لجوء

جمال بيطار

لا يُعد الهروب من حالات الصراع المسلح، أمراً جديداً على تاريخ الإنسانية والحالة السورية لا تُشكل استثناءاً، والمحاولات الكثيرة التي يقوم السوريون بها، سعياً وراء الحصول على حق اللجوء والإقامة في إحدى الدول الأوروبية، غالباً ما تفشل والكثير منها يَشهد نهايات تراجيدية، الأمر الذي يدفع كل سوري للتفكير ملياً قبل الإقدام في مغامرة، بداياتها بيع كل ما جناه خلال حياته ونهايتها ربما تكون مأساوية!

وفقاً للمادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ” لكل فردٍ حرية التنقل واختيار مكان إقامته داخل حدود كل دولة، ويحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه”. وتؤكد المادة 15 منه على أنّه “لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء إليها هرباً من الاضطهاد”.

وفي دراسة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ذكرت المفوضية أنّه وحتى تاريخ 14 آذار 2014 “هناك أكثر من ملوني ونصف مليون لاجئ سوري مسجلين أو في انتظار التسجيل لدى المفوضية في البلدان المجاورة، ومع وصول النزوح داخل سوريا إلى أكثر من 6.5 مليون شخص، تجاوز العدد الإجمالي للأشخاص النازحين عن منازلهم سواء داخل سوريا أو خارجها أكثر 40% من عدد السكان قبل اندلاع الصراع، ولا بد من الإشارة إلى أنّ ما لا يقل عن نصف هؤلاء النازحين هم من الأطفال”.

بات الإنسان، على خشبة المسرح التراجيدي السوري، محروماً من هذين الحقين، حق حرية التنقل واللجوء، حرماناً أصبح شبه كامل… يقول  لاجئون سوريون: “أصبحنا عالة على الجميع، وكل الدول تريد التخلص منّا”.

التخطيط والبداية

يقول عبد وهو سوريٌ كردي من حي وادي المشاريع في ريف دمشق “قُمت ببيع كل شيء، منزلي ومحل تجاري وقطعة من الأرض لأحصل على مبلغ يُمكنني من دفع تكاليف التهريب إلى أوروبا وحقاً حين وصلتُ إلى ألمانيا، كُنت قد دفعت كل ما أملك، حوالي 14500 يورو وبقي لدي حوالي 300 يورو فقط”.

قام عبد بإرسال زوجته وأبنائه الثلاثة إلى بلغاريا سابقاً، ليحصلوا على اللجوء هناك بعد أن مكثوا لحوالي 5 أشهر في تركيا تمكنوا بعدها من الوصول إلى بلغاريا براً، وخلال كل تلك الفترة، ظلّ عبد بعيداً عن أطفاله وزوجته.

ينقسم السوريون الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا إلى فئتين، الأولى تقوم بالتخطيط بشكل كامل وهي موجودة في الداخل السوري، قبل أن تبدأ رحلة الذهاب إلى أوروبا، والفئة الأخرى هي تلك التي حاولت الوصول إلى أوروبا خلال وجودها خارج سوريا وتحديداً في البلدان المجاورة لها.

يؤكد قاسم وهو أبٌ لأربعة أطفال، من رنكوس في ريف دمشق، بأن الهجرة كلفته بيع منزله من أجل الوصول إلى النرويج، لكنه لم يتوقع أن يقضي فترة تزيد عن خمسة أشهر في غينيا.. لم يعرف قاسم تماماً سبب وصوله إلى غينيا “حسب المهرب، كل مهرب وله أسلوب، دفعت 11000 يورو لأصل إلى النرويج”.

المغامرة لا تنتهي بشكل مناسب دوماً  فعلي من مخيم اليرموك في دمشق يقول أن مهربين في منطقة أقصراي في اسطنبول سلبوه 8000 يورو وما زال عالقاً في تركيا “لأجل غير مسمى”، وذلك بعد أن باع علي كل شيء يملكه في سوريا.

دروب الموت

طرق التهريب إلى أوروبا متعددة، حيث يضطر المُهربون إلى تغيير استراتيجياتهم تبعاً لقدرة الشرطة في البلدان الأوروبية على كشف الطريقة، وفي كل الأحوال، يدفع المهاجر غير الشرعي ضريبة هذا التغيير.

وضع اللاجئ السوري الموجود في ألمانيا، جيد مقارنةً بدولٍ أخرى، فشرطة الهجرة الاتحادية في ألمانيا تحترم حقوق الإنسان على أراضيها، إلا أن القسم الأكبر من شرطة الحدود اليونانية والإيطالية هم من الشرطة الألمانية، ويؤكد صابر وهو سوري كردي من القامشلي أن الشرطة الألمانية هي من قامت بضربه وإذلاله مع عائلته عندما تم الإمساك بهم على متن قاربٍ مطاطي بالقرب من الحدود اليونانية، ثم أعادتهم إلى الشواطئ التركية، وقبل الوصول بعدة كيلومترات قامت الشرطة بضرب القارب بالسكاكين، حيث اضطروا للسباحة وصولاً إلى الشاطئ التركي، ومن أصل 40 شخص وصل 23.

