امم متحدة

عشرة مليون شخص حول العالم هم بدون وطن، بدون أي نوع من الأوراق الثبوتية. حُرم هؤلاء من التعليم والتوظيف والرعاية الصحية.

إميليا جنتلمان، الغارديان، 4 تشرين الثاني 2014.

ترجمة موقع الحل السوري.

 

وصلَ علي ياسر الدّوسَري 27 عاماً إلى المملكة المتحدة عام 2009، وقد تم رفض طلب لجوئه ذلك لأنه من “البدون” (الكويتيين عديمي الجنسية)، فكتب يائساً في شهر تموز إلى الملكة لطلب مساعدتها “دون جدوى”، فقد حذى طلبه حذو دعاويه المتكررة والتي باءت بالفشل ضد قرار وزارة الداخلية. أرسل مكتب الملكة رداً يُخبره أنه تمت إحالة رسالته إلى وزارة الداخلية، وأنه سيحصل على الرد في غضون 20يوماً.

إلى الآن لم يسمع أي رد، وخلال هذا الوقت يواصل علي النوم في العراء، متناوباً بين مسجد الحي والكنيسة أو على أرائك الأصدقاء. ليس لديه أي حق بالدراسة أو العمل، يحصل على قوته من الكنيسة ومن منظمات المشرّدين الخيرية.

ولد علي في الكويت، ليس إلا واحداً من أكثر من 100000 من “البدون”، لم يُمنح شهادة ميلاد، ولن يحصل مطلقاً على جواز سفر، وحُرم من التعليم والتوظيف الحكومي وحتى من الرعاية الصحية. تبعتهُ المشاكل المرتبطة بعدم المواطنة_ عدم امتلاك وثائق سفر ولا أي نوع من الأوراق الثبوتية_ إلى هذا البلد، ما أدى إلى تعقيد طلب لجوئه. وزارة الداخلية أخبرته أن حالته ملفّقة، ولأنه بلا وطن، ليس لديه أية أوراق ثبوتية يستفيد منها في دعم طلبه.

“أعود للكويت، على الأقل كان لديّ لحاف أُغطي نفسي به. ليس لدي شيء هنا” يقولها علي، ويصف ظروف وجوده بلا وطن “كأنني في السجن”.

يؤثر مفهوم عدم المواطنة _ المفهوم الصغير والباطني_ على الأقل على10 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم، ويُقدّر وجود نحو 600 ألف منهم في أوروبا.

أطلقت مفوضية اللاجئين، وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، يوم الثلاثاء حملةً عالميةً تهدف إلى تكثيف الجهود لإنهاء حالات عدم المواطنة، وأعلنت عن حملتها في رسالةٍ مفتوحةٍ نشرتها في صحيفة الغارديان. مضى 60 عاماً منذ أول وعد للأمم المتحدة بحل مشكلة إنعدام الجنسية، ذلك بإتفاقية الأمم المتحدة عام 1954 المتعلّقة بوضع الأشخاص معدومي الجنسية، وقد فُزع النشطاء المشاركون في هذه الحملة من التقدّم الضئيل المُحرَز خلال تلك الفترة. وتحدد الحملة الجديدة مهلة مدتها 10 سنوات لتناول هذه القضية.

عديم الجنسية هو الشخص الذي لا يُعتبر مواطناً في أي بلد. وأن تكون عديم الجنسية، هذا يعني أن الفرد ليس لديه هوية قانونية، ولا جواز سفر، وليس لديه الحق بالتصويت، وانعدام فرص الحصول على التعليم أو قلّتها. فمن المستحيل تسجيل الزواج بدون وثائق رسمية، وبذلك تكون الحياة الزوجية متأثرة. من الصعب السفر، كما أن الأشياء البسيطة الأخرى مستحيلة مثل فتح حساب بنك أو الحصول على رخصة قيادة. يجد العديد أنفسهم عالقين في مأزقٍ قانوني، ويمكن أن يجدوا أنفسهم يواجهون الإعاقة والحرمان، فهم غير قادرون على العمل بشكل رسمي، يعيشون في هوامش المجتمع.

قال المندوب السامي للاجئين لدى الأمم المتحدة أنتونيو جوتريس: ” إنعدام الجنسية هو إنتهاك عميق لحقوق الإنسان. وهذا يجعل الناس يشعرون أن وجودهم وتزايدهم هو جريمة.”، تميز الأمم المتحدة حالة عدم المواطنة أنها “الغياب الكامل والمطلق”، وهو الشكل الصامت للإقصاء الذي يفلت عادةً من العناوين البارزة. وتصف كريس ناش _مديرة الشبكة الأوربية لإنعدام المواطنة_ الأشخاص عديمي الجنسية أنهم: “أشباح شرعيين، عُرضة لانتهاكات حقوق الإنسان دون اللجوء إلى العدالة “.

توجد حالة عدم المواطنة حول العالم بسبب العديد من الأسباب المختلفة: كتلة من السكان يمكن أن يصبحوا عديمي الجنسية بين ليلةٍ وضحاها عندما يُعاد رسم الحدود الرسمية للدولة، وآخرون يصبحون عديمي الجنسية بسبب التمييز ضد مجموعات معينة دينية أو عرقية. وتعتقد المفوضيّة العليا للاجئين أنه يولد طفل عديم الجنسية كل 10 دقائق. وقد خلّف انهيار الإتحاد السوفييتي عام الـ 1991 أعداداً كبيرة من عديمي الجنسية، أكثر من 370 ألف شخص، الكثير منهم من أصل روسي لا يزالون يفقترون إلى الجنسية في أستونيا ولاتفيا.

أدى النزاع في سوريا إلى تفاقم المشكلة. فتقدّر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن حوالي 51000 طفل سوري لاجئ قد ولدوا في الخارج منذ 2011، وأن أكثر من 70% منهم لم يتم تسجيلهم عند الولادة، الأمر الذي قد يجعل من الصعب لاحقاً إثبات أنهم مواطنين سوريين.

تدعو الحملة الدول لإتخاذ 10 إجراءات من شأنها إنهاء حالات انعدام المواطنة، تتضمن إزالة التمييز بين الجنسين من قوانين الجنسية، ويُسمح للأمهات بذلك أن يمنحن أطفالهم الجنسية (حيث تُحرم المرأة في 27 دولة من حق منح جنسيتها لأطفالها على قدم المساواة مع الرجل) وضمان تسجيل جميع الولادات، كي لا ينزلق الأطفال عبر النظام إلى حياة الخفاء.

بالرغم من أن أعداد متزايدة من الدول وقّعت معاهدات دولية لحل مشكلة حالات إنعدام الجنسية (أكثر من 44 دولة خلال العامين الماضيين مقارنةً مع 144 دولة عالمياً)، إلا أن 100 ألف شخص فقط حصلوا على الحل لمشكلتهم العام الماضي، أي ما يعادل 1% من المجموع العام للسكان.

تسببت الحكومة البريطانية في وقتٍ سابق من هذا العام بالقلق لدى المُدافعين عن حقوق الإنسان، ذلك عندما ناقشت إمكانية سحب جوازات السفر من المتطرفين الإسلاميين البريطانيين العائدين من سوريا، لكن وزيرة الخارجية تيريزا ماي اعترفت لاحقاً أنه بموجب القانون الدولي فإن هذا الإجراء يكون ممكناً مع الأشخاص مزدوجي الجنسية، لأن “من غير الشرعي لأي بلد أن يجعل مواطنيه بلا وطن”.

يشير تقرير المفوضيّة العليا للاجئين أن الأسر يمكن أن تنفصل بسبب التعقيدات المتعلقة بعدم مواطنتهم. “تعاظمت المشاكل القانونية. غالباً ما يواجه عديمو الجنسية مشاكل غير قابلة للحل متعلقة بحقوق الملكية أو حضانة الأطفال. يعيشون في خوفٍ دائم من تعرضهم للطرد من البلد، أو يلجؤون أحيانا للهرب والإنفصال عن عوائلهم في محاولةً يائسة منهم لحل مشكلة عدم مواطنة أطفالهم.”

ففي جمعية هارو للجالية الكويتية، وصل 14 كويتي من “البدون” يبتغون الحصول على المشورة بشأن هذه المشكلة بالذات، وهي كيفية لم الشمل لأفراد الأسر التي فرّقتها مشكلة إنعدام المواطنة. جميعهم فرّوا من الكويت، مقتنعين أنهم لن يصبحوا مواطنين فيها. معظمهم لم يُمنحوا شهادات ولادة، وكافحوا للحصول على التعليم والرعاية الصحيّة والزواج والحصول على أي عمل مغاير لبيع الفاكهة والماشية. منذ أن فرّوا إلى المملكة المتحدة، مُنح البعض إجازة مؤقتة للبقاء في هذا البلد، وتُطبع كلمة “بلا وطن” لملئ حقل الجنسية في وثائق السفر المؤقتة الخاصة بهم. ولا يزال آخرون مثل علي الدّوسَري يحاربون للحصول على وضع اللاجئ هنا.

علي، الذي لا يريد ذكر اسمه بالكامل، تجنّباً لتعقيد حالته أكثر، غادر الكويت عام 2012 خوفاً من الاعتقال بعد مشاركته في الاحتجاج المتعلّق بحالة “البدون”. رتّب لفرار عائلته إلى الأردن لاحقاً، حيث يعيشون الآن حياةً غير قانونية، وهو يعيش حالة قلق متواصلة خوفاً من أن يتم اعتقالهم لعدم امتلاكهم وثائق رسمية. يأمل علي أنه في النهاية سيكون بإمكانهم العيش مع بعضهم في المملكة المتحدة وأنهم سيحصلون على الجنسية البريطانية، ويقول: “أنت تكسب الجنسية من والدك. أريد أن أضع حداً لهذه المشكلة من أجل أطفالي،” يقول علي أنه رغم أن العائلة أجرت إختبارات الـDNA لإثبات أنهم عائلة واحدة، ورغم أنه قد كسب المعركة القانونية هنا في المملكة لضمان السماح لزوجته وأطفاله الثلاث بالانضمام إليه، إلا أن السفارة البريطانية في عمان، الأردن، لا تعطي التأشيرات للسماح بسفر أطفالهم، المشكلة التي يعاني منها معظم الأشخاص الآخرون في المركز. يقولون أن تحدّي كونهم عديمي الجنسية قد لَحِق بهم إلى هنا.

محمد، 35 عاماً، عديم الجنسية أيضاً من “البدون” والذي رُفِضَ طلب لجوءه يقول: “أشعر أنني أختلف عن الناس الآخرين. لا أستطيع الذهاب إلى أي مكان بحرية. لم يكن لدي حقوق في الكويت، والآن أشعر أنني لا أملك أي حقوق هنا”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.