مياه المخيم

لانا جبر

أكثر من 80 يوماً ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في مدينة دمشق بلا مياه، حيث تحوّل مشهد طفل بلباسه المدرسي يجرّ عربةً تحمل عبوات للمياه، استطاع الحصول عليها من مسافات بعيدة عن المخيم سيراً على الأقدام، مشهداً اعتيادياً في اليرموك اليوم، فالمسؤولية التي يحملها أطفال المخيم منذ نعومة أظفارهم، هي بالدرجة الأولى تأمين قطرات المياه.

“هو عقاب جماعي مارسه النظام علينا لذنب لم نرتكبه”، بهذه الكلمات وصف أبو محمد أحد سكان المخيم، الواقع الذي تعيشه الأسر هناك، مشيراً إلى أن العديد من الأمراض السارية والمعدية انتشرت بين أهالي المخيم بسبب شح المياه وتلوثها إن وجدت.

ورأى أبو محمد أن الحلول التي ابتكرها السكان بحفر آبار لاستخراج المياه في المنطقة، لم ولن تروي سكان أهل المخيم على اعتبار أن مياه تلك الآبار ملوثة وغير صالحة للشرب.

ويتزامن انقطاع المياه مع انقطاع الكهرباء وشح الغذاء مما يجعل الأزمة تتضاعف، حسب ما روت إحد القاطنات في اليرموك والتي فضلت عدم ذكر اسمها، وبينت أن ظروفاً صعبة تعيشها أسرتها المؤلفة من خمسة أطفال، يعانون نقص في المياه والغذاء بآن واحد، فلم يكد المخيم يخرج من “المجاعة” التي فرضها النظام، حتى بدأت معاناة تأمين المياه تتطفو إلى السطح وتتفاقم يوماً بعد يوم، مبينةً أنها كثيراً ما تقف عاجزة أمام عطش أبنائها دون أن تستطع تأمين مايروي ظمأهم.

أما بالنسبة لبعض سكان المخيم فهم يسيرون يومياً مسافات بعيدة للوصول إلى مناطق مثل يلدا وبيت سحم والحجر الأسود بريف دمشق من أجل تعبئة المياه، إلا أن هذه الرحلة محفوفة بالمخاطر كما يبين رجا أحد الشبان القاطنين في اليرموك، مشيراً إلى أنَّ المسافات التي يقطعها بعض السكان إلى تلك المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة طويلة وشاقة، كما إن سالكها يمكن أن يتعرض لقنص من قبل قوات النظام في بعض النقاط، إلا أن الحاجة الملحة للمياه تجعل من معظم أهالي المخيم رجالاً ونساءً وشيوخاً يغامرون للحصول على المياه بتلك الطريقة.

ولم يخف المصدر أيضاً أنه حتى تلك المناطق تعاني أيضاً من قلة المياه فوضعها ليس بأفضل كثيراً مقارنة مع سكان المخيم، فالمياه بات عقوبة جماعية على حد وصفه.

وفي هذا الإطار علَّق الناشط الإغاثي المعارض جعفر محمد، بالقول إنَّ معاناة مياه الشرب بالنسبة لسكان المخيم طويلة جداً، وهو مادفع الأهالي إلى حفر الآبار في المنطقة، إلا أن مياهها صالحة لأغراض الغسيل والتنظيف فقط ، على اعتبار أنها مليئة بالبكتريا والرواسب الراكدة، مبيناً أن العطش في المخيم يدفع الناس للشرب من تلك المياه، مما يجعل من هذا الحل “وبائياً وكارثياً”.

وتخلق مياه الآبار كما تابع محمد أمراضاً ساريةً بين أهالي المخيم الذين يعانون من ضعف في مناعتهم ضد الأمراض، حتى البسيطة منها على اعتبار أنهم خرجوا من المجاعة حديثاً والتي كانت قد فرضتها عليهم القوات النظامية بعد أن منعت إدخال المواد الغذائية إلى المخيم.

ورأى محمد أنه في حال استمرار الوضع على ماهو عليه بالنسبة للمياه، فمن المتوقع انتشار التسمم بين السكان، بالإضافة إلى انتشار أمراض الكلى والكبد، وهو ما جعل من منظمة الهلال الأحمر السوري مؤخراً تعمل على إدخال أقراص الكلور المعقمة للمياه، إلا أن الأعداد الموزعة غير كافية، على حد تعبيره.

ولم يخشى الناشط الإغاثي من شح مياه الآباء خلال الفترة القادمة على اعتبار “أننا مقبولون على فصل الشتاء”، إلا أنَّ مشكلة أخرى بدأت تظهر ملامحها مؤخراً وتتعلق بنقص الوقود اللازم لتشغيل محركات الضخ لاستخراج مياه الآبار، حيث بات الوقود “شحيحاً” وهو تحدٍّ آخر سيواجهه سكان المخيم خلال الفترة المقبلة، مشيراُ إلى أن ذلك دفع القائمين على استخراج المياه إلى التقنين في استخدام الوقود وحصر استخراج المياه من خمسة إلى سبعة آبار فقط.

وأوضح المصدر أن هناك طريقة أخرى للحصول على المياه، هي الوقوف في طابور طويل في شارع المغاربة أو دوار فلسطين داخل المخيم، لانتظار تسريب إحدى الشبكات الأرضية للمياه، حيث تصل المياه بمنسوب خفيف إلى تلك المناطق، الأمر الذي يجعل من السكان يتوافدون منذ الصباح الباكر لمحاولة تعبئة بعضاً من عبوات المياه.

ووصف الناشط التعاطي مع أزمات المخيم ومشاكله بالنسبة للنظام السوري بأنه مختلف دائماً فهناك “تفنن بطريقة العقاب الجماعي” ، مردفاً أنه على الرغم من ذلك فإن “الأمل”ما زال موجوداً ويتجلى من خلال السكان المصرين على الصمود والحياة رغم كل شيء، ويتأملون أن تجد مشاكلهم حلولاً يوماً ما.

يذكر أن المخيم يضم اليوم حوالي 3150 عائلة موثقين في المؤسسات الإغاثية، وذلك وفق الإحصاء الأخير الذي أقيم بالتعاون مع منظمة الأونروا خلال الشهر السابع من هذا العام.

 

[wp_ad_camp_1]

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.