قوى جديدة تصب نيرانها على الوطن.. والسوريون أمام مشهد من الصعب فهمه وتحديد الموقف فيه

قوى جديدة تصب نيرانها على الوطن.. والسوريون أمام مشهد من الصعب فهمه وتحديد الموقف فيه

ضربات

جود حسون ـ سمر مهنا

لم يكن مستبعداً لدى مختلف التوجهات السياسية السوريّة، بشعبيتها ونخبويتها، أن تستهدف الهجمات الأمريكية (التحالف الدولي) فصائلاً أخرى غير تنظيم الدولة الإسلامية، كجبهة النصرة أو حركة أحرار الشام الإسلامية أو حتى فصائل غيرها، وتلك الفصائل كانت تعي هذه القضية وما إفراغها لبعض مقارها خاصة في الشمال والشرق السوري إلا دليل على إدراكها لذلك، كما أن من يقرأ مجمل التصريحات الأمريكية منذ أسابيع يعرف أن الحرب التي ستشنها الولايات المتحدة على فصائل تصفها بالمتطرفة، هي ليست حرباً على داعش وحدها، وإن كانت داعش هي الفصيل المعلن الواضح والمباشر أمام صواريخ التحالف، بحكم سيطرتهاعلى مساحات كبيرة وممارساتها الواضحة للعيان، واستهدافها لصحفيين أمريكيين وتحديها المعلن للولايات المتحدة، وهو ما وجده النظام السوري “الذي أعلن صراحة وقوفه إلى جانب التحالف” مخرجاً ولو بشكل مؤقت من قوى سوّق بشكل دائم لعداوته معها، على الرغم من أن المراكز التي يستهدفها التحالف الدولي اليوم كانت واضحة أمام أعين النظام السوري، إلا أنه لم يستهدفها في قصفه، مركزاً معركته مع الفصائل الأقرب إلى تيار الثورة، والأكثر اندماجاً مع قضية التغيير السوري وليس التغيير الإسلامي.

وأمام هذا المشهد، يقف السوري “السوري المعارض غالباً”، ليحار في إبداء رأي معين، فهل كرهه لتنظيم داعش أو للفصائل المتطرفة بشكل عام، كفيل في أن يجعله مؤيداً لضربة دولية فوق أرض بلاده، وهل ممارسات التنظيم التي وصفتها العامة في سوريا بأنها متطرفة وسادية، تجعله يمكن أن يقف مع الخارج ضد التنظيم… وربما تكون الضربة الأمريكية ليست مشكلته بشكل عام أمام دمار وطن بأكمله، بقدر ما أن هذه الضربة تصب في مصلحة النظام الذي يعتبر المسؤول الأول عن مجمل ما يجري، أو الذي وصل بالبلاد إلى هذه الهاوية.

كما أن التوقع السائد لدى الكثيرين بأن الضربة تحولت بفعل مجموعة من العوامل الداخلي والخارجية من النظام إلى داعش، هو المحيّر له، وربما لو استهدفت الضربة كل من داعش والنظام في سورية، لكانت أقرب لتكون مقبولة شعبياً ونخبوياً، بعد مجمل ما جرى في البلاد.

خلافات جديدة بين السوريين، يقف على يسارها مؤيدو النظام كونهم “يمشون وفق توجه نظامهم” وفق توصيف غالبية معارضي النظام لهم، بينما صفوف المعارضين فيؤيد بعضهم الضربة بعد “تمدد” داعش في المنطقة وحربها مع فصائل المعارضة الأخرى وعم التزامها بمشروع سوري ثوري، بينما بعضهم يعارضها كونها مفيدة للنظام، خاصة بعد أن استطاع التنظيم السيطرة على مراكز عسكرية هامة كانت خاضعة للنظام قبل فترة بسيطة.

