مؤسسات داعش

هشام سراج الدين

حدث تغييرٌ جذريٌّ لوضع المؤسسات في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بعد ضربات التحالف الجوية، وذلك بعد أن بدأ التنظيم بإقامة مؤسساته الخاصة بناءً على أنه “دولة قائمة وتتمدد”، وبعد أن غدت مؤسساته مناطق عسكرية تعج بالمراجعين سواء من عناصر التنظيم أو المواطنين بحكم الأمر الواقع، فبعض الدوائر باتت تدار 100% من قبل التنظيم، وهي التي تعرضت للتغيير بحكم ضربات التحالف على عكس الدوائر الخدمية التي لم يطلها تغيير يذكر بعد.

يقول أحد العاملين في محطات تحليل المياه في ريف حلب الشرقي قرب منطقة الخفسة: “العاملون موظفون في القطاع العام، ويتقاضون رواتبهم من النظام، والتنظيم يقوم فقط بالإشراف ومراقبة العمل، ومتابعة الشكاوى، ويقوم أحياناً بتأمين بعض المستلزمات لضرورة سير العمل، ولم تتغيّر وتيرة عملنا قبل أو بعد ضربات التحالف”.

قبل بدء الضربات اتّخذ التنظيم مجموعةً من الإجراءات الأمنية لحماية مؤسساته وعناصره، فقام بإخلاء جميع المقرات العسكرية والأمنية التابعة له، وترك عدداً محدوداً جداً من عناصره في هذه المراكز يتولون حمايتها، فلم نعد نشهد وجوداً كثيفاً كما السابق، يقول الشرعي في تنظيم الدولة أبو همام الأنصاري: “بحمد الله ومنّته كان أثر ضربات التحالف الصليبي الطاغوتي ضعيفاً جداً، ويعود ذلك بعد فضل الله للإجراءات التي اتخذت فقد حرمناهم من تحقيق مآربهم، فليس عندهم أهداف واضحة يمكن استهدافها، وقد أفرغنا المقرات، وغيرنا مواضع تمركزنا بشكل جذري” ، كما أوقف التنظيم عمل المحاكم ومكاتب الشكاوى والخدمات العامة، وقام بنقل السجناء، ومراكز خدمات عناصر التنظيم قبل أن يقوم بفتح بعضها من جديد كالقضاء والمحاكم ومكاتب الشكاوى، لكنه اقتصر على أعداد قليلة، وانسحب هذا على كل الدوائر التي تخدم عناصر التنظيم بدءاً من مكاتب رعاية المجاهدين، وليس انتهاءً بمكاتب الانتساب.

وقام مكتب الإسكان التابع للتنظيم بإخلاء السكن الجماعي الخاص بأعضاء التنظيم، سواء في جامعة الاتحاد في منبج، أو في غيرها من المساكن الجماعية، لكونها هدف سهل وواضح للتحالف، في حين لم يلحظ أي تغيير في المناطق الأخرى، يقول أبو محمد وهو دلّال عقارات في مدينة منبج: “لاحظنا زيادة الطلب على منازل الإيجار من قبل عناصر التنظيم عقب ضربات التحالف، يبدو أنهم يدركون أنّ التحالف سيستهدف مساكنهم الجماعية، ورؤوا أفضل وسيلة للتمويه هي الانخراط بين المدنيين”، فالتنظيم حريص على منع أي مظهر لتجمع عناصره حتى لا يكونوا طعماً سهلاً لطيران التحالف.

ولم يقتصر الأمر على نقل أو وقف العمل الظاهري للمراكز الأمنية بل قام التنظيم بإعطاء قسم من المتدربين في معسكراته إجازات، ونقل قسماً آخر منهم لأماكن جديدة، كما اتخذ إجراءات داخل بنية التنظيم كإخضاع عناصره للمراقبة، وتغيير مواقع تخزين الأسلحة والذخيرة، أما بخصوص المواطنين فقام بحظر التجول بعد صلاة العشاء بدعوى ملاحقة الخلايا، واستمر الحظر لمدة أسبوعين قبيل الضربات، وهدف الحظر الحقيقي هو أن يقوم التنظيم بتنقلاته بأريحية، كما قام التنظيم خلال تلك الفترة بحملات اعتقال مكثفة، ونفذ عدداً من الإعدامات.

