نساء

جود حسون

تلتفت سحر الناشطة الإغاثية العاملة في ريف دمشق، إلى صور ضحايا مجزرة الكيماوي، والتي أكثر ما تقدم في تفاصيلها وجوه الأطفال والنساء، فتقول “لا يمكن لأي سجل يوثق الانتهاكات في العالم أن يحيط بحجم هذا الانتهاك الذي لا يتمثل بالجريمة الكبرى وهي قتل الأطفال بالغاز السام فقط، وإنما بجرائم أخرى تبدو في عيون من بقوا على قيد الحياة وخاصة تلك الأمهات”، إلا أن سحر ومن خلال عملها ترفض أن تكون المرأة السورية مجرد رقماً في سجل توثيق انتهاكات، وترفض أن تعامل وفق مبدأ الضحية فقط، وأنه من الواجب الحفاظ عليها في الحرب، فتقول: “إن التركيز على المرأة من هذه الناحية هو الذي يشجع على المزيد من التعصب والرؤية الكلاسيكية للمرأة وخاصة لدى التيارات المنغلقة، لا شك أن انتهاكات كبرى ارتكبت ضد المرأة إلا أن الانتهاكات شملت الجميع نساء وأطفالاً ورجالاً، والملقى على عاتق المرأة اليوم قد يكون أكبر من الملقى على عاتق الرجال، خاصة أمام أجيال من الأطفال رؤوا ما رؤوا من دماروظلم”.

تعمل سحر مع عدة نساء في ريف دمشق في مجال الإغاثة والتوعية، حيث تحاول من خلال تواجدها في المناطق المحررة من ريف دمشق، إقامة دورات توعية للنساء للتعامل مع كافة الظروف الطارئة، مثل القصف والاستهداف بالسلاح الكيماوي، إضافة إلى دورات التوعية الطبية، على الرغم من أن اختصاصها العلمي بعيد عن هذا المجال فهي خريجة معهد إعداد مدرسين، إلا أنها ترى في أية خدمة يمكن أن تقدمها في المناطق المحررة بمثابة واجب عليها حتى الخدمات الإعلامية: “قمت أكثر من مرة بمساعدة صحفيين بتصوير تقارير في زملكا ودوما”.

 

سوريات في مؤسسات مختلفة

تتفق منار حايك مع سحر في رأيها حول دور المرأة في المناطق المحررة، وفي مخيمات النزوح، وحتى في مناطق سيطرة النظام، فإن الوظيفة التقليدية الملقاة على عاتق المرأة بتربية الأطفال في المنزل، وتجهيز الطعام، ومحاولة خلق بدائل في ظل الأزمات، كإنتاج خبز التنور أو حياكة الصوف، لا ضير بوجودها، إلا أنها لا تعني أبداً أن المرأة في ظل الحرب هي مجرد “اختصاصية في الأمور اللوجستية”، وإنما بالإمكان مشاركتها في أي نشاط منظم، وهو ما أكدت عليه المئات من النساء السوريات في حلب وإدلب وفي مخيمات تركيا وفق حايك، حيث أن المنظمات العاملة في الإغاثة أو التعليم أو الدعم النفسي تعتمد أكثر ما تعتمد على النساء “وخاصة المتعلمات وهن كثر في مجتمعنا”… وتضيف حايك: “لا أكذب إن قلت إن النسبة الأكبر من العاملين في تلك المؤسسات والنظمات هن من النساء حالياً، وإن وجود المرأة في تلك الأعمال إنما هو مشجع على تطويرها وعلى إظهار الدور الرائد الذي تقوم به خاصة بالقرب من الطقوس السلمية ومحاولة خلق ظروف الأمان والصحة لحياة المنكوبين وخاصة الأطفال منهم”.

فاطمة التي تعمل مع منار، تذهب للقول، إن ما يمكن للمرأة القيام به حالياً في المناطق المحررة هو المساهمة في المؤسسات المدنية البديلة التي تعمل في حلب وريفها مثل المجالس المحلية أو الشرطة الحرة أو المؤسسات الخدمية الأخرى، وهي مجالات مازالت النساء بعيدات عنها نسبياً، إلا أن ما قدمته وتقدمه نساء المناطق المحررة وخاصة في حلب وإدلب وريفيهما كفيل بأن يقدم المرأة نحو وظائف ومهمات أخرى، وهو أيضاً وفق فاطمة “كفيل بتغيير صورة المرأة التقليدية، وبتخفيف سلطة الرجل خاصة في الظروف العنفية التي يمر بها مجتمعنا”.

 

بيئة يمكن أن تفرضها المرأة

“في ظل ظروف الحرب والقصف اليومي لا يمكن لأحد أن يفرض قانوناً أو طقساً اجتماعياً إلا أن الإصرار على قضية ما قد تؤدي تراكمياً إلى تغيير ما في المجتمع”، هكذا تقول علياء المقيمة في غازي عينتاب التركية والتي تعمل مع منظمة مدنية في المخيمات السورية وفي الداخل المحرر، حيث ترى أن واقع الثورة والقصف اليومي وحضور السلاح لن يمكن أحداً من صياغة استقرار ما، إلا أن ثلاث سنوات كانت كفيلة بأن تعلم الإنسان السوري مثلاً “أن الحرية تؤخذ ولا تعطى” أو “الكفاح المدني أكثر أنواع النضال المؤذية للنظام الدكتاتوري”، لذا فمن الممكن أن تلعب النساء اليوم دوراً بتغيير اجتماعي ما، يفرض فيما بعد صورة مختلفة للمرأة، فهي اليوم الأقرب إلى الأجيال القادمة أي الأطفال في ظل النزوح وغياب غالبية الرجال عن المنازل أو القرى، وهي اليوم “مطالبة وبقوة بأن تكون جزءاً من أي تغيير، وأن تقتحم أي مجال يمكنها العمل به، وربما هذا قد يغير في طبيعة البيئات المحلية، ويقلل من هيمنة الفصائل المسلحة أو من تعصب الإدارات المدنية والعسكرية، وربما يجعل البيئات فيما بعد غير متقبلة لنموذج حكم معين، ويكفي أن نقول بأن داعش محاربة اجتماعياً في مناطق سيطرتها من قبل النساء كما هي محاربة من قبل الرجال”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.