو”، في هذا السياق يقول جوهر وهو شاب فلسطيني يتنقل بين البقاع الشمالي وأحد المخيمات الفلسطينية قرب بيروت: “علمت أكثر من مرة عبر أصدقاء، عن صفقات تبادل بين مهربين من البلدين، فالمهرب السوري يأتي بالحبوب والشراب عن طرق عرسال أو وادي خالد غالباً، ليستبدلها بالحشيش من التاجر اللبناني، والعكس صحيح، التجارة أمست مزدهرةً جداً، مثلها مثل تجارة السلاح الذي يتدفق من لبنان إلى سورية، يهربون الحشيش إلى سورية، ويروجونه في الداخل اللبناني على نحو فاق المعدلات السابقة، إذ إن المجتمع السوري الشاب الناشىء في لبنان جراء اللجوء، عرف بعضه الحشيش وتعلق بتعاطيه، بإعتباره أمراً جديداً متوفراً يمكن له أن ينفس مشاعره السلبية من خلاله، خاصة مع غياب رقابة الأهل الذي بقوا في حالات كثيرة داخل سورية”.

في إطار التجارة في لبنان يخبرنا جوهر: “أبو علي المعروف بأبو اليتامى، مكتبه قرب نزلة مشفى الرسول الأعظم، تاجر حشيش معروف على نحو علني، يمارس نشاطه رغم وجود عناصر الأمن اللبناني وعناصر أمن حزب الله، مع توفير خدمة توصيل المخدرات إلى المنازل! حتى عندنا في المخيم، صار هناك تجار سوريون، يمكنك دخول المخيم بعد حلول المساء لترى “البسطات” التي تحتوي الحشيش بأنواعه بالإضافة إلى الحبوب… المزارعون وكبار التجار من أبناء الطائفة الشيعية بأغلبهم ويتمتعون بحماية ما يوفرها لهم حزب الله، أما المروجون والتجار الآخرون فهم عابرون للطوائف”.

وعن سؤال بخصوص جهود الدولة اللبنانية في مكافحة هذه التجارة أجاب جوهر: “معروف أن التجار والمروجين لا يمكثون في سجن رومية طويلاً، هذا إن وصلوا إليه أصلاً، فهم يحرصون دائماً على حمل ألوف الدولارات في جيوبهم لرشوة التحري في حال القبض عليهم، ليقوموا بالتنصل من قبضة الأمن قبل الوصول إلى مكتب مكافحة المخدرات… منذ سنتين تقريباً، قبض رجل تحر على تاجر معروف من آل زعيتر، أثناء نقله إلى مكتب مكافحة المخدرات حُكي عن عرضه رشوة وصلت بالتدريج إلى 800000 د.أ. على التحري كي يسمح له بالفرار، إلا أن التحري المذكور لم يقبل بالعرض وأصر على أداء واجبه الوظيفي، فكانت النتيجة أن معاوني زعيتر خطفوا إبنة التحري الصغيرة وانتظروا عودته على سطح المبنى الذي يسكن فيه ليرموها إليه من أعلى عند اقترابه من مدخل البناء فتسقط أمامه جثة هامدة مقرونة بتهديد يفيد بإمكانية إلحاق الزوجة بالإبنة”.

مصادر أخرى

في السياق السوري، وفي حلب تحديداً، كان الحشيش ذو المصدر التركي هو المسيطر على السوق صغير الحجم قبيل الثورة، لكن أحد النشطاء من مؤيدي الثورة في حلب يخبرنا معلومات جديدة: “الحشيش بات منتشراً حتى بين عناصر الجيش الحر، تماماً كما كان أبي يخبرني عن تعاطي مقاتلي القوات اللبنانية للحشيش إبان الحرب هناك سابقاً، ولدى الهيئة الشرعية في حلب كمية كبيرة من الحشيش المصادر، وهناك أحاديث لا يمكنني الجزم بصحتها عن أن الحشيش المتداول في حلب ذو مصدر أفغاني، ساهم بعض مقاتلي “داعش” في جلبه إلى الأراضي السورية ونشره في حلب، من جهة أخرى أخبرني ناشطون آخرون، منهم من ينشط في المنطقة الشرقية، أن زراعة الحشيش استحدثت في مناطق عديدة من ريف حلب والرقة بالإضافة إلى المناطق الكردية وهي في إزدهار وتطور”.

بات الحشيش أمراً منتشراً بين السوريين، في سورية وفي لبنان، لم يعد التعاطي مستهجناً اجتماعياً بالقدر الذي كان عليه في السابق نظراً لحالة الإحتقان العامة السائدة بين السوريين أينما وجدوا، بالإضافة طبعاً إلى السعر المقبول، والسمعة المنتشرة عن كون الحشيش مخدر طبيعي لا يسبب الإدمان الجسدي، وربما ساهمت البرامج التلفزيونية الفكاهية -كما قال رب أحد العائلات السورية- بالترويج للحشيش من خلال إطلاقها للنكت التي تتحدث عن الحشاش والحشيش. يبقى الحشيش وتعاطيه واقعاً حالياً يسود أوساط السوريين، لا يمكن إنكاره، رغم محاولة تفهم ظاهرته على ضوء حالة الحرب السائدة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.