عززت الضربات بداية من شعبية التنظيم، حيث ظهر تنظيماً مقاوماً للقوى العالمية التي “رأت السوريين يقتلون بإرهاب البراميل وغيره دون أن تحرك ساكناً”، يقول المحامي أبو محمود من ريف حلب الشرقي: “الضربات الجوية لقوات التحالف منحت تنظيم الدولة شرعية الدفاع عن المظلومين، في حين ظهر الغرب بوجهين ماكرين، فهو لا يستهدف الإرهاب إنما الدفاع عن مصالحه، فالتنظيم لم يرتكب جزءاً يسيراً مما ارتكبه الأسد، لذا ظهر الغرب مدافعاً وحامياً عن الإرهاب الحقيقي مما انعكس إيجابياً على شعبية التنظيم”.

هذا على المستوى الشعبي أما على المستوى العسكري فقد حسمت كثير من الفصائل العسكرية أمرها بالانضمام للتنظيم، ومبايعة البغدادي بعد أن رؤوا عبثية انتظار الدعم الخارجي للثورة السورية، فتوجهت أرتال بحالها مبايعةً التنظيم، كلواء داوود الذي أصبح قائده والياً على حمص، يقول القيادي في تنظيم الدولة أبو محمد الأنصاري: “انتظرنا طويلاً الدعم من أجل مقارعة طاغية الشام، وكان يعقب كل وعد خلْف، لتأتي الضربات الأخيرة، وتكشف حجم المؤامرة، فالغرب يريد من كل المجاهدين الموت على أرض الشام، فقسم على يد بشار، وآخر على يد التحالف، ولكن هيهات لهم ذلك، فقد وحد المجاهدون صفّهم”.

أما المؤسسات الخدمية فلم يطلها تغيير يذكر لأنها تدار من قبل موظفين مدنيين لا علاقة لهم بالتنظيم، فقد تولى التنظيم الإشراف والقيادة الإدارية وترك العاملين الفنيين يمارسون أعمالهم، فالتنظيم يشرف على أكبر السدود في سورية (الفرات، تشرين “عمر بن الخطاب”)، فبقيت مؤسسات الكهرباء والمياه والهاتف وغيرها من المؤسسات المدنية الخدمية تمارس أعمالها بوتيرتها المعتادة مع شيء من الحذر بدايةً، أما الأسواق فتعرضت لحالة شلل قبل أن تعاود انطلاقها ونشاطها، يقول أبو علي أحد تجار مدينة الباب: “تعرضت الأسواق لحالة ركود غير طبيعية، وكأنك في مدينة مهجورة، أو حظر للتجول، فقد توقع المواطنون أن تكون ضربات التحالف مشابهة لطيران الأسد، ومع مرور الأيام عادت الأسواق للانتعاش”.

ولعل أبرز المؤسسات المتضررة كانت مؤسسة النفط لاستهدافها بشكل مباشر من قبل التحالف، وكان بعض العمال ضحيةً للكثير من هذه الضربات، فالتنظيم يشرف على استخراجه ويجني أرباحه فقط، مما أدى لارتفاع ملحوظ بأسعار المحروقات، فقد اقتصر العمل على الورديات الليلية، وترافقت قلة الإنتاج مع زيادة الطلب بسبب قدوم الشتاء ما أثر بشكل سلبي على المواطن، يقول أبو فراس أحد عمال النقل: “نحن – عمال النقل – لم نتضرر، بل وقع الضرر على عمال الفنط، وعلى المستهلك، كما انعكس الضرر المالي على التنظيم حيث قلّت كميات الإنتاج بعد أنْ اقتصر العمل على الورديات الليلية تفادياً لضربات طيران التحالف”.

وأسهمت المعارك الدائرة في كوباني (عين العرب) في عودة المؤسسات جميعها حتى بعض المؤسسات التابعة للتنظيم (القضاء، مكاتب الإسكان، الشكاوى) للحركة الطبيعية، يقول الشرعي أبو همام: “يبدو أن انشغال التحالف بضرب التنظيم في عين العرب أنساه المناطق الأخرى، فقد عدنا لممارسة حياتنا الطبيعية، وعادت الأسواق للانتعاش من جديد”.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.