بيروت

رامز أنطاكي

بعد أن صار لبنان هو المكان الأفضل للسوريين كي يسافروا عبره من خلال مطار بيروت، أو لينجزوا فيه المعاملات التي يريدون إتمامها عبر السفارات التي لم تعد تعمل في سورية، بالإضافة إلى الاستشفاء في الحالات المعقدة، وأيضاً إلى السياحة والابتعاد عن الأجواء الخطرة والمتوترة في داخل البلد… بعد كل هذا صار من المألوف عودة وسائل النقل العمومية والخاصة إلى سلوك الطرق المتوفرة بين حلب وبيروت.

المسافة بين حلب وبيروت التي كانت تعني للمسافر 7 ساعات من السفر بواسطة الحافلة أو ما اصطلح على تسميته بالبولمان، أو أقل قليلاً بواسطة السيارة في رحلة تعتبر مريحة نسبياً، باتت اليوم رحلة طويلة صعبة لا يقدم عليها إلا من كان مضطراً ملزماً.

ينطلق اليوم البولمان من حلب ليجتاز طريقاً شبه معبد لكن غير مزفت لمدة تتجاوز الساعة من الزمن مجتازاً طريق أثريا خناصر الذي بات مشهوراً في السنتين الأخيرتين. البولمان الذي يعود غالباً لشركات: سراج، زيتوني، الأمير… يقوده سائق يكون على دراية بتفاصيل الطريق وعلى خبرة بالتعامل مع الحواجز المنتشرة على طول الطريق.

جميلة أحصت أثناء رحلتها 62 حاجزاً من حلب إلى بيروت: “لو قضينا خمس دقائق فقط كمعدل على كل حاجز لزاد ذلك أكثر من خمس ساعات على وقت الرحلة الذي بات 18 ساعة كاملة”، ويضيف محمد زوجها: “كل الحواجز هي للنظام، بين حلب وحمص لا تجد أي حاجز للجيش، فقط دفاع وطني وكتائب البعث والشبيحة، بينما يختلف الحال بعد حمص”.

من الضروري أن يسعى كل سائق إلى ارضاء كل حاجز عبر علب السجائر أو المال أو ما شابه، ومن يمتنع عن ذلك يتعرض لتفتيش دقيق مهين وتأخير قد يمتد لساعات دون أي مبرر حقيقي واحد سوى رغبة عناصر الحاجز بالحصول على الرشوة. أما الحواجز التي تهتم بالبحث خاصة عن المطلوبين للخدمة العسكرية فتعمد كل مرة إلى إنزال كل الشباب المسافرين وهم في عمر خدمة العلم من البولمان، لتتأكد من أنهم يتمتعون بوضع قانوني وإلا فيساقون إلى الخدمة العسكرية.

في السابق كان أغلب سائقي البولمانات يعتمدون الطريق الذي يمر عبر معبر العريضة الحدودي الواقع على شاطئ البحر، أو المعبر القريب منه أي معبر الدبوسية ومن هذين المعبرين إلى طرابلس فبيروت، لكن هذا الأمر لم يعد متاحاً اليوم فبالإضافة إلى معوقات كانت تمنع استخدام هذا الطريق في الجزء القريب من حمص صار من الصعب اجتياز معبر العريضة، فإما أن تمنع النساء من العبور بحجة أن بعض الإرهابيين تنكروا في زي نساء منقبات لعبور الحدود، بينما يقول أبو حسن سائق سيارة التكسي العاملة بين حلب وبيروت: “أغلب الظن أنهم يريدون ترك هذا المعبر البحري لاستعمال أهل الساحل، نحن نرى كيف يسمحون للبعض بالعبور وكيف يميزون بين لوحات السيارات”.

