مدارس داعش

هشام سراج الدين

يعتبر التعليم من أكبر القطاعات المتضررة في سورية جراء الأحداث الدامية التي تشهدها البلاد بدءاً بقصف المدارس من قبل قوات النظام وليس انتهاءاً بممارسات تنظيم الدولة الأإسلامية في المناطق التي تسيطر عليها، فاستمرار الأحداث للعام الرابع على التوالي حرم كثيراً من السوريين من حقهم بالتعليم، مما يعني حرمان أجيال كاملة من أحد أهم حقوقهم، فضلاً عن صعوبة سد هذه الثغرة مستقبلاً، وما زال التعليم يتعرض لهزات عنيفة تسهم في تدميره، حيث استمرت هذه الهزات مع فرض تنظيم الدولة الإسلامية سيطرته على قسم كبير من سورية، ولا سيما بعد إعلانه “قيام الخلافة الإسلامية”، في الأول من رمضان، فبدأ التنظيم يعمل على إدارة الوطن باعتباره دولة، وكان التعليم إحدى ضحايا ممارسات التنظيم بدءاً من المعلمين مروراً بالمناهج، وليس انتهاء بالطلاب الذين سيشكلون مستقبل سورية.

قبل بدء العام الدراسي للعام 2014\2015م أعلن التنظيم عن إقامة دورات شرعية للمعلمين والمعلمات في كافة المناطق التي يسيطر عليها، وكل معلم لا يحضر الدورة الشرعية يُحرم من التدريس في المدارس الواقعة ضمن سيطرة التنظيم، سواء كانت المدارس حكومية أو خاصة، حتى المعاهد الأهلية فقد أُجبر القائمون عليها على حضور الدورات الشرعية التي تدرس العقيدة والفقه والتجويد والثقافة الإسلامية، يقول فيصل وهو مدرس من جرابلس: “أخضعنا التنظيم لدورة شرعية مدتها أسبوعان، وكل معلم لا يلتحق بها يحرم من التدريس، فاضطر المدرسون للحضور ليس إيماناً بالتنظيم، بل حرصاً على الجيل من الضياع” واللافت أنّ غير المعلمين العاملين في المجال التربوي خضعوا لهذه الدورات، فيتابع الأستاذ فيصل: “حضر معنا حملة شهادة التعليم الأساسي والتعليم الثانوي، وأخشى أن تسند لهؤلاء مهمة تعليم أبنائنا، فهم لا يملكون الكفاءة العلمية أولاً، والتربوية ثانياً، فالدورة عبارة عن ثقافة إسلامية عامة بالعقيدة والفقه والتوجيه، ولا تؤهل من يحضرها للتعليم” وإسناد مهمة التعليم لهؤلاء لابدّ أن ينعكس سلباً على التعليم كما يرى القائمون على العملية التربوية.

أما المناهج فقد بدأت اللجان المختصة بإعداد مناهج خاصة بالتنظيم تسير وفق فكر التنظيم واستراتيجيته، وهذه اللجان عبارة عن مجموعات من المعلمين الذين قاموا بمبايعة التنظيم، وبدأت عملها بعد عيد الفطر، ويقول المعلم لؤي الأنصاري أحد المشاركين بوضع المناهج: “اللجان على كفاءة عالية، وأسند لأهل كل اختصاص المادة الخاصة بهم، ونأمل أن نخرج بمنهاج يخرج المسلم الحق المتمسك بدينه، بمنهاج خال من الكفريات والشركيات والبدع والأباطيل التي زرعتها أنظمة الطواغيت، وشوهت الأمة” ويعترض التربويون على هذه الخطوة، حيث يقول المربي هاني: “تغيير المناهج ليس مجرد قرار سياسي، ولا يمكن تغيير المناهج بشكل جذري بين عشية وضحاها، فذلك يحتاج لأمور كثيرة أبسطها الحاجة لمعلمين مختصين بها، وفترة زمنية كافية ومريحة فضلاً عن التدرج، ومراعاة المنهج الحالي” ويبدي المدرسون استغراباً واندهاشاً من خطوة تغيير المناهج فيقول الأستاذ سمير: “لو كان التنظيم صادقاً وحريصاً على الطلاب لترك المركب يسير ريثما يفرض سيطرته الكاملة، وفعل كما فعل الائتلاف أي قام بتهذيب المناهج لا تغييرها، فما علاقة العلوم والفيزياء والرياضيات و… بنظام الأسد، ثم إن أكثر المعلمين يأخذون رواتبهم من النظام حتى الان” ويتابع الأستاذ سمير مبدياً استغرابه: “إذا كان التنظيم يدّعي أنه أقام دولة الخلافة فأقول لهم: لا أعلم دولة معلموها يدرسون في دولة، ويتقاضون رواتب من دولة أخرى!”

