حلب11

رامز أنطاكي

حالة حرب هي ما تعيشه مدينة حلب بشطريها رغم التفاوت في الأحوال بين هذا الشطر وذاك، وكما أوجد الحلبيون وسائلهم للتأقلم مع المتغيرات مثل قطع الكهرباء والإنترنت والمياه، كذلك لم تفرغ أسواقهم من المواد الغذائية والمنتجات الإستهلاكية.

لم تكن رفوف المخازن في حلب تجهل منتجات البلد الأقرب حدوداً إلى حلب أي تركيا، لكن غزو هذه المنتجات على أنواعها الأسواق الحلبية فاق كل المعدلات السابقة، بحسب رياض صاحب المخزن الاستهلاكي في منطقة السليمانية غرب حلب: “بدأ ازدياد المنتجات التركية هنا بعيد وصول الأزمة إلى حلب، وبلغ هذا الازدياد حده الأقصى مع حصار حلب قبل أكثر من عام”، طبعاً لا تزال السوق الحلبية زاخرة بالمنتجات التركية إنما قد أصبحت هذه الأخيرة، أقل كماً بعد أن عادت بعض المنتجات الوطنية إلى الأسواق في حلب.

تندرج المنتجات التركية في حلب تحت تصنيفين رئيسين هما المواد الغذائية ومواد التنظيف بحسب كميل، الشاب الذي يعمل في توزيع هذه المنتجات، “وعلى نحو عام، كل صنف وطني يغيب عن السوق يأتي فوراً بديله التركي”، ويعدد كميل: المشروبات الغازية، المياه، العلكة، البسكويت، الشوكولا، مشروبات الطاقة، الزيت، المعكرونة… حتى أن الأسواق شهدت في بعض المرات لحوماً مبردة تركية المنشأ، منوهاً أن المستهلك الحلبي يفضل عموماً البضاعة الوطنية على تلك التركية ما عدا بعض الحالات المحدودة.

يعيد أبو جمال تاجر المواد الغذائية أصل الأمر إلى قطع طريق خناصر، “هذا الأمر كان إشارة الانطلاق لغزو البضائع التركية، بعضها لم يلق إقبالاً، وبعضها صمد وبقي مطلوباً حتى الآن رغم عودة المنتجات الوطنية”، ويركز أبو جمال على أن ارتفاع أسعار المواد الأولية فرض ارتفاع أسعار المواد الوطنية مما سهل على المنتج التركي المنافسة، دون أن يغفل دور خراب وسرقة المعامل الحلبية في هذا الشأن. لا يتكلم أبو جمال عن مؤامرة لكنه يقول: “كان ملفتاً أن مواد تركية كثيرة، كنا نشاهد جملة (مخصص للبيع في سوريا) مطبوعة على عبواتها”.

كثر الحديث في فترة كثافة وجود المنتجات التركية عن حالات تسمم، ومنتجات مسرطنة وما شابه من الإشاعات، ولكن معروف الحلبي الخمسيني يقول “لست متأكداً، قد يكون هناك ضرر صحي من هذه المنتجات، لكنني أجزم أن مرد الأمر هو سوء تخزين، أو جشع تجار هنا أو هناك لا يتورعون عن بيع مواد منتهية الصلاحية”، يستبعد معروف أن يكون الأمر نابعاً من فعل تركي رسمي.

أحد إطباء قسم الطوارئ ضمن مستشفى ذائع الصيت في شطر حلب الغربي رفض الكشف عن اسمه، صرح أن قسم الطوارئ لم يستقبل مرة حالة تسمم جراء منتج تركي المصدر على حد علمه، وأنه لم يسمع عن أمر مشابه من زملائه الأطباء.

إشاعة أخرى انتشرت في الفترة الزمنية عينها مفادها أن أجهزة النظام ستقوم بمصادرة البضائع التركية المنشأ وبإغلاق المحلات المتعاملة بها بالشمع الأحمر، وهذا الأمر الذي لم يحصل. إلا أن الأمر المتصل الذي حدث هو مشكلات في نقل البضائع التركية إلى حلب أو ضمنها، حيث كانت حواجز تطلب أتاوة أكبر من المعتاد، بالإضافة إلى سلب عناصر الحاجز لعبوة أو أكثر من المنتجات التي تحملها السيارة أو الشاحنة.

