بلا قرار رسمي.. واستكمالاً لضبابية ما بعد عرسال.. لبنان يمنع تدريس اللاجئين السوريين

بلا قرار رسمي.. واستكمالاً لضبابية ما بعد عرسال.. لبنان يمنع تدريس اللاجئين السوريين

مدارس لبنان

رامز أنطاكي

“لكل شخص الحق في التعلم…” هذا هو مطلع المادة رقم 26 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي شارك لبنان في صياغته منذ البداية، ومن ثم قام بالتوقيع عليه موافقاً على مضمونه، لكن يبدو أن هذا الحق لم يعد معترفاً به في لبنان إن كان الأمر متعلقاً باللاجئين السوريين، فوزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية التي يحمل حقيبتها الوزير الياس بو صعب المحسوب على الحزب القومي السوري وعلى كتلة التغيير والإصلاح برئاسة ميشال عون، منعت تسجيل الأطفال السوريين في المدارس الرسمية اللبنانية على غرار العام الماضي، وقد بررت ذلك بأنها ستفسح المجال أولاً للأطفال اللبنانيين كي يسجلوا في المدارس.

لاحقاً وبعد أن بقيت معدلات تسجل الأطفال اللبنانيين في المدارس متدنية أطلق الوزير نداءً موجهاً للأهالي منبهاً إياهم إلى أن “الوزارة تدعوهم إلى الحفاظ على مقاعد أولادهم في المدارس الرسمية قبل أن تفتح أبوابها أمام تسجيل التلامذة غير اللبنانيين”، وكان أن سمحت الوزارة بتسجيل الأطفال غير اللبنانيين دون السوريين منهم، وتشير والدة أحد الأطفال السوريين هنا أنها نجحت بتسجيل طفلها في إحدى مدارس منطقة الأشرفية، “التسجيل تم على مسؤولية المدير الذي يعرف بخبرته أن معدل أعداد التلاميذ اللبنانيين سيبقى متدنياً”، وتضيف السيدة إلى أنه من المعروف أن المدارس الرسمية اللبنانية في بعض المناطق كادت تقفل أبوابها قبل السنوات الأخيرة بسبب قلة أعداد التلاميذ اللبنانيين، ففي بعض المناطق يفضل الناس إرسال أولادهم إلى المدارس الخاصة فقط لتبقى الرسمية منها شبه خاوية.

مع بقاء فتح باب التسجيل رسمياً أمام الأطفال السوريين في المدارس الرسمية اللبنانية معلقاً وغير واضح، يلاحظ المتابعون أن معظم نشاطات الوزير اللبناني مؤخراً من لقاءات واجتماعات خاصة مع الزوار الأجانب، تتطرق إلى طلب المساعدات والتمويل الغربي والأممي لمساعدة الحكومة اللبنانية وشرح قدرات لبنان المحدودة… و”حاجات لبنان الملحة” من أجل تمكينه من تنفيذ خطته لتقديم الحق بالتعليم لجميع الأولاد النازحين إليه من سوريا، ويعلق على هذا النوع من التصريحات والطلبات اللبنانية أحد الموظفين في مؤسسة دولية لا حكومية تهتم بحقوق الأطفال وتنشط في لبنان مع اللاجئين السوريين بالقول: “الحكومة اللبنانية تستغل أزمة اللجوء لتطالب بحصتها من كعكة المساعدات الدولية، إنهم يريدون مئة مليون دولار لتعليم مئتي ألف طفل سوري لاجئ”.

المأزق الذي يواجه تعليم الأطفال السوريين في لبنان أخذ عمقاً جديداً مع ضغط وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية على المنظمات الدولية العاملة في لبنان والتي تمول مدارس تعليم غير رسمي للأطفال السوريين في مناطق مختلفة من لبنان، هذا الضغط أفضى إلى إيقاف تمويل مدارس عدة أحدها في مخيم شاتيلا كانت ستضم مئات الأطفال ليدرسوا فيها على مدى عام دراسي كامل، ويقول مدير هذه المدرسة الذي رفض الكشف عن اسمه رغبة منه في عدم استفزاز المعنيين في وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية حالياً: “الحجة المعلنة لهذا الضغط هو رغبة الوزارة بمراجعة المناهج التي نعلمها كي تمنح على أساس هذه المراجعة شهادة للتلاميذ الذين يتعلمون في مدرسة كمدرستنا تعليماً غير رسمي”، ويتابع المدير موضحاً أن أمر مراجعة المناهج التي تدرس في المدارس غير الرسمية من قبل الوزارة هو أمر سبق الحديث عنه مراراً وقبل زمن طويل، وهو أمر يصب في مصلحة هذه المدارس لأنها تسمح بمنح التلاميذ شهادة صادرة عن الدولة اللبنانية تثبت تلقيهم تعليماً مدرسياً، “ونحن ندرس المنهاج اللبناني أصلاً ولا يوجد لدينا ما نخاف من مراجعته ومراقبته”، لكن المشكلة تكمن في توقيت البدء بهذه المراجعة، فإطلاق المراجعة الآن مع انطلاق العام الدراسي، ومعرفة الجميع ببطء تطبيق المعاملات الحكومية، يوحيان بأن الأمر “ليس المقصود به المراجعة بل الضغط على المجتمع الدولي لتقديم التمويل المطلوب لبنانياً على حساب تعليم الأطفال”.

مع توقف انطلاق هذه المدراس غير الرسمية يتحمل المعنيون فيها ضغطاً هائلاً من أهالي التلاميذ، فهم الذين باتوا يفضلون بعض هذه المدارس على تلك اللبنانية الرسمية، فهي أقرب إلى تجمعاتهم وأماكن سكنهم، كما أنها نظراً لطبيعة العاملين فيها أكثر تفهماً لحاجات الطفل السوري التعليمية والأساليب المناسبة له.

يرى البعض أن للأمر وجهاً آخر، بالإضافة إلى كونه استجداء للمساعدات الدولية، فهو يصب في سياق كافة الاجراءات المتخذة بحق السوريين منذ بدء أزمة عرسال وخطف العسكريين اللبنانيين من قبل داعش وجبهة النصرة، فمن منع دخول سوريين إلى لبنان اعتماداً على معايير غير واضحة وغير رسمية أو معلنة، إلى تمادي التعدي بالضرب والإهانة على المواطنين السوريين عشوائياً في مناطق مختلفة دون رد فعل رسمي حازم، مروراً بتزايد مداهمات الجيش اللبناني لأماكن تجمع اللاجئين السوريين واعتقال أعدادٍ منهم دون أسباب واضحة، وصولاً إلى حرمان الأطفال السوريين من التعلم استناداً لحجج مختلفة.

يبقى الترقب سائداً في الوقت الحالي بانتظار ما ستفضي إليه المناقشات بين المنظمات الممولة المعنية من جهة ووزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية من جهة أخرى، ويبقى الأطفال اللاجئون هم الخاسر الأكبر، معرضين للجهل والأمية وخطر الشارع البديل الفعلي لحرمانهم من المدرسة.

 

 

 

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.