وربما تأخر إعداد المناهج جعل التنظيم يتخبط بإدارة العملية التعليمية مع بدء العام الدراسي، فتارة يسمح بتدريس مواد دون أخرى، وتارة يسمح بإحضار الكتب من مناطق النظام، وأحياناً يمنع، وتارة يقوم بسحب الكتب جميعها من الطلاب، يقول الأستاذ صافي من الرقة: “دخلنا شهر تشرين الثاني والطلاب دون كتب، والمعلمون والطلاب حيارى ولا يعرفون ماذا يصنعون، فلا يمكن أن يتم التعليم من دون كتاب مدرسي”، وتسري هناك إشاعة مفادها أن التنظيم سيقوم بتوزيع مناهج خاصة به بعد أسبوعين، والناس في حالة ترقب لهذه المناهج من الناحيتين العلمية والتربوية.

ودفعت هذه الإجراءات كثيراً من الأهالي والمعلمين للنزوح إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، أو الجيش الحر، يقول أبو رامي أحد النازحين: “ابني في الصف الثالث الثانوي، وابنتي في الصف التاسع، والبقية في صفوف مختلفة من كافة المراحل، واضطررت للنزوح لأن الوثيقة التي سيعطيها التنظيم –ولو كان التعليم جيداً- لا يعترف بها أحد، ولا تخول أولادي دخول الجامعة فما الفائدة منها؟!” ويعتقد أنّ عملية الهجرة ستزداد بعد التأكد من ذلك.

كما انعكست إجراءات التنظيم سلباً على الطلاب الذين يمثلون الثمرة والهدف من العملية التربوية كلها، فلم يستطع كثير من الطلاب الالتحاق بالمدارس بعد فرض مبلغ مالي على كل طالب (ألف ليرة بالفصل) دون مراعاة الظروف المادية السيئة للمواطنين، تقول أم محمد: “نحن نازحون لا نملك ثمن رغيف الخبز، وأولادي يعملون حتى نعيش، وبالكاد ندفع الإيجار ونحصّل قوت يومنا، فمن أين لنا أن ندفع ما يطلبه التنظيم هذا عدا المستلزمات الأخرى”.

إلا أن الهمّ الأكبر عند الطلاب يتمثل بفرض التنظيم مناهجه، فالطلاب سيجدون أنفسهم بشهادات غير معترف بها، كما أنهم سيجدون أنفسهم بعد الثانوية من دون جامعة، مما دفع قسماً كبيراً لترك التعليم والسفر، أو اللحاق بسوق العمل إن وجد، يقول أبو علي والد أحد الطلاب : “أوقعنا التنظيم في مشكلة كبيرة فنحن لا نثق بمناهجه أولاً، وثانياً لا يملك جامعات ومعاهد تستقبل طلاب الثانوية، وليس عنده القدرة المالية والعلمية على فتح جامعات، لقد وقع أبناءنا ضحية لشهوة السلطة”.

كما استولى التنظيم على عدد من المدارس وحولها إلى دوائر عسكرية أو إدارية خاصة به وهي الآن تحت مرمى طائرات التحالف الدولي، يقول أبو نادر: “قسم كبير من المدارس خرج عن الخدمة بسبب القصف، أو النهب، أو السيطرة عليها من التنظيم، وأدى ذلك لمنع كثير من الأهالي إرسال أولادهم لبعد المسافة بعد أن خسروا المدارس القديمة”، كما قام التنظيم بإلغاء عدد من المدارس الفنية والمهنية الخاصة بالبنات.

تركت سياسة التنظيم التعليمية استياءً ورفضاً من قبل القائمين على العملية التربوية والمواطنين الذين لا يملكون من أمرهم شيئاً، وما ذكر من إجراءات جزء بسيط من ممارسات اعتباطية غير مدروسة، كالفصل بين الذكور والإناث على كافة المستويات، دون مراعاة توزيع المعلمين والمعلمات، مما ترك طلاباً دون معلمين، وطالبات دون معلمات،

يقول مهند مدرس فيزياء: “قام التنظيم باتخاذ إجراءات عطلت العملية التربوية دون أن يقوم بتأمين البدائل، فأغلب مدرسي المواد العلمية في المرحلة الثانوية من الذكور الذين منعوا من تدريس البنات، لتترك بناتنا دون معلمين، ناهيك عن المرحلة الابتدائية التي في غالبيتها من المعلمات اللواتي منعن من تدريس الذكور، تخبط وعشوائية في القرارات دون دراسة للعواقب والنتائج الكارثية، والمشكلة أن مجرد النقاش ممنوع، فكيف بالاعتراض؟!”

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.