معتقلون

لانا جبر

أكثر من ستة أشهر مضت ولم تيأس أم بسام من الوقوف يومياً أمام باب محكمة الإرهاب في مدينة دمشق علّها تسمع خبراً يخفف من خوفها وانتظارها لابنها المعتقل في سجون النظام.

“منذ 370 يوم خرج ابني من منزلنا الكائن بريف حماة ولم يعد حتى اليوم”، بهذه الكلمات بدأت أم بسام قصتها، فهي تفضّل إحصاء الأيام أو ربما اللحظات، فلكل منها معاناة ومشاعر مختلفة عاشتها هذه المرأة السبعينية.

أما عن سبب انتظارها لابنها يومياً أمام باب المحكمة، فبيّنت قائلة “لأنني اذا انتظرته في المنزل لن يجدني ولن نلتقي يوماً”.. هو جواب منطقي بالنسبة لوضع أم بسام التي هُجّرت وعائلتها من منزلهم الذي دمره القصف بريف حماة منذ قرابة ستة أشهر، لتقطن اليوم مجبرة في ريف دمشق، فإذا خرج ابنها دون أن يجد أحد بانتظاره فلن يستطع لقاء عائلته يوماً.

وهنا لم تخف أم بسام ككل أمهات المعتقلين قلقها بأنّ مكروهاً ما يمكن أن يلحق بابنها فقصص “سجون النظام باتت مخيفة” حسب ما وصفت، وبالتالي هي خائفة أن يذهب انتظارها سدى، ولا تأتي تلك اللحظة التي ستجمعها مع ابنها من جديد، إلا أنها تابعت حديثها محاولة تبديد مخاوفها، قائلة:” بالرغم من الظلم الذي نعيشه فإن أملي يتجدد مع كل صباح بمجرد وصولي إلى باب المحكمة”.

ولعل ما تعيشه أم بسام إنما هو حال مئات بل آلاف أسر المعتقلين في سجون النظام الذين ينتظرون أي خبر عن أبنائهم، ويحرمون من حقهم الطبيعي في معرفة مصير معتقليهم أحياءً كانوا أم أمواتاً وفي أية أفرع أمنية يقبعون.

ولعل جولة بسيطة أمام محكمة الإرهاب إنّما تسلط الضوء على ما يعانون، فأبو فريد يتنقل يومياً بين القضاء العسكري ومحكمة مكافحة الإرهاب حاملاً صورة ابنه المعتقل منذ حوالي عام ونصف، كي يريها لأي معتقل يفرج حديثاً من السجن علّه يكون قد صادف ابنه في إحدى الأفرع الأمنية.

ويبين أبو فريد بأن جلّ طموحاته اليوم أن يكون ابنه على قيد الحياة، على اعتبار أنّ أوضاع المفرج عنهم حديثاً إنما تدل على حجم المعاناة التي عاشوها في السجون حتى قبل أن يتحدثوا عنها، وهو مايزيد من قلقه على ابنه “النحيل ذو البنية الضعيفة”، حسب ما وصفه.

وأبو فريد ليس الأب الوحيد الذي يحمل صورة ابنه، إنما هناك العشرات من الآباء والأمهات الذين يقفون يومياً أمام محاكم النظام وأفرعه الأمنية دون كلل أو تعب ويسألون المفرج عنهم حديثاً عن أبنائهم، على اعتبار انهم ملّوا من التنكيل الذي تمارسه الجهات الأمنية عليهم عند محاولتهم الاستفسار عن أوضاع أبنائهم المغيبين.

وحكايات ذوي المعتقلين ربما لاتنتهي فبقدر ما يعانون الأمرين من أجل الوصول لأيّة معلومة تثلج صدورهم، فهم في الوقت ذاته ينظرون لأي معتقل يخرج حديثاً كأنه ابنهم الذي ينتظرون، حيث روى (س.ن) الذي خرج حديثاً من المعتقل بعد أن قضى فيه قرابة العام، قصته قائلاً، أنّه لن ينسى وجوه أولئك الآباء والأمهات، والذين تهافتو إليه لحظة خروجه من السجن فكانوا بمثابة ذويه في تلك اللحظات.