لماذا النصرة؟

عبد المجيد ناشط إعلامي مقيم في ريف اللاذقية يقول لموقع الحل السوري بأن جبهة النصرة قد أخلت الكثير من مقراتها في المنطقة، تحسباً لاستهدافها، خاصة بعد استهداف طيران التحالف لمواقع تابعة للجبهة في ريف حلب…

يقول الناشط: “لا فرق عندي عملياً بين داعش والنصرة، على الرغم من أن تجربتي مع الفصيلين كانت مختلفة، داعش بالفعل كانت تسيء لسكان القرى في منطقتنا، وتضيق على النساء، إلا أن النصرة كانت إلى حد ما بعيدة عن التعاطي مع الأهالي، وربما عدم سيطرتها المطلقة على منطقة بحد ذاتها هو سبب بعدها وعدم تحكمها بالحياة العامة، فالنصرة لا تحمل مشروع دولة كما داعش، إلا أنني أجد التشابه في الفكر والتوجه الجهادي البعيد عن مبادئ ثورتنا… هذا لا يعني أنني أؤيد الضربة ضدهما إلا أنني لا أنظر لهما بتمايز… الضرب المحقة كان يجب أن تتجه إلى القصر الجمهوري”.

رامي من المنطقة ذاتها يؤيد الضربة، ويرى فيها ضرورة كون داعش وصلت إلى مرحلة “لا تهدد فيها النظام بالسقوط أبداً، بل تهدد مختلف المناطق السورية بالدمار الاجتماعي، وتهدد ثروات البلاد بالسرقة والنهب”، حسب قوله.

ويقول رامي: “الضربة التي ستتهدف التطرف مشكلتها الوحيدة هي أنها قد تودي بأرواح مدنيين كما شهدنا في تجارب دول مجاورة، إلا أننا عندما نقول بأنها تساعد النظام فنكون مخطئين، لأن وجود تلك الفصائل هو الذي كان يساعد النظام، وهو الذي كان يجعل التطرف سمة يأخذها الغرب على الثورة وهي سمة بعيدة عنها، لذا فالتخلص من هذه الفصائل هو ما قد يعيد الصورة العامة إلى مبادئها، وما قد يعيد النظام إلى خانة المجرم الوحيد بحق الشعب السوري وليس واحداً من مجرمين كثر بعضهم جاء من خارج البلاد ليمارس هذا الإجرام بحقنا… وهنا أنا أؤيد الضربة من جهة المصلحة والنفع وليس من جهة تأييد من يقوم بها، لم تكن تلك الدول معنا في يوم من الأيام إلا أن مصالحها بضرب الفصائل المتطرفة تلاقت مع مصالحنا وحبذا لو كانت مصالحنا بالتخلص من الأسد ىتتلاقى مع مصالحهم.. ربما هذا هو ما نأمل به بعد الضربة”.

 

مواقف من داعش

وليد يسكن في الرقة حتى الآن، عايش مجمل الأحداث التي مرت فيها الرقة، يقول: “أبشع ما مر على الرقة على صعيد الحياة الاجتماعية هي داعش، وكل الحديث بطريقة كوميدية عن قراراتها وفتواها سيكون مريراً لو أن من يتحدث يعيش تفاصيل وتطبيقات هذه القرارات”، ويرى وليد أنه لربما كانت هناك بعض الإيجابيات بوجود داعش مثل عدم قصف الرقة من قبل النظام خاصة في المرحلة الأولى من سيطرة التنظيم على المدينة، أو تأمين بعض مستلزمات الحياة، إلا أن ذلك “لا يعفيها أبداً من كونها تنظيم مجرم، أغلبه من الأجانب الذين جاؤوا لهدف هم ذاتهم لا يعرفونه.. إنها الجريمة فقط”.

يؤيد وليد ضرب التنظيم، فيقول “زوال التنظيم سيعيد أهل الرقة إلى الثورة، سيعيدنا لنرى عدونا الحقيقي في دمشق، كي لا يبقى هناك حاجز بيننا وبين تطلعاتنا كشعب يريد الحرية، ولو أن في يدنا أي طريق خلاص آخر من هذا التنظيم لما أيدنا طائرات غريبة تخترق سماءنا وتقصف أرضنا… هذا الموجود ماذا يمكننا أن نفعل”.

وفي ريف حلب:

لم تشتهر ممارسات داعش في ريف حلب مثل شهرتها في الرقة ودير الزور، وربما يعود ذلك إلى أن وجودها في ريف حلب قريب من تواجد فصائل أخرى، وقريب من مواجهات مع النظام أكثر مما هي الحال في الرقة ودير الزور، حيث المساحات هناك تتيح للتنظيم تدخلاً أكثر في الحياة المدنية وفرضاً لفكرة الدولة التي تهدف إليها.