رشيد المقيم في القسم الشرقي من حلب يقول: “المنتج التركي اكتسح السوق والمنتج الوطني يعود ببطء، “المنتج التركي سباق وعودة النشاط الصناعي هنا كان بطيئة”، برأي رشيد المنتج التركي “أرسى لنفسه اسماً بين المستهلكين لكن المنتج السوري لا زال قادراً على المنافسة”، حتى في المجال المحسوب أنه مجال المنتج التركي أي المقبلات الغذائية التي يقبل عليها الأطفال عادةً.

يتكلم رشيد عن الأدوية التركية التي دخلت إلى الصيدليات الحلبية لتسد نقصاً يسيراً طرأ بسبب توقف بعض المعامل السورية عن الإنتاج، ويقول: “سمعنا عن دواء أو حليب أطفال تركي المنشأ فاسد، تبين بعد البحث أنه دخل إلى سورية تحت عنوان الإغاثة لا التجارة “.

عندما يتم طرح سؤال “من هم التجار الذين يوردون هذه البضائع إلى حلب؟”، يجيب جوان الذي يعمل كموزع للمواد الغذائية “إن التاجر الحلبي معروف بذكاءه” وبأن أواضع أمنية وعسكرية مشابهة تبرز أشخاص “عابرين للخلافات العسكرية والسياسية”، يستطيعون تسيير أمور تجارتهم في كل المناطق، ويتحدث عن “تجار خرجوا من حلب إلى معامل (أولكر) في تركيا فجلبوا دليل منتجاتهم ثم عقدوا إجتماعات في حلب أسفرت عن مستوردات بمئات ملايين الليرات من (أولكر) وحدها”، حتى أن واحدة من أرخص أنواع بسكويت “أولكر” كانت تباع بـ 75 ليرة سورية (تراوح سعر الدولار خلال الشهر الماضي في حلب بين 165 و179 ليرة سورية)، ويتابع جوان سرد أسعار المواد الغذائية غير تلك المشمولة بصفقة أولكر: المشروبات الغازية كانت تباع بـ 20 ليرة ثم بلغت 100 ليرة لتستقر أخيراً على 65 ليرة، شيبس “ديربي” يباع الآن بـ 25 ليرة بينما شبيهه اللبناني “ماستر” بـ 30 ليرة. يتكلم جوان أيضاً عن تجار كبار اختفوا مع احتدام الأحداث في حلب وعن طبقة جديدة من التجار الذي أثروا سريعاً دون أن ينفي عن بعضهم بعض الإشاعات السلبية.

المستهلك العادي من أمثال أمير الذي يعتبر نفسه بين المعارضة والموالاة، والذي لديه مآخذه على الطرفين يعتبر أن لا وقت للمواقف الاستعراضية، ولا تلك التي تنتمي إلى “مدرسة الصمود والتصدي البالية” على حد تعبيره، فأمير لا يعلق آمالاً على حملات المقاطعة، خاصة تلك الموجهة ضد المنتجات التركية، “لو غابت المنتجات التركية في ذروة الحصار لأكل الناس بعضهم”، ويشرح أن لا وقت للمواقف التي يعتبرها غير مجدية أصلاً، المهم برأيه أن تكون إنساناً عملياً لتستطيع الاستمرار .. ويقول: “وصلت بنا الحال إلى واقعٍ بتنا معه لا نكترث عن مصدر ما نشتري، المهم هو أولاً صلاحيته للاستهلاك البشري، ورخص سعره قدر الإمكان ثانياً”…

يختتم… “نعم، لا لاستعراضات مدرسة الصمود والتصدي، لكن علينا نحن، الشعب، أن نصمد، ليس بإمكاننا إلا أن نصمد… نوع آخر من الصمود، نوع حقيقي”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.