اقتصاد داعش1

هشام سراج الدين

منذ إعلان تنظيم الدولة قيام دولة الخلافة الإسلامية سعى لبناء أركان دولته، وكان بناء الاقتصاد أهم أركان هذه الدولة بعد الأعمال العسكرية، فالحرب التي يقودها التنظيم كافية لتدمير وإرهاق ميزانيات دول كبيرة، ورغم ذلك مازال التنظيم متماسكاً من الناحية الاقتصادية.

اقتصاد تنظيم الدولة يستند على الاقتصادين السوري والعراقي، فقد استفاد تنظيم الدولة من الموارد الاقتصادية لهاتين الدولتين، وما زال عمل التنظيم مقتصراً على استثمار هذه الموارد دون عملية إنتاج حقيقية، وتدير مؤسسة “بيت مال المسلمين” العملية الاقتصادية للتنظيم، يقول  أبو محمود قيادي سابق في الجيش الحر: “استثمر التنظيم البنية التحتية الموجود والمؤسسات، وقام بالإشراف عليها فقط وتدخلاته في الغالب كانت تأتي بنتائج عكسية، فلم يضع رقابة على التجار وترك تحديد الأسعار لهم مما جعل المواطن ضحية جشع التجار”.

ولعل أبرز خطوة يعكف عليها “بيت مال المسلمين” لبناء اقتصاد خاص بالتنظيم يتمتع بنوع من الاستقلالية مشروع سك النقود، ولجأ التنظيم لسك المعادن (الذهب، الفضة، النحاس) ليتخلص من المضاربات والضغوطات الدولية، فالمعادن الثمينة تحتفظ بقيمتها المالية، يقول أبو همام شرعي في تنظيم الدولة: “العملة الورقية عرضة للمضاربات والضغوطات الدولية، أما الذهب فلا يمكن المضاربة عليه، والدولة الإسلامية تريد التحرر من هذه الضغوط، لذلك قررت أن تعتمد العملة المعدنية”، وسيقوم التنظيم بمنع تداول العملات الأخرى بمجرد سك العملة الخاصة بالتنظيم، ولكن هذه الخطوة قد تؤثر عليه ويهاجر التجار من مناطق سيطرته، ويقول أبو أحمد تاجر أقمشة من مدينة منبج:”إن التنظيم حاربنا بتجارتنا، وأوقف المدارس وضيق على الناس فهاجر الكثيرون منهم، وهو الآن يسعى لتبديل العملة والتي ستجبرنا على الهجرة، فكل بضائعنا مستوردة من تركيا أو من مناطق النظام، وهي بالتأكيد لا تقبل عملة التنظيم الجديدة بالإضافة  إلى أن هذه العملة قد تكون عرضة للتزوير”.

استطاع تنظيم الدولة تأمين الموارد المالية من عدة مصادر، واختلفت هذه المصادر من مرحلة لأخرى، فبداية اعتمد التنظيم على الداعمين ولا سيما من الخارج، ومع تمدد التنظيم وسيطرته على مساحات جغرافية واسعة تنوعت المصادر، ولا سيما أنّ المناطق المسيطر عليها تمتلك ثروات هائلة، فسيطرة التنظيم على آبار نفطية في سورية والعراق أمّنت للتنظيم موارد خيالية ساعدته على ترسيخ سيطرته ورفد التنظيم بعناصر جدد، إضافة لتمويل العمليات الحربية، وتعرضت هذا الموارد لهزة عنيفة عقب ضربات التحالف الجوية، ولكنها سرعان ماعاودت العمل بشكل شبه طبيعي، ويقدر مراقبون أن تنظيم الدولة ينتج 50 ألف برميل نفط تقريباً في سورية، ويؤمن استخراج النفط وتكريره ونقله العمل لعشرات الآلاف من المواطنين الذين يعانون من الفقر نتيجة الظروف الاقتصادية السيئة.

وتلقى التنظيم دفعة اقتصادية قوية بعد سيطرته على المدن العراقية ولا سيما الموصل حيث سيطر على كميات كبيرة من العملة الصعبة (القطع الأجنبي)، يقول أحمد مقاتل سابق في الجيش الحر: “بين عشية وضحاها وجد التنظيم في يديه كميات هائلة من الأموال والثروات لا تحلم بها دول فكيف بتنظيم صاعد لم يكن يتجاوز عدد عناصره عشرات الآلاف عند تحقيق هذه السيطرة”.

