حلب

رامز أنطاكي

        براميل… براميل… هذا هو الهاجس اليومي لسكان حلب “الشرقية”، براميل بالعشرات تتساقط على نحو يبدو عشوائياً على أحياء وشوارع حلب “الشرقية”، تزرع الموت والدمار بين السكان المدنيين والمباني والمنشآت. وقد صار من المألوف أكثر فأكثر الحديث في التداول اليومي والإعلامي بأنواعه عن حلب “شرقية” وهي ـ كما يتضح من اسمها- القسم الشرقي من المدينة المسيطر عليه من قبل قوات المعارضة، و”غربية” هي القسم الآخر في المقلب الغربي من المدينة المسيطر عليه من قبل قوات النظام السوري.

هذه الموجة من البراميل التي ارتبط سقوطها باسم أحد كبار ضباط مخابرات القوى الجوية الذي قيل أنه استلم قيادة عمليات النظام العسكرية في حلب، سببت موجة واسعة من النزوح من “الشرقية” إلى “الغربية” عبر معبر بستان القصر الوحيد الواصل بين شطري حلب، وأيضاً إلى ريف حلب “المحرر” في حالات أخرى خاصة تلك التي يخشى أصحابها اعتقال قوات النظام لها إن هي نزحت إلى القسم “المحتل” من حلب.

نازحون في الغربية

        تزايد أعداد النازحين في حلب “الغربية” الذين وصلوها وهم في حالٍ يرثى لها، ولم يحظى النازحون بتعاطف واسع أو ملحوظ من قبل سكان الطرف المضيف، فهم برأي الكثير من سكان القسم “الغربي” شكلوا ويشكلون بيئة أفرزت واحتضنت الجيش السوري الحر وجبهة النصرة وسائر القوى المسلحة المحسوبة على المعارضة، كما أن الفوارق الطبقية الواضحة بين شطري حلب لصالح الشطر “الغربي” أنتجت تعليقات واعتراضات سلبية فوقية تجاه النازحين. الصحيح أيضاً أن هناك من يتعاطف مع النازحين ويستنكر النظرة الفوقية والهجومية تجاههم وهو ما ظهر في الأحاديث اليومية وعلى شبكات التواصل الإجتماعي.

يقول المواطن ن. ب. “المؤيد للنظام السوري”، وفق ما يصف نفسه، والذي نزح من منطقة الشيخ مقصود- جبل السيدة إلى الجزء “الغربي” بعد سيطرة قوات المعارضة على هذه المنطقة: “سمعنا حديثاً كثيراً عن حصول حالات قنص لمواطنين آمنين” مصدرها المدارس التي فتحت لإيواء النازحين من قبل..”لا نريد نازحين جدد.. هم استقبلوا وحضنوا قوات المعارضة ولذا عليهم أن يتحملوا مسؤولية أفعالهم، لا أن ينقلوا الموت والإرهاب إلى المناطق الآمنة”.

بينما يقول المواطن ميلاد ب. وهو من أبناء الجزء “الغربي” من حلب: هناك من يعترض ويستنكر أعداد النازحين الذي يصطفون أما مركز إحدى الجمعيات للحصول على مساعدات تخفف من بؤس حالتهم، “هؤلاء المستنكرون إن كانوا بحاجة للمساعدة فليصطفوا مع مواطنيهم النازحين وإن لم يكونوا بحاجتها عليهم أن يبادروا للمساعدة ضمن إمكانيتهم أو أن يصمتوا عن الشماتة وإتهام الآخرين دون دليل غير مقبول”.

حلب الغربية… الثكنة الأمنية والعسكرية

حلب “الغربية” المسيطر عليها من قبل قوات النظام السوري أمست الكثير من شوارعها الرئيسية التي كانت تضج بالحركة طيلة اليوم شبه فارغة، لا سيارات تعبر فيها بسبب إغلاقها عن طريق السواتر والحواجز، أما المارة فهم معرضون للإزعاج على الحواجز التي يسيطر على بعضها عناصر “جيش الدفاع الوطني”، والذي شكل من متطوعين وشبيحة، هؤلاء العناصر لم يعرف عنهم حسن معاملتهم للمواطنين وإن صارت حوادث الإستفزاز والإزعاج محصورة أكثر من ذي قبل.

