معبر2

سمر مهنا

بعد نحو عامين من انطلاق الثورة في سورية رسم النظام حدوداً واضحة بين المدنيين في العديد من المناطق، هذه الحدود رافقها تغيير بالديمغرافية السكانية، وذلك عندما قام النظام بإخلاء مناطق كاملة من سكانها الذين هربوا من قصف الطيران والعمليات العسكرية إلى مناطق أخرى أصبحت تختنق بالسكان، وإن كان التهجير تم في بعض هذه المناطق على أساس طائفي كحمص، ففي مناطق أخرى كدمشق كان الفصل واضحاً بين الريف والمدينة، أما حلب فقد تحولت المدينة إلى شرقية وغربية، وما حصل في هاتين المحافظتين هو حالات فصل بناء على مناطق السيطرة، ما أثار نقمة الأهالي على بعضهم بسبب آثار هذا الفصل، واتهامات متبادلة بالمسؤولية عما يحصل.

فأم محمد التي تقيم بلدة جسرين في الغوطة الشرقية بريف دمشق التي تسيطر عليها قوات المعارضة والمحاصرة منذ أكثر من عام، تعيش في ظروف لا تتوافر فيها أدنى مقومات الحياة بسبب “انعدام الكهرباء وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل خيالي بالإضافة إلى القصف شبه اليومي على المنطقة”، فهي تنظر إلى سكان دمشق بعين “الحسد” بسبب توافر هذه المقومات لديهم ولو بشكل قليل.

لا تشعر أم محمد بالذنب عندما تقول تعليقاً على قذائف الهاون التي تنهال على مدينة دمشق من قبل قوات المعارضة ويذهب ضحيتها العديد من المدنيين، “معلش خليون يحسو فينا”، متابعة “لقد ذقنا الويل هنا، ونحن أيضا نخسر العديد من المدنيين”، وتتساءل “ألم يقولوا لأنفسهم أن هناك بشر على بعد عدة كيلو مترات منهم يعيشون بأقسى الظروف وهم شبه أموات”.

وردا على سؤالنا، ماذا يستطيعون أن يفعلوا في ظل وجود النظام، أجابت “لا أعلم لكنني أحس بالغبن فزوجي طلقني بعدما تهدم منزلنا نتيجة القصف واستشهد أحد أبنائي وابني الآخر معاق”، كما تبين أن وزنها انخفض من 80 كيلو غرام إلى 57 كيلو بسبب قلة الغذاء.

وربيع الذي يعيش في منطقة جسرين في الغوطة الشرقية، يقول “تفصلني نصف ساعة فقط عن مدينة دمشق وهم يعيشون ظروفا أفضل من ظروفنا بكثير، وبالطبع أشعر بالحزن على الذين يسقطون من المدنيين جراء قذائف الهاون، لكن هذه ورقة ضغط على النظام ليخفف القصف على مناطقنا”، يستدرك قائلا “مهما تحدثت عن وضعنا هنا لن يشعر أحد بنا”.

وتفصل بين الغوطة ودمشق حواجز للنظام وحواجز الكتائب المعارضة، حيث لا يستطيع أي أحد يمر من دمشق إلى الغوطة إدخال أي صنف غذائي أو دواء، إلا ما أمكن من المواد المهربة التي يمررها تجار بالاتفاق مع الحواجز مقابل المال، إذ يعيش المدنيون في وضع اقتصادي خانق.

ويختلف حال دمشق عن مدينة حلب التي أصبحت نصفين، فـمعبر بستان القصر الذي يطلق عليه أهالي حلب اسم “معبر الموت” بسبب وجود القناصة على طرفيه، يقسم مدينة حلب إلى قسمين “شرقية” وتسيطر عليها كتائب المعارضة المسلحة و”غربية” تسيطر عليها قوات النظام.

تقول رهف بحزن، قد تستغرق 5 ساعات وأنت تقف على المعبر للدخول من شرق حلب إلى غربها أو بالعكس وعندما يسمح لك بالمرور عليك أن تركض بأقسى ما تستطيع من سرعة بسبب وجود 3 قناصات للنظام و3 أخرى للجيش الحر وكل شيء متحرك هو هدف لهم.

وعلى عكس دمشق، تبين رهف أن النقمة بين أهالي حلب ظهرت عندما تم محاصرة القسم الغربي أي قسم النظام بعد تقدم الثوار وإغلاق طريق دمشق حلب الدولي، فلم يبق لأهالي حلب الغربية منفذ للحصول على المواد الغذائية إلا من القسم الشرقي وحصلت أزمة “حليب الأطفال”، خاصة أن الكتائب المعارضة القائمة على معبر بستان القصر حينذاك منعت أي مدني يدخل إلى الغربية من إدخال أي صنف من المواد الغذائية، فاضطر العديد منهم إلى تخبئة الحليب والطعام في ثيابهم.

تتابع رهف، “الجدار الفاصل بين قسمي المدينة، في إشارة إلى المعبر، لا يتجاوز طوله وعرضه عدة أمتار لكنه سبّب كارثة إنسانية، فقد أصبح أهالي القسم الغربي ينقمون على أهالي الشرقية بسبب الحصار الذي عانوا منه، وبسبب هذا امتنعت العديد من مشافيهم عن استقبال أهالي الشرقية المرضى بعد منع الغذاء عنهم”، وعند تقدم قوات النظام وحصار حلب الشرقية حدث العكس وبصورة أشد قسوة.

أما رائد الذي تحتاج والدته 12 ساعة للذهاب من حريتان في ريف حلب إلى المدينة بعدما كان يستغرق طريقهم إلى المدينة ربع ساعة يقول بسخرية “أن تذهب إلى تركيا ستصل أسرع”، فالمسافة التي كان من المفترض أن نقطعها كانت كيلو متر واحد أما الآن فهي 400 كيلو متر لانك أصبحت مضطرا أن تذهب من طريق “الراموسة-خناصر-حماة-ادلب” بسبب المناطق الخطرة التي تفصل الريف عن المدينة، واصفا هذا الوضع بـ”المضحك المبكي”.

 

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.