شويفات

رامز أنطاكي

ما حدث مؤخراً بين مقاتلين محسوبين على المعارضة السورية وجبهة النصرة وغيرها من جهة والجيش اللبناني ومقاتلي حزب الله من جهة أخرى في عرسال لم تنتهي ذيوله بعد، فبالإضافة إلى المجندين وعناصر الدرك المختطفين حتى الآن، ما تزال الاشتباكات بين الطرفين تتكرر بين كر وفر على نحو مواز للمفاوضات التي تجري من أجل إطلاق سراح هؤلاء المخطوفين.

فئات واسعة من الشعب اللبناني تمتلك حساسية تجاه تزايد عدد اللاجئين السوريين في بلدهم، وبعضهم يستذكر تجربة بلاده مع اللاجئين الفلسطينيين، وأثارت اشتباكات عرسال مخاوف أشاعت حالة يفترض أصحابها أن كل تجمع للاجئين السوريين هو قنبلة موقوتة وبيئة حاضنة مفترضة للتطرف الإسلامي والأعمال الارهابية الموجهة ضد اللبنانيين، والتي يدفع ثمنها عناصر الجيش اللبناني الذي يحظى بتضامن واسع معه من قبل الشعب.

هذه المشاعر والمخاوف صارت تترجم على أرض الواقع من خلال إجراءات وممارسات تضيق على السوريين اللاجئين في لبنان المضيق عليهم أصلاً، وما قامت به بلدية مدينة الشويفات مؤخراً يصب في هذا السياق، فقد فرضت هذه البلدية بتاريخ 11 آب مجموعة قوانين تقضي بأن يبلغ سكان المدينة عن اللاجئين السوريين الساكنين في أملاك هؤلاء السكان الخاصة، وألغت إمكانية سكن أكثر من عائلة سورية واحدة ضمن كل شقة تحت طائلة زيادة الرسوم الضريبية على مالك الشقة، وأيضاً شددت من الإجراءات تجاه سكن السوريين في المستودعات والملاجئ والأبنية قيد الإنشاء، ومنعت “التجول للدراجات النارية والأجانب بعد الساعة التاسعة ليلاً وحتى السادسة صباحاً تحت طائلة الحجز والتوقيف”، وصولاً إلى منع إيواء أي نازح سوري جديد ومطالبة أصحاب المؤسسات ضمن نطاق المدينة الجغرافي الإبلاغ عن العمال السوريين لديهم.

هذه الإجراءات كإجراء منع التجول ليس جديداً بحق “الأجانب” الذين يقصد بهم السوريون دون غيرهم، فبلديات كثيرة عمدت إلى هذا التعميم من قبل لكنه قلما طبق، إلا أن بنود القانون الأخرى أثارت استياء البعض من اللبنانيين، فقد أورد الموقع الرسمي لقوى الرابع عشر من آذار تعليقاً على قرار بلدية الشويفات: “هذه الاجراءات جديدة على الشويفات لكن سبقتها بلديات الجنوب، ما يظهر مدى الجنون الذي طال البلديات بعد معارك عرسال، والاندفاع نحو اجراءات عنصرية وغير انسانية تطال اللاجئين”، بينما اعترض سليم على القرار بصفته مالك شقة برسم الإيجار: “أنا أعلم لمن أؤجر شقتي، ليس من حق البلدية أن تمنعني من تأجير شقتي لعائلتين سوريتين معاً، هذه مصدر رزقي”.

بينما رأى صفوان الخطيب مدير المكتب الإعلامي لتنسيقية اللاجئين السوريين في لبنان عبر تصريح صحفي أن قرار منع التجول جائر فهناك حالات إسعافية، وربما يخرج المرء من منزله لشراء حاجياته، وتساءل: “هل القرار يطبق على رجال الأعمال السوريين أم لا تشملهم هذه الإجراءات نظراً إلى الحاجة الاقتصادية والاجتماعية؟”، مطالباً بالنظر بإنسانية إلى معاناة اللاجئين وقائلاً أنه يحترم القرارات التي تسعى لفرض الأمن والأمان.

في السياق نفسه لكن على صورة إجراء يبدو أشد خطورة، عادت ممارسة سادت فترة قبل شهور طويلة ثم انحسرت، هي منع مواطنين سوريين من دخول الأراضي اللبنانية دون سبب واضح، فعناصر الأمن اللبناني عبر المعابر الحدودية البرية يعمدون إلى رفض دخول مواطنين سوريين دون أن يتم الإعلان عن معايير واضحة ومحددة لهذا الرفض الذي غالباً ما يطال الذكور الشبان دون أن يستثني تماماً غيرهم. هنادي التي أتت إلى لبنان من حلب بواسطة حافلة “بولمان” قالت: كنا 48 مسافراً في البولمان، اللبنانيون رفضوا دخول شابين اثنين ممن كانوا معنا لأنهم أجابوا عن سؤال حول سبب قدومهم إلى لبنان بأنهم أتوا رغبة في العمل”.

هذا المنع العشوائي أثار مخاوف سوريين كثيرين من الذين يضطرون إلى مغادرة سورية إلى لبنان أو ممن هم أصلاً في لبنان ويرغبون في العودة المؤقتة إلى سورية لغاية أو أخرى، ممتعضين بالتحديد من عدم وضوح أسباب المنع. شاكر الشاب السوري الذي يتابع دراسته في لبنان والراغب في الذهاب إلى سورية ليومين بهدف الاستحصال على بعض الأوراق الرسمية من جامعة دمشق قال: “كيف لي أن أخاطر بمنعي من العودة إلى لبنان والانقطاع عن دراستي بالتالي؟ هل يكفي أن أقدم إثباتات على تسجيلي في جامعة لبنانية ليسمح لي بدخول لبنان؟”، بينما روى أسامة ما جرى معه: “منعوا دخولي وسمحوا لعائلتي التي كانت برفقتي بالدخول، عاودت المحاولة في اليوم التالي فسمح لي بالدخول دون أي سؤال، أنه أمر اعتباطي تماماً يعتمد على مزاج العنصر المكلف بالتعامل معي”.

بعض الصفحات المهتمة بالسوريين في لبنان على مواقع التواصل الاجتماعي ناقشت الموضوع مستفيدة من خبرات مشتركي هذه الصفحات ونصحت السوريين بمجموعة من الاحتياطات لتجنب منع الدخول، بعض هذه النصائح كانت تقضي بالاعتناء بالمظهر الخارجي للمسافر، وتقديم أسباب مقنعة لرغبته في دخول الأراضي اللبنانية، والاستعانة بأوراق تثبت أن المسافر طالب في جامعة لبنانية أو أنه سيسافر عبر مطار بيروت، بالإضافة إلى اللباقة والهدوء في الحديث وتجنب الغضب وتجاهل أية إهانة يمكن أن توجه له.

يوماً بعد يوم تزداد حياة السوريين في لبنان صعوبة، ويبدو أن قصر نظر من دخل في اشتباك مسلح مع الجيش اللبناني من المسلحين المحسوبين على المعارضة في منطقة عرسال قد ساهم مساهمة فعالة في زيادة هذه الصعوبات، ورغم تزايد ورود الأنباء عن مداهمات يقوم بها الجيش وأجهزة الأمن اللبنانية لتجمعات اللاجئين السوريين واعتقال من لا يحمل أوراق إقامة رسمية صالحة منهم، لن يعدم السوريون المضطرون إلى مغادرة سورية إلى لبنان لهذه الغاية أم تلك حتى الآن العثور على وسيلة تمكنهم من البلوغ إلى ما يريدون.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.