التواجد العسكري والأمني في الشوارع وضمن الأحياء بمختلف أشكاله وأنواعه لم يكن مألوفاً في حلب قبل الثورة، هذا التواجد الذي استفز سكان حلب “المحتلة” بممارساته في الفترة الماضية، والذي كان أبطاله هم الشبيحة وقوات الدفاع الوطني بالدرجة الأولى، فالعناصر المحسوبة على الأجهزة الأمنية ومن ثم قوات الجيش النظامي انحسر خضورها مع إزدياد مشاركة أبناء الأحياء في تطبيق “الأمن الذاتي” كل ضمن حيه بالشراكة والإتفاق مع عناصر النظام وقياداته.

الحد من حركة مرور وعبور السيارات والآليات لم يشكل ضغطاً كبيراً على المواطنين وذلك بسبب توفر الطرقات البديلة المترافق مع إنحسار الإزدحام المروري غالباً، بالإضافة إلى أزمة المحروقات المزمنة وارتفاع أسعارها الذي ساهم في إحجام المواطنين عن استعمال سياراتهم.

لا ينفك بعض سكان حلب “الغربية” عن وصف مقاتلي ومؤيدي المعارضة بالريفيين الذين يحملون نقمة وحسداً ورغبة تدميرية تجاه مدينة حلب وسكانها، خاصة في قسمها “المحتل”، يتذكر محمد م. ابن هذا القسم من حلب قول أحد أبناء ضواحي حلب “الشرقية” عن خط الحافلات الصغيرة الواصل بين جزئي المدينة: “بثلاث ليرات أركب الحافلة من حارتي وأصل إلى أوروبا”. محمد الذي يصف نفسه بأنه معارض للنظام وللمعارضة بشكلها الحالي يقول: “نقمة بعض أهل الريف الحلبي على المدينة ليس ببعيد عن الصحة، هذا الشعور قديم وملموس وله أسباب موضوعية وذاتية يحتاج شرحها إلى مراجعة علمية لسياسات النظام الإقتصادية والإجتماعية على مر العقود الماضية، لكن الكلام عن هذه النقمة يختزل على نحو خاطىء جوهر الصراع القائم، قد يشكل الأمر جزء من المشكلة، لكنه ليس جزء أساسياً منها برأيي”.

تبدو حلب “الغربية” وقد تأقلمت مع الأوضاع اليومية الطارئة، خاصة مع تقدم عمر الثورة والصراع المسلح الناتج عنها، وتبقى مخاوفهم من عودة الحصار الذي تمكن في السابق مقاتلو المعارضة من فرضه عبر إغلاقهم لطريق خناصر وإغلاق معبر بستان القصر، هذا الحصار يلوح مجدداً في الأفق عبر الإغلاق الجزئي لطريق خناصر بسبب هجمات المعارضة التي أطلقت عملية عسكرية واسعة نسبياً يبدو هدفها الأول -حتى الآن- متمثلاً في السيطرة على مبنى مخابرات القوى الجوية التي اشتهرت بأنها الأسوأ سمعة وممارسة بحق المعتقلين والمعارضين. يضاف إلى خوف الحصار هذا، خوف قذائف الهاون المتساقطة عشوائياً والتي تطلق من قبل مسلحي المعارضة، هذه القذائف تزايدت مؤخراً رداً على موجة البراميل التي تقصف بها حلب “الشرقية”. في هذا الإطار يقول أبو حسن الذي يعيش في حلب “الشرقية”: “نحن نريد توقف سقوط البراميل على أطفالنا وبيوتنا، ولكن هل الحل هو أن يقصف المعارضون الذين نشاركهم رأيهم ضد النظام أخوتنا المواطنين في القسم الآخر من المدينة قصفاً عشوائياً؟ هذا حرام، لا شرع ولا دين يقبل هذا”.

في المقلب الآخر تبقى أنظار سكان حلب “المحررة” معلقة تنظر إلى السماء تراقب كلما سمعت صوت طائرة يعرفون أنها تحمل برميل سيرمى عليهم هنا أو هناك ليحيل حياتهم إلى جحيم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.