المقاتلون الأجانب في سوريا الأعداد – الولاءات والأهداف – الآثار على الثورة السورية (الجزء الأول)

المقاتلون الأجانب في سوريا  الأعداد – الولاءات والأهداف – الآثار على الثورة السورية (الجزء الأول)

داعش عرض

(ملف أعدّه موقع الحل السوري لينشر على مرحلتين: الأولى تضم “عدد المقاتلين الأجانب في سوريا، أبرز الفصائل المسلحة التي ينتمي إليها المقاتلون الأجانب، العقيدة والأهداف، ظهور الفصائل والميليشيات والجهات الداعمة له، مناطق النفوذ” فيما سيضم الجزء الثاني “تأثيرات دخول المقاتلين الأجانب على الثورة السورية،حجم الأجانب في الصراع السوري،السوريون في صفوف الفصائل المتطرفة، الصراع باقٍ ويتمدد”)

 

بشّار يوسف / الحل السوري

تحوّلت سوريا خلال العامين الأخيرين من عمر الثورة السورية التي بدأت منتصف شهر آذار من عام 2011 إلى ساحة حرب دولية بين ميليشات مسلحة ينتمي أفرادها إلى عشرات الجنسيات، يقاتلون إلى جانب قوات المعارضة أو النظام أو لتحقيق مشاريعها الخاصة، والصفة المشتركة لهؤلاء هي ارتباطهم بمسميات دينية إسلامية من المذهبين السنّي والشيعي.

دخول هذه المجموعات كأطراف أساسية في الصراع الدائر في سوريا خلط الأوراق، محلياً ودولياً، وفرض معادلات جديدة تختلف عما كانت عليه الأمور في البداية؛ ثورة شعبية على نظام قمعي، لتظهر تحالفات وصفقات متوقعة، وأخرى غير منطقية، وكل ذلك على حساب المدنيين بالطبع.

عدد المقاتلين الأجانب في سوريا

من الصعب تحديد أعداد المقاتلين الأجانب الذين يشتركون في الصراع الدائر في سوريا، إذ تختلف الأرقام باختلاف المصدر ووفقاً للمنهحية المتبعة في الإحصاء، علماً أن دخول العناصر الأجنبية إلى سوريا قد بدأ بعد نحو ستة أشهر من انطلاق الثورة، أي تزامناً مع تحول الثورة من الاحتجاجات السلمية إلى المقاومة المسلحة، دون إغفال اعتماد النظام بالأصل على عناصر أجنبية لمساعدة قواته سواء في التخطيط أو الأعمال التقنية أو تنفيذ أعمال القنص والاغتيال.

خلال منتدى مراكش الأمني، الذي جمع عدداً من الخبراء والمسؤولين الأمنيين العرب والأوروبيين، تم تقدير عدد المقاتلين الأجانب الذين توجهوا إلى سوريا للقتال إلى جانب مجموعات إسلامية متشددة بنحو 20 ألف مقاتل، هم من الطائفة السنية، وينحدرون من عدة دول أبرزها تونس وليبيا والجزائر والمغرب، فضلاً عن بعض الدول الأوروبية.

في حين أن ضعفي هؤلاء، أي 40 ألف مقاتل من الطائفة الشيعية، يقاتلون إلى جانب قوات النظام، قدموا من إيران ولبنان والعراق وأفغانستان وأذربيجان وغيرها.

تقديرات عدد المقاتلين الأجانب هذه تظهر أن توافد هؤلاء إلى الأراضي السورية يتضاعف من سنة إلى أخرى، فوفقاً لتقديرات المركز الدولي لدراسة التطرف (ICSR) فإن عدد المقاتلين الأجانب الذين قدموا إلى سوريا للقتال في صفوف مجموعات المعارضة المسلحة خلال الفترة الممتدة من أواخر عام 2011 حتى أواخر عام 2013 قد وصل إلى 11 ألف شخصاً، وهذا الرقم يشمل من عادوا إلى أوطانهم أو تم اعتقالهم أو قتلهم.

أبرز الفصائل المسلحة التي ينتمي إليها المقاتلون الأجانب

يقاتل معظم المقاتلين الأجانب “السنة” بشكل أساس في صفوف كل من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي يقاتل من أجل مشروعه السياسي الخاص المتمثل في “دولة الخلافة الإسلامية”، وجبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة، كما يتواجد العشرات منهم في صفوف عدد من فصائل المعارضة المسلحة أبرزها حركة أحرار الشام الإسلامية، جيش المهاجرين والأنصار، حركة شام الإسلام، كتيبة صقور العز، أنصار الشام، أنصار الدين، وجيش الإسلام، إلا أن القسم الأكبر منهم يتواجدون في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، حيث انسحب كثير منهم من فصائلهم وانضموا إلى التنظيم بعد إعلانه قيام دولته والبدء بالسيطرة على مناطق واسعة من سوريا والعراق.

