اطفال

سمر مهنا

ليرة تركية واحدة هو سعر علبة المحارم الصغيرة التي تحملها العديد من الأيادي الصغيرة في مدينة أنطاكية التركية، أيادي أطفال سوريين يقطعون طريق المارة كل قليل من أجل بيعها، البعض منهم له أسلوبه بالإقناع والبعض الآخر يريد التخلص من بضاعته التي يضعها غالباً في كيس أسود معلق بمعصمه من أجل أن يعود إلى المنزل سريعاً بعد أن تنفق جعبته ويحصل على الغلّة.

أما حال رائدة الفتاة الحلبية والتي تبلغ من العمر 10 أعوام، فهو مختلف تماماً عن حال بقية الأطفال فهو عمل رسمي يبدأ وينتهي بوقت محدد، وهو تجارة أكثر منه استجداء، فقد اتخذت رائدة من حائط إحدى جدران الجوامع مكاناً لتجارتها الصغيرة، أما العدة فهي فقط “كيس أسود” يحتوى على عشر علب محارم يومياً وربما أكثر بحسب “حركة المرور” على حد قولها.

رحلة عائلة رائدة كانت شاقة جداً فقبل وصولها إلى تركيا نزحت إلى اللاذقية مع عائلة عمها هي وأمها وشقيقتاها كونها يتيمة الأب، ومن ثم إلى المخيمات على الحدود لتنهتي بأنطاكية، عملها يبدأ الساعة الحادية عشر صباحاً، فعلى حد قولها لديها دوام رسمي مثل بقية الناس وينتهي السادسة مساء في الشتاء، وفي الصيف ينتهي عند السابعة كون المنزل قريب على مكان تجارتها، أما بضاعتها فتحصل عليها من سوق انطاكية القديم بسعر الجملة.

تمر أثناء حديثنا فتاة تركية تتكلم العربية بسبب أصولها، بعد أن تحيّيها بابتسامة تقول لي رائدة “هذه الفتاة دائماً تشتري مني، وتطلب مني أن أخبرها في حال أي شخص أزعجني”.

تقول “الأتراك لطيفون ويتركون لي من المال ما يزيد عن سعر علبة المحارم خاصة في الأعياد وشهر رمضان، أما بالنسبة للسوريين فأحوالهم سيئة، لكن هناك أفراد يعملون في جمعيات خيرية يقدمون لي المساعدات أيضاً”.

أجار المنزل الذي تقيم فيه رائدة وعائلتها يدفعه أحد الأتراك، لكن على حد قولها الجيران يكرهونهم جداً، وكلما أصدروا صوتاً على سلم البناية يضايقونهم، كما طلب منهم صاحب المنزل مؤخراً الخروج وهم الآن يبحثون عن بديل.

تحاول رائدة أن توسع تجاراتها من المحارم إلى السبّحات الرقمية أو هذا ما وعدتها به والدتها، فهم بحاجة إلى المال، وهي لا تشعر بالضيق من مهنة “التاجرة” التي بدأت العمل بها قبل عام كغيرها من الأطفال السوريين في مدن النزوح خارج وداخل سورية، أما بالنسبة لدراستها فعلى حدّ قولها ستحاول تنظيم الوقت بينها وبين عملها، وفي حال تعارضتا ستختار العمل.

أثناء حديثنا مع رائدة رفع المؤذن صلاة العصر في الجامع الذي اتخذت حائطه مكاناً لعملها، فودعتنا بسرعة وقالت لنا بأننا نستطيع أن نراها غداً، وذهبت راكضة لتأدية الصلاة والكيس الأسود يلوح بمعصمها، ليغيب وجهها البريء عن الشارع، لكن بعد أمتار يظهر طفل سوري آخر يقطع سيرك بيده الصغيرة وهو يحمل علبة المحارم الملونة.

بعض هؤلاء الأطفال تم إرسالهم إلى العمل على الرغم من أن الأب يعمل، والبعض الآخر فقدوا الأب واضطروا لتحمل مسؤولية في عمر مبكر، والأغلبية منهم خارج المدارس دون وجود أي جمعية سورية تحمل مسؤولية إيقاف عمالة الأطفال، وهذا ما يعتبره كثيرون من مسؤولية مؤسسات “الائتلاف السوري” في تركيا، وعندما أخبرنا أحد الأهالي عن خطورة عمل ابنه في الشارع، قال بأنه يعلم ذلك لكن “إن لم يعمل ابني من أين سنأكل؟”.

 

 

 

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.