يقول محمد وهو أحد سكان مدينة الباب في الريف الشرقي لمدينة حلب الذي يقع بمعظمه تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، إن سكان المدينة أصبحوا يفضلون الأمان على أي شيء آخر، والتنظيم قد وفر لهم هذا العنصر داخل المنطقة، وذلك قبل أن يبدأ النظام بقصف المدينة بعد قرار مجلس الأمن الذي فرض عقوبات على داعش وجبهة النصرة، وقبل الضربات الأميركية التي تستهدف مقرات التنظيم.

وبين محمد أن التنظيم يوفر أيضاً الخدمات العامة في المنطقة مثل المياه، كما يقدم المساعدات الغذائية بشكل دائم للسكان، على الرغم من أن المنظمات الإنسانية لاتدخل إلى المنطقة، لكن على حد قوله “داعش تسيطر على منابع النفط في سورية وليس من الصعب عليها أن تقدم الغذاء لأهالي المنطقة”.

وحول التضييقات التي يفرضها بشكل عام على المدنيين، بين محمد أن أهالي ريف حلب عموماً “ملتزمون دينياً بشدة، ومن المؤكد أن هناك تضييقات لكن لا تقيد حياتهم بالمطلق، مشبهاً نظام داعش بالنظام السعودي، وموضحاً أن الناس يعيشون في السعودية بشكل طبيعي”.

أما سعيد وهو من منبج في ريف حلب الشرقي أيضاً، كان رأيه على عكس رأي محمد، مشيراً إلى المضايقات التي يتعرضون لها بشكل مستمر من قبل داعش “مثل العقوبات التي قد تطال أصحاب المحلات في حال لم يغلقوا متاجرهم في أوقات الصلاة”.

كما أشار سعيد إلى أن منع “الأركيلة والدخان أمر يعاني منه الشباب بشدة، بالإضافة إلى منع خروج النساء وحدهن دون محرم”، موضحاً أنه في “كثير من الأحيان كانت النساء تخرج لشراء الحاجيات وحدهن”، ومبيناً أنه على الرغم من أن بيئتهم الدينية ملتزمة لكنها “لا تتناسب مع داعش”، متسائلاً “من هم ليحاسبوا شخصاً بقطع رأسه أو يده بسبب فعل قام به”؟.

ويبين المصدر أنه عدا كل ذلك فهناك العديد من العائلات الحلبية في الريف يقاتل أبناؤها في صفوف الجيش الحر، وهم يخافون عليهم من بطش داعش، “لأنه في حال قبضت على أحدهم ستقتله فوراً”، لكن أكثر ما يثير حزن سعيد هو وجود شبان من مدينته يقاتلون في صفوف داعش وآخرون في صفوف الحر، في”إحدى الحالات كانوا أخوة”.

بدوره، تحدث سليم في ريف حلب الشرقي أيضاً عن والدته التي تشعر بالضيق من وجود داعش، قائلة: “من وين جابولنا الخلافة وهاللبس”، مشيرة إلى أن “ليس هذا هو الإسلام الحقيقي وليس هذا من طبيعة الشعب السوري أيضاً”.

أما الفصائل المقاتلة في الريف فقد “أصبحت بين نار النظام وطائراته ونار داعش على الأرض”، حيث يقول أحد الناشطين أن الجيش الحر الآن يواجه قوتين وحده وهو على “حافة الهاوية” فطائرات نظام الأسد من الجو وداعش على الأرض.

كما بين أن الضربات الأميركية على مواقع داعش جعلت العديد من المدنيين يتعاطفون معها خاصة أن أميركا “لم تفكر يوماً بضرب مواقع النظام الذي قتل الآلاف من الشعب السوري”، ومشيراً إلى أن هذه الضربات استهدفت مواقع لـجبهة النصرة ومن الواضح أن أميركا “تستهدف قوات المعارضة وليس داعش” فقط من أجل أن يستمر النظام”، وحتى الآن “لا نعلم ماهي الخطة وذلك بعد أن حازت الضربة على تأييد دولي وشاركت بها دول عربية كما أيدها الائتلاف السوري”.

ويختتم بقوله: “جميع الضربات على سورية سواء النظام أو الأميركية يبقى فيها الخاسر الأكبر هم المدنيون الذين لا حول لهم ولا قوة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.