أما المقاتلون “الشيعة” فمعظم القادمين من إيران هم من الحرس الثوري الإيراني، وهؤلاء يعملون بالتنسيق المباشر مع قوات النظام في الإشراف والتخطيط للمعارك وتنظيم عمل باقي الميليشيات، والقادمون من لبنان فهم من عناصر حزب الله اللبناني وحركة أمل وكان لهم دور حاسم في عدد كبير من المعارك ولا سيما في ريف دمشق، فيما يقاتل القادمون من العراق في ميليشيات خاصة بهم يقدر عددها بأكثر من عشر ميليشيات وفقاً لمعلومات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فيما وثق ناشطون معارضون أسماء أكثر من 22 ميليشيا، أبرزها لواء أبو الفضل العباس، عصائب أهل الحق، لواء ذي الفقار، كتائب حزب الله العراق، كتائب سيد الشهداء، فيلق الوعد الصادق وغيرها. وبالإضافة إلى ماسبق هناك ميليشيات متفرقة أقل عدداً تضم المقاتلين من الجنسيات الأخرى كالأفغانية واليمنية وبعض دول شرق آسيا.

 

حزب الله

العقيدة والأهداف

تختلف الأسباب التي تدفع المقاتلين الأجانب للتوجه إلى سوريا، كما تختلف أهداف كل فصيل أو ميلشيا، سواء كانت تقاتل إلى جانب قوات النظام أم قوات المعارضة أو من أجل أهدافها الخاصة.

يعتبر تنظيم داعش من أكثر الأطراف المتصارعة عزلةً ووضوحاً في الأهداف، فالتنظيم أعلن عن قيام دولة الخلافة الإسلامية في المناطق التي يسيطر عليها في سوريا والعراق بقوة السلاح ويسعى إلى توسيع رقعة سيطرته قدر الإمكان، وهو يدير أمور هذه المناطق ويفرض قوانينه وعقوباته فيها وفقاً للأحكام الشرعية التي يصدرها استناداً إلى الشريعة الإسلامية.

أما جبهة النصرة فهي تتبنى معتقدات تنظيم القاعدة، وهي تعتمد أيضاً على الشريعة الإسلامية كمصدر لأحكامها وقراراتها، وتسعى مؤخراً لإقامة إمارة إسلامية تمهّد لها في كل من ريف إدلب وريف حلب.

كما تتشارك باقي الفصائل الإسلامية، المتشددة والمعتدلة، في أهداف تتلخص في إقامة دولة مبنية على الشرع الإسلامي وإنهاء “الحكم العلوي” في سوريا وقتال الميليشيات الشيعية التي تساند قوات النظام.

على الجانب الآخر، فإن العامل المشترك لمعظم الميليشيات الشيعية المختلفة الجنسية هو مبدأ قتال السنة لسببين أساسيين، أولهما “التهديد السني” للحكم الشيعي في كل من العراق ولبنان وسوريا، وثانيهما يعود إلى الحرب الطائفية بين السنة والشيعة في إطار الحديث عن “ثأر تاريخي” بين الطائفتين.

في حين يقاتل حزب الله لأسباب واضحة تقوم على التحالف الاستراتيجي بين الحزب والنظام السوري، حيث يؤمن الأخير للأول الغطاء السياسي ويمده بالسلاح كصلة الوصل الوحيدة بين إيران وحزب الله، على اعتبار أن الحدود اللبنانية الوحيدة هي مع سوريا، أي أن معركة حزب الله في سوريا هي معركة وجودية بامتياز على الرغم من استخدام النزعة الطائفية بين عناصر الحزب لإثارة حماستهم.

يضاف إلى هؤلاء بعض المرتزقة الذين يقاتلون لقاء مبالغ نقدية معينة من قبل الأطراف المتصارعة أو الجهات والدول التي تدعم هذه الأطراف.

ظهور الفصائل والميليشيات والجهات الداعمة لها

من الصعب تحديد ظهور أي فصيل مسلح على الساحة السورية، لا سيما وأن هذه الفصائل تتأخر في الإعلان عن تواجدها، كما هو الحال بالنسبة لحزب الله، الذي ظل ينكر قتاله إلى جانب النظام السوري لعدة أشهر قبل أن يعلن أمينه العام حسن نصر الله ذلك.

يضاف إلى ذلك إلى أن بعضاً من هذه المجموعات غيّرت أسماءها أو أهدافها، وكذلك الأمر بالنسبة لعناصرها الذين أعلنوا عن ولاءات متباينة بين الحين والآخر، فضلاً عن قيامها بتغيير الرايات التي يرفعونها، وهذا الأمر يكثر تواجده بين الفصائل التي تقاتل مع المعارضة المسلحة.

