عنصري

رامز أنطاكي

لم يكن يخطر على بال ح. ح. (22 عاماً) وصديقه ع. م. (23 عاماً) حين خرجا من منزل الأول لشراء بعض الأطعمة ليل السبت 6 أيلول أنهم سيتعرضان لما تعرضا له، “كنا نسير بين منزلينا في منطقة فرن الشباك، جاورتنا سيارة من نوع جيب وبدأت تسير قربنا متمهلة، تجاهلناها فبادرنا أحد الركاب “شو مش عامليلنا قيمة؟” ونزل كل ركاب السيارة نحونا” يكمل ع. م. بعد صديقه: سألونا عن جنسيتنا، وبعد أن عرفوا أننا سوريان وأننا نسكن في منزلين منفصلين أمرانا بعنجهية أن يتوجه كل منا إلى منزله، “اضطررت هنا إلى الاستئذان منهم كي أرافق ح. ح. إلى منزله فقط كي أخذ منه جواز سفري وأغراضي الخاصة التي بقيت هناك”، هنا كان انضم إلى شباب سيارة الجيب رواد مقهى وصالة بلياردو قريبين، قاموا بعزل الشابين عن بعضهما ورموا ع. م. أرضاً وبدأوا بركله وضربه، ح. ح. نال نصيباً أقل من صديقه حتى قام شاب بسحبه من بين الجمع ودفعه بعيداً آمراً إياه “انقلع على بيتك وما تورجيني خلقتك”، ثم طردوا ع. م. مهددين إياه بالأسوأ لو شوهد خارج منزله بعد الثامنة ليلاً، “إذا كنت برات المنطقة ما ترجع بعد التمانة أحسنلك”.

اتصل ع. م. فور عودته إلى منزله بصاحب المنزل وهو من أبناء المنطقة، الذي تعرف إلى المعتدين الذي ادعوا أن ح. ح. وع. م. هم من بدؤوا المشكلة، وقام صاحب المنزل بالاعتذار إلى ع. م. معتبراً أن الوضع المتشنج في البلد هو السبب، لاحقاً قام ابن صاحب المنزل بإعلام ع. م. بأن شباب الحي سيراقبون السوريين في المنطقة وربما يزودون بعض المضطرين من السوريين إلى التأخر ببطاقات تعلق على الصدر أو “بادجات” على حد تعبير ابن صاحب المنزل، لم يوضح ماهيتها تماماً.

الصديقان لن يقدما أية شكوى رسمية بالإضافة إلى مشاكل تعتري أوراق إقامة أحدهما، لا يثقان أن أية شكوى مماثلة سوف تتابع على نحو جدي من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية المعنية، مؤكدين في الوقت نفسه أنهما لم يسمعا أي قرارٍ بمنع تجول السوريين بعد الساعة الثامنة ليلاً في منطقة سكنهما.

الليلة ذاتها شهدت وفي التوقيت عينه تقريباً اعتداء مشابهاً في منطقة الأشرفية على الشاب سمعان خوام السوري الذي يحمل أيضاً الجنسية اللبنانية. سمعان الذي كان يدخن في حديقة عامة تعرض له مجموعة من الشباب الصغار في العمر بالضرب دون أي مبرر، ودون السؤال عن هويته حتى.

وكانت قد سجلت في الليلة عينها اعتداءات بالجملة على سوريين في منطقة الضاحية الجنوبية، منها ما كان مصوراً في منطقة جسر المطار، حيث بادر شبان يركبون درجات نارية إلى توقيف حافلات النقل العمومية الصغيرة، والسؤال عن هوية الركاب ليصار إلى إنزال السوريين منهم والاعتداء على أغلبهم بالضرب وبعضهم بالسلاح الأبيض، التجمع نفسه تكرر مساء الأحد والاثنين، بينما شوهدت سيارة من نوع “هامر” تابعة للجيش اللبناني مع بعض المجندين في المنطقة قبيل غروب يوم الثلاثاء.

مصدر مسؤول في أحد الأحزاب التي تتمتع بشعبية واسعة في المنطقتين حيث اعتدي على ح. ح. وصديقه وعلى سمعان خوام قال أن لا توجه لديهم كتيار سياسي نحو اضطهاد أحد، وأنهم ضد العنصرية والممارسات الشبيهة ضد السوريين أو غيرهم، وأنهم سيعممون على مناصريهم في المناطق المذكورة ضرورة الابتعاد عن هذه الممارسات.

روبير الشاب السوري الذي يعمل في منطقة قريبة من جسر المطار ويسكن في منطقة عين الرمانة قال: “لقد تعرض لي شباب أحد الأحزاب السائدة في منطقة عملي أكثر من مرة، لكني كنت أحس أنني قد أتمتع بحصانة ما كوني مسيحي في منطقة عين الرمانة”، لكنه يؤكد بدلالة ما حصل يوم السبت أن لا هوية تحميه الآن، مشيراً إلى سخرية الأقدار التي قد تسمح بأن “أتعرض للضرب والإهانة من زعران حركة أمل في النهار قرب عملي، ثم أتعرض لتشبيح زعران القوات اللبنانية مساء اليوم نفسه خلال عودتي إلى بيتي”، ويضيف ضاحكاً: “ها قد وحدنا 8 و14 آذار”.

يسود شعور أن هذه الاعتداءات المتكررة قد تكون مغطاة من جهة ما، فلا جهة استنكرتها جدياً ولا وسائل الإعلام غطتها كما يجب، بالإضافة إلى عرقلة دخول السوريين إلى لبنان ومشكلة العسكريين المخطوفين من قبل داعش المتفاقمة، يعتقد بعض السوريون أن الهدف الأبعد هو “التطفيش”، بينما يرى بعضهم الآخر أن هناك أمر أعقد من ذلك.

إحسان شاب سوري يتابع دراسة العلوم السياسية في إحدى الجامعات اللبنانية يقول: “جزء مما يجري في لبنان اليوم قد يكون بناء على رغبة حزب الله، حالة جماعية من النقمة العلنية على السوريين في لبنان قد تساعد الحزب”، يوضح إحسان أن حالة مشابهة قد تحسم وضع مدينة عرسال التي تعتبر بالنسبة إلى كثيرين سبب صمود ونجاح مقاتلي المعارضة في القلمون بوجه جيش النظام السوري ومقاتلي حزب الله على حسب تعبيره، “فصحيح أن الظاهر أن حزب الله وقع تحت الضغط، لكن حالة أسر مجندي الجيش وإعدام بعضهم غيرت بعض المعادلات في الشارع اللبناني بمختلف طوائفه أيضاً”.

على كل حال حتى بعض الأفكار حول مبادرات ما في وجه هذا العنف المتجدد تبدو مؤجلة لأيام على الأقل بناء على نصائح من لبنانيين متعاطفين، ريثما تنجلي بعض الأمور وتهدأ النفوس على أمل حل إيجابي لأزمة مخطوفي الجيش والدرك، وحتى ذلك الوقت يبدو أن على السوريين المقيمين في لبنان توخي الحذر وتجنب الأماكن الساخنة أو ذات الحساسية الحزبية أو الطائفية كما الامتناع عن الخروج ليلاً وخاصة على نحو فردي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.