هذا التناقض في سلوك الشرطة داخل وخارج بلادها، يضع المراقب أمام مفارقة، تدفع للسؤال عن السبب الكامن وراء تغير سلوك الشرطة الألمانية تِبعاً لمكان وجودها سواء داخل ألمانيا أو كحرسٍ عند الحدود اليونانية والإيطالية.

عادةً، عندما يتم الإمساك باللاجئين السوريين، القادمين عن طريق البحر، في إحدى الجزر اليونانية، تقوم الشرطة في الكثير من الأماكن بالاعتداء عليهم بالضرب وإعادتهم إلى الحدود التركية، أما من ينجح بالدخول إلى اليونان، فأول الإجراءات التي تقوم الشرطة بها، هي رمي المهاجر في مخيمٍ مغلق بعد القيام بإجراءات تفتيش مُذلة، إذ يروي مازن وهو سوري من بنش في ريف إدلب، “يقومون بإجبارك على خلع ملابسك وممارسة تمارين رياضية  ليتأكدوا أنك لا تخفي شيئاً في ثيابك… عقوبة تذكرني بأيام المعتقل”.

يلجأ البعض الآخر إلى سلوك طرق البر، اقتناعاً منهم أنها أكثر أمناً، فيضطرون إلى قطع مساحات شاسعة من الغابات البرية، عند الذهاب إلى بلغاريا، انطلاقاً من تركياً. لكن هذه الطريقة وإن كانت تُعد الأقل كلفة إلى حدٍ ما، إلا أنها ليست أكثر أمناً من طرق البحر أبداً، إذ يؤكد خالد من معرة النعمان في إدلب، “بدأنا هذه المغامرة وكان عددنا 27، ولم يكن معنا الكثير من الطعام وكنّا مع الاستمرار في الدخول عميقاً في الغابات، نشعر بأنّ هذه الطرق لن تنتهي أبداً”.

عند سلوك دروب هذه الغابات، لن يتوقف المهربون أبداً إذا ما تعب أحد المهاجرين غير الشرعيين وبالطبع لن ينتظروه، إذ يؤكد خالد “كنا نتوسل إليهم عندما تتعب إحدى النساء بالتوقف قليلاً، لكنهم لا يتوقفون إطلاقاً وكل من يصيبه التعب، نتركه في الطريق وراءنا”.

هذه الطريق غالباً ما ينتهي دون تحقيق الغاية التي رجاها المهاجر، إذ في النهاية تُمسك الشرطة البلغارية بهم وتأخذ بصماتهم، ليُسجلوا كلاجئين لديها وبالتالي يفقدون حقهم في اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي الغربية، ويضيف خالد “صحيح أنني في ألمانيا، ولكن كل ما أقوم به هنا، هو انتظار ترحيلي الإجباري إلى بلغاريا، هكذا أخبرتني المحكمة”.

يقول محمد وهو سوري من حلب، بأنه حاول الوصول إلى السويد واستخدم هذا الطريق التي شاهد فيها “الكثير من الجثث المتفسخة، وجثث أخرى تبدوا حديثة العهد عند سلوك هذا الطريق”.

الوصول والنتيجة

عندما يصل أي من اللاجئين غير الشرعيين إلى دولة من دول الاتحاد الأوروبي، تقوم شرطة تلك الدولة بأخذ بصماته مباشرةً وتبحث فيما إذا كانت موجودة في بنك البصمات الخاص بدول الاتحاد الأوروبي، وإذا ما تبين أنّ لهذا المهاجر بصمة في دولةٍ ما، تقوم الشرطة بإعادته إليها وفقاً لاتفاقية دبلن الخاصة باللجوء ضمن دول الاتحاد الأوروبي، إذ تعتبر هذه الاتفاقية أن طلب اللجوء تكفله الدولة التي استقبلت اللاجئ بدايةً وأخذت بصماته.

بعد استكمال هذه الخطوة، ينتظر اللاجئ لفترة من الزمن حتى يحصل على حق الإقامة وتختلف هذه الفترة تبعاً لوضع كل شخص ولكنها تمتد من ستة أشهر وحتى سنوات، خلال فترة الانتظار هذه، لا يحق للاجئ العمل، الدراسة أو السفر، وتقوم الدولة بصرف مبلغٍ بسيط من المال للاجئ شهرياً، وفي النهاية لا يُمكن للاجئ أن يسعى لإجراءات لم الشمل مالم يحصل على الإقامة وهذه المشكلة تُشكل مأساةً حقيقية لدى الكثير من الآباء الذين سلكوا طرق التهريب وينتظرون أن تسمح لهم حكومات البلدان التي وصلوا إليها بجلب عائلاتهم.

يقول فاتح وهو طبيب أسنان من حلب يقيم في ألمانيا حالياً.. “مللت الانتظار، لا أريد شيءً من الدولة المضيفة إلا أن تسمح لي بجلب زوجتي المقيمة في السعودية وهي حامل في الشهر الثامن. وضعي كارثي”.

شيار من كوباني كانت تجربته الأكثر مراراً فقد حمل جثة طفله لثلاثة أيام متواصلة حتى وصل بلغاريا، ويقول “لم أشعر بها كجثة، لقد كانت كل ما أحببت في حياتي”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.