عرسال 2

يتركز الاهتمام في المشهد السوري على جانبين أساسيين هما الصراع السياسي والصراع العسكري. ويحفل كل منهما بتفاصيل، يمكن أن تأخذ أي مهتم ومتابع أو مراقب للمشهد السوري (دون التوقف عند جوانب أخرى) إلى أعماق لا قرار فيها على نحو ما يبدو لدى التدقيق في التباسات الموقف الإقليمي والدولي من القضية السورية، والكارثة التي صار إليها السوريين، أو على شاكلة ما يحصل عند التوقف أمام الانتشار غير المبرّر ولا المفهوم لجماعات التطرّف الديني في سوريا ومحيطها، كما حدث في موضوع “داعش” رغم العداء المحلي والإقليمي والدولي الطافح للقاعدة وأخواتها.

غير أن استئثار الجانبين السياسي والعسكري للمشهد السوري بالاهتمام العام، لا يعني هامشية جوانب أخرى، كما هو الحال في موضوع اللاجئين السوريين الذي جعلته أحداث عرسال اللبنانية أخيراً يتصدّر اهتمام العالم، بما في الأحداث من أهمية مكثفة لجوانب مختلفة في القضية السورية وفي أبعادها الداخلية والخارجية.
ولأن قضية اللاجئين تمثل عنواناً مهماً وأساسياً في أحد جوانب المشهد السوري، فإن هناك جوانب أخرى ذات أهمية قصوى، لكنها لا تظهر كثيراً على السطح لأسباب من بينها، أن التطورات السياسية والعسكرية، تحوز أكثر على ثقل وتأثير مباشرين في المشهد، مثل موضوعي التعليم والصحة الذين يستحقان كل الاهتمام والمتابعة لما لهما من أهمية راهنة ومستقبلية بالنسبة للسوريين خاصة بعد أن تضع الحرب عليهم أوزارها، وينخرطون في مرحلة إعادة بناء البلاد، وهي مهمة لن تكون بعيدة.
وبالتوازي مع تركيز الاهتمام على السياسي والعسكري، فإن الإمكانيات بما فيها المادية، يجري حشدها وصبها في خدمة هذين الجانبين بشكل أساسي، ويترك للجوانب الأخرى قدر أقل من الإمكانيات، وهذا نهج سائد في التعامل مع الوضع، ولا يستثنى أحد من هذا النهج سواء في المستوى السوري بما فيها جهدي الائتلاف الوطني والحكومة السورية المؤقتة المتواضعين، أو جهود الدول المتدخلة ذات العلاقة بالقضية السورية، التي تذهب أغلب حيثيات دعمها للجوانب السياسية والعسكرية.
ويلقى الواقع والاحتياجات ذات الأهمية والمطلوبة في موضوعات اللاجئين والتعليم والصحة وغيرها بما تعنيه من تحدّ عميق مسؤوليات كبرى، تتجاوز قدرة الهياكل الرسمية والسياسة الإقليمية والدولية، لأنها أعجز من القيام بعبء المسؤولية والدور، والأمر لا يقتصر على السوريين فقط، إنما أيضاً يشمل الأطراف المعنية بالوضع السوري من دول إلى مؤسسات ومنظمات دولية، الأمر الذي يطرح ضرورة وجود بدائل هيكلية ومادية، تأخذ على عاتقها الاهتمام بهذه الموضوعات بما تمثله من تحد عميق في الحياة السورية الراهنة والمستقبلية.
ورغم أن المرشح الأساسي للقيام بدور البديل الهيكلي بما يعنيه من قدرة على التنظيم والإدارة، هو مجموعة من الفعاليات السورية في قطاعات رئيسية، يهمهم ويشغلهم مستقبل سوريا والسوريين، فإن نشاط هؤلاء، لا يمكن أن يكون منفصلاً أو بعيداً من مظلة سياسية سورية، تتوفر في الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة، كما أن هذه الفعاليات ستكون بحاجة لقدرات ومساعدات دول ومنظمات إقليمية ودولية، تركز اهتمامها في مواجهة التحدي العميق في الواقع السوري، وسيكون على هذه المجموعة من النخبة السورية تنظيم نفسها في هيكلية، تقود إلى إقامة هيكل لصندوق وطني عام، يقوم على أسس وظيفية ومهنية عالية المستوى، دون أن يخضع لأي تجاذبات إيديولوجية أو سياسية، وأن تكون وظيفته خدمة السوريين، وتأمين مشروعات خدمية وتنموية، تفي باحتياجاتهم الأساسية والضرورية، والذهاب إلى مشروعات مكمّلة لما تقوم به مؤسسات وهيئات أخرى، تجعل بين اهتماماتها مواجهة التحديات وخاصة في رعاية اللاجئين ومعالجة مشاكلهم إضافة إلى الاهتمام بقطاعي التعليم والصحة وغيرهما.
إن أهمية إقامة صندوق وطني للسوريين، يتعامل مع التحدي العميق الذي يواجه السوريين، هو فتح الباب أمام السوريين جميعاً مهما كانت إمكانياتهم للمشاركة في الصندوق، وتوفير إمكانات قيادية إدارية وتنظيمية ومادية كبيرة، تضاف إلى ما تملكه مؤسسات وأجهزة أخرى محلية وإقليمية ودولية معنية، إضافة إلى أنه سوف يعكس مستوى من التشاركية المطلوبة في مواجهة الواقع، كما في مواجهة المصير المستقبلي.
لقد آن الأوان، ليتقدم أعضاء في نادي النخبة السورية للقيام بمهمة باتت مطلوبة وملحّة الآن أكثر من أي وقت مضى.

 

فايز سارة ـ المدن

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.