واستثمر التنظيم المنشآت الحيوية من سدود ومحطات توليد وصوامع حبوب و…، فقام التنظيم بجني أرباح منشآت ضخمة لم يصرف شيئاً في إنشائها، فيقوم التنظيم الآن بتحصيل فواتير الماء والكهرباء من المناطق التي يسيطر عليها، وتقدر المبالغ التي يجبيها من هذه الفواتير بالمليارات، يقول عامل في شركة الكهرباء بالباب: “تعتمد عملية توليد الكهرباء على المنشآت التي شيدها السوريون، وكل قطع التبديل موجودة بالمستودعات منذ عهد النظام، وأي عطل يتطلب قطعة غير موجودة يضطر الأهالي لشرائها من السوق على حسابهم الخاص”، فالتنظيم عبارة عن مستثمر لكنه يربح ولا يخسر.

يسيطر التنظيم على سدي الفرات وتشرين والمحطة الحرارية في حلب، ومن المفارقات أنَّ من يدير هذه المنشآت عمال وفنيون سوريون يتقاضون رواتبهم من النظام، والمحطة الحرارية تزود بالغاز من قبل النظام، فالتنظيم استلم المنشآت جاهزة، ويستثمرها ويجني الفواتير دون أن يضع شيئاً، ويجني فواتير الكهرباء دون أن يقدم خدمة حقيقية، يقول هيثم وهو مواطن من جرابلس: “التنظيم فرض مبلغاً من المال على كهرباء لا تأتي إلا بضع ساعات باليوم، وقد اشترى الأهالي منذ شهور محولة كهرباء على حسابهم الشخصي”، فالتنظيم يعيش على “إنجازات” السوريين السابقة دون أن يقدم شيئاً حقيقياً للمواطنين.

وأنشأ التنظيم ديواناً للزكاة حصّل مليارات الليرات حسب تصريحات من داخل التنظيم، وهي ضريبة تقدر ب2.5% على رأس المال إذا كان يزيد عن 530 ألف ليرة سوري تقريباً أو مايعادل 100 غرام من الذهب، يقول أبو همام: “قامت الدولة الإسلامية في رمضان الماضي بجمع أموال الزكاة، ومن ثم توزيعها على الفقراء وقد اعتمدت الدولة على توزيع زكاة مال الأغنياء على فقراء مدنهم وقراهم”، فيما يرى الناس أن توزيع مال الزكاة أقل مما جمع، يقول محمود من ريف الباب: “جمع التنظيم أكثر من 500 ألف ليرة من قريتي في حين لم يعطِ إلا لعائلة واحدة 15 ألف ليرة فقط”.

وتوجه التنظيم مؤخراً لاستثمار المرافق والخدمات العامة ليؤمن موارد اقتصادية جديدة، فقد فرض ضرائب على عبور السيارات، يشير السائق أبو محمد إلى أن التنظيم يفرض ضريبة على كل سيارة تعبر أو تخرج من مناطقه إلى مناطق النظام، علماً أنه “لا يقدم لنا أو للركاب أية خدمة مهما كانت بسيطة لقاء هذه الضريبة”.

وهناك ظاهرة جديدة يقوم بها التنظيم في أغلب مناطق سيطرته وذلك باستثمار المرافق العامة، فقد بنى عشرات المحلات التجارية والمطاعم في الحدائق العامة ويلفت هنا حسان وهو طالب جامعي من مدينة منبج إلى أن التنظيم قام ببناء عشرات المحلات التجارية في حديقة المنصور وسط الرقة وأجّر المحلات للتجار، وكذلك افتتح مطعماً في الحديقة العامة، كما يفرض التنظيم ضرائب على التجار غير الزكاة يتابع حسان.. “إن التنظيم فرض على كل مولدة توزع الأمبيرات  30 ألف ليرة دون تقديم أي شيء يذكر، وكذلك فعل مع الذين يؤجرون شهادات الصيدلية وهم غير مقيمين بمناطق التنظيم”.

كما تعد الغنائم التي يحصلها التنظيم من معاركه مورداً هاماً، فعقب كل معركة ناجحة يقوم التنظيم بتقدير الغنائم، وتوزيع الأرباح على المقاتلين، يقول أبو همام:  “تختلف الغنائم باختلاف المعارك، فالقيادة تثمن الموجودات التي تمّ اغتنامها سواء أكانت سلاحاً أو مالاً أو أي شيء مادي آخر”.

ولعبت المصادرات دوراً في تعزيز اقتصاد التنظيم، فقد صادر التنظيم كل ممتلكات فصائل المعارضة سواء أكانت أراض زراعية أو بيوت أو سيارات أو مصانع بدعوى أنهم مرتدين، حتى وصل الأمر لمصادرة أموال أشخاص ماتوا قبل الثورة بدعوى الردة، يقول علي وهو مقاتل سابق بالجيش الحر: “لم يستولي التنظيم على عناصر من قاتله فقط، بل سيطر على بيوت العلماء والناشطين