يسلك أغلب سائقي البولمانات طريق حلب دمشق، ومنها إلى معبر المصنع الحدودي الذي يشهد غالباً حالات ازدحام شديد. وقد لوحظ خلال الأسبوعين الأخيرين حالات منع لسوريين من دخول الأراضي اللبنانية من قبل عناصر الأمن العام اللبناني، هذه الممارسات التي جرت قبل شهور لفترة محدودة يبدو أنها عادت الآن، ويشهد جورج الذي رأى كيف رفض الضابط اللبناني دخول أكثر من عشرة شبان سوريين إلى لبنان: “ما هو أكثر إزعاجاً في الأمر ما يتضح لك من أن لا قانون يضبط الأمر، أي أن الضابط اللبناني المعني لا معايير محددة وواضحة لديه ليتخذ قراره على أساسه… للأسف الأمر يبدو مزاجياً”.

يصل البولمان بعد عبوره زحام معبر المصنع الحدودي إلى بيروت عابراً طريق ضهر البيدر الجبلي ثم عالية فالحازمية إلى بيروت حيث ينزل ركابه في محطة شارل الحلو قرب المرفأ، ويصبح هنا على من يريد التوجه إلى طرابلس أن يتدبر وسيلة مواصلات تنقله إلى هذه المدينة في رحلة تتطلب ساعة من الزمن عادة، بعد أن كان البولمان نفسه في السابق ينزل ركاب طرابلس فيها قبل أن يتابع طريقه إلى بيروت حين كان معبر العريضة متاحاً.

هناك من يستخدم سيارته الخاصة للسفر من حلب إلى بيروت، وفي هذه الحالة من الضروري التأكد من جهوزية السيارة، فبحسب يوسف الذي سلك الطريق مراراً عبر سيارته الخاصة: “في السابق كان من الطبيعي أن تتفقد سيارتك قبل السفر، اليوم بات الأمر ملحاً على نحو أعظم، فأن تخذلك سيارتك في منطقة خطرة وفي زمن بات فيه الناس يخافون من الغرباء فيتجنبون مساعدتهم قد يعني أن حياتك على المحط على نحو فعلي”. من الضروري في الكثير من المرات أيضاً أن يجرب سائق السيارة أن يتبع بولماناً ما، فالخبرة التي يتمتع بها سائقو السيارات العمومية ومعرفتهم بتفاصيل الطريق تساعد سائقي السيارات الخاصة كثيراً، وينصح أيضاً بأن يعمد المسافرون إلى جعل السيارة مليئة بالركاب، أي أن تحمل السيارة العادية خمسة ركاب بحيث لا يبقى فيها مجال لراكب إضافي، ويشرح يوسف: “قد يطلب منك حاجز ما أن تقل أحد عناصره بسيارتك وأنت لا تستطيع الرفض بطبيعة الحال، ونقل العنصر قد يسبب لك مشاكل لا تخطر على بال في هذه الأيام”. وقد شاعت مؤخراً في هذا السياق قصة الجريمة التي راح ضحيتها الدكتور حنا شماس وزوجته الدكتورة زكية شماطي وابنهما الصيدلي شادي، حيث “قام عنصر من الدفاع الوطني بعد أن ركب معهم في سيارتهم الخاص على طريق أثريا خناصر بقتلهم مطلقاً عليهم النار من سلاحه ومن ثم سرقتهم. جهات أمن النظام ادعت أنها كشفت القاتل الذي يدعى عمار سليمان اليوسف خلال أيام وأنها لاحقته في حلب حيث قالت أنه انتحر بإطلاق النار على نفسه قبل إلقاء القبض عليه”.

خيار آخر يعمد إليه المسافرون، سواء عبر وسائل النقل العامة أو الخاصة بهدف تجاوز صعوبة وطول مدة السفر من حلب إلى بيروت، إذ يسافرون من حلب إلى اللاذقية أو طرطوس أو وادي النصارى حيث يقضون بضعة أيام يرتاحون خلالها ويمضون إجازة، ومن ثم يكملون طريقهم إلى بيروت عبر طريق مختلف.

رغم كل المخاطر والصعوبات تجبر ضرورات الحياة، وأحياناً الرغبة في تغيير الأجواء القاسية التي يعانيها سكان حلب، الكثيرين على السفر عبر مختلف الوسائل آخذين حذرهم ومتكلين على إيمانهم وحدسهم علهم يصلون إلى مبتغاهم بسلامة وعبر أسهل الطرق.

 

 

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.