وتابع (س.ن) بأنهم هرعوا إليه بادئ الأمر ليسألوه عن أبنائهم المعتقلين إلا أن ثيابه الممزقة والكدمات التي ملأت وجهه جعلهتهم يؤجلون أسئلتهم، ويحيطونه بالرعاية، مبيناً أن أحدهم سارع بإحضار الماء، في حين أن آخراً “ساعدني بالاتصال بوالدي، ولم يتركوني حتى أمنوا لي سيارة تقلني إلى منطقتي”.

وأكد (س.ن) أنّه لولا أهالي المعتقلين لعانى الأمرين، حيث كان في تلك اللحظات كالضائع الذي رمي به في قارة يجهلها تماماً فهو سجن بمحافظة درعا وأفرج عنه في مدينة دمشق.

 

وفي هذا الشأن علّق ناشط حقوقي فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، بأن أوضاع ذوي المعتقلين ربما لاتقل أهمية عن المعتقلين أنفسهم، فكلا الطرفين يعانيان كل حسب ظروفه.

ولفت الناشط الحقوقي إلى أنّ معاناة ذوي المعتقلين إنما تتمحور في صعوبة معرفة مصير أبنائهم في ظل تغييب مقصود للمعلومات تمارسه الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، فهناك المئات من العائلات التي تكتشف بعد مرور سنوات من اعتقال ابنها بأنه قتل على سبيل المثال خلال الأشهر الأولى من اعتقاله، وغالباً ما تكون هذه المعلومة عبر معتقلين جدد يفرج عنهم النظام.

حيث إن النظام، كما أكد الناشط لا يخبر أهالي المعتقلين في حال توفي أبنائهم في المتعقلات كما إنه لا يسلم الجثث، وهي “مصيبة ثانية” بالنسبة للآباء والأمهات حسب تعبيره.

ولم يخفي الناشط بأنّ مآسي أهالي المعتقلين لا تقف عند اعتقال ابنهم ومحاولتهم معرفة مصيره، فهناك الكثير من العائلات كوضع أم بسام هُجرت من مناطقها بعد اعتقال أحد أفرادها، وبالتالي يدفعون لبعض العناصر الأمنية مبالغ كبيرة بالنسبة لظروفهم المادية التي غالباً ما تكون بسيطة من أجل الوصول إلى معتقليهم واخبارهم في مكان إقامتهم الجديد، وطبعاً بدون أية ضمانات من قبل عناصر الأمن بأنّ تلك المعلومة ستصل.

ولم يخف المصدر هنا أن رجالات النظام القائمين على الأفرع الأمنية بمختلف رتبهم، استفادوا كثيراً من هذا الوضع، وجمعوا ثروات كبيرة من خلال ابتزاز أهالي المعتقلين مقابل إعطاء المعلومة.

ويأتي ذلك حسب ما أوضح المصدر في ظل تقييد حركة المحامين من قبل النظام وعدم السماح لهم بمقابلة المعتقلين أو معرفة أوضاعهم، مشيراً إلى أن المحامي ليس باستطاعته مراجعة الأفرع الأمنية والسؤال عن المعتقل، كما إنه ممنوع من مراجعة المحاكم والمرافعة أمامها أو الطعن بأحكامها.

يذكر أنه لا توجد إحصائيات دقيقة عن أعداد المعتقلين في سجون النظام، إنما الأرقام التي تتحدث عن أعدادهم هي توثيق قام به ناشطون، حيث أشارت صفحة إحصائيات الثورة السورية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك إلى أنّ النظام السوري يعتقل كل أربعة دقائق مواطناً ويغيّب كل 15 دقيقة مواطناً، في حين يقتل كل يوم حوالي الـ 4 مواطنين في السجون تحت التعذيب.

وبيّنت الصفحة أنّ عدد المعتقلين منذ بداية الاحتجاجات ضد النظام السوري في آذار 2011 وحتى شهر تموز من عام 2014 وصل بشكل تقريبي إلى 258,260 معتقل.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.