لكن بشكل عام، يمكن القول إن دخول المقاتلين الأجانب إلى سوريا كان محدوداً جداً خلال عام 2011، وأغلب هؤلاء كانوا يتواجدون إلى جانب قوات النظام، كالخبراء التقنيين والقناصين، ومع تزايد تسليح الثورة السورية خلال عام 2012، وتمكن الجيش السوري الحر من تحقيق انتصارات متوالية على حساب قوات النظام، وتزايد أعداد القتلى والمنشقين في صفوف الأخير، بدأ النظام السوري الاستنجاد بحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية العراقية.

على الجانب الآخر كانت أعداد المقاتلين الأجانب في صفوف قوات المعارضة قد بدأت بالتزايد ولكن بشكل قليل، دون أن تظهر جماعات ذات نفوذ كبير خلال هذه الفترة.

بحلول عام 2013 تفاقم الصراع في سوريا مع بروز قوتين كبيرتين على الساحة، هما جبهة النصرة وتنظيم داعش، واللذان قاتلا جنباً إلى جنب مع بعض الفصائل الأخرى ضد قوات النظام، كحركة أحرار الشام التي انضمت إلى الجبهة الإسلامية لاحقاً، ولواء ثوار الرقة التابع للجيش الحر، كما فتحوا جبهة جديدة ضد حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية في المناطق ذات الأغلبية الكردية في ريف الرقة وريف حلب وريف الحسكة.

خلال النصف الأخير من عام 2013 تجمع القسم الأكبر من المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم داعش تزامناً مع بروز الخلافات بين داعش والجيش الحر واندلاع المعارك بينهما.

في عام 2014 تزايدت أعداد المقاتلين الأجانب في سوريا إلى ضعفين، وذلك يشمل الميليشيات الموالية لقوات النظام وكل من تنظيم داعش وجبهة النصرة، كما شهد الشهران الأخيران ازدياد عدد المنضمين إلى تنيظم داعش في أعقاب استهداف قوات التحالف الدولي لها نتيجة لاعتبار هؤلاء المقاتلين هذه الضربات “حرباً على السنة”.

على صعيد آخر فإن الجهات الممولة لهؤلاء المقاتلين والمجموعات التي شكلوها تبقى في إطار التخمين والتحليل، دون وجود أدلة دامغة على ذلك، ولكن المعلومات المتاحة من عدة مصادر تشير إلى أن معظم الميليشيات التي تقاتل إلى جانب قوات النظام يتم تسليحها وتدريبها ودفع رواتب عناصرها من قبل الحرس الثوري الإيراني من جهة، ومن قبل النظام السوري من جهة أخرى والذي يعتمد على كل من إيران وروسيا والصين في تأمين السلاح والسيولة النقدية.

في حين تقول المصادر إن تمويل الجماعات المتشددة التي تقاتل إلى جانب قوات المعارضة أو تقاتل ضدها يأتي في الغالب من دول إقليمية، كالسعودية وقطر، ويتهم البعض الولايات المتحدة الأميركية في تمويل بعضها الآخر، لكن هذه المعلومات تبقى دون أدلة، ولا بد من التنويه إلى أن هناك أفراد وشركات يساهمون في دعم هذه الجماعات بشكل مباشر أو عن طريق التبرعات، فيما يحصل بعضها على التمويل من التجارة والنفط وعمليات التهريب وفرض الرسوم على السكان في مناطق نفوذها..إلخ.

مناطق النفوذ

يسيطر تنظيم داعش على محافظتي الرقة ودير الزور وأجزاء من ريف حلب وريف الحسكة فضلاً عن تواجده في بعض مناطق ريف حمص الشرقي وريف دمشق، فيما تسيطر جبهة النصرة على محافظة إدلب وأجزاء من محافظة حلب بمشاركة فصائل مسلحة أخرى ولها تواجد قوي في معظم المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر في ريف دمشق ودرعا.

على الجانب الآخر فإن حزب الله اللبناني يسيطر على عدة مناطق في ريف دمشق الغربي ومنطقة القلمون، كما تتواجد الميليشيات الشيعية على عدة جبهات في ريف دمشق الشرقي والجنوبي وفي حلب وريف حماة، في حين أظهر تقرير صدر خلال شهر أيلول الماضي عن حملة “نامه شام” أن إيران عبر ممثلها الحرس الثوري الإيراني قد تحولت من حليف للنظام السوري إلى قوة احتلال في سوريا، وأظهر التقرير الذي أعده مجموعة من الناشطين الإيرانيين والسوريين واللبنانيين مجموعة من الأدلة التي تثبت تحكم الحرس الثوري الإيراني بكافة مفاصل الصراع الذي يخوضه النظام ضد الشعب السوري، عسكرياً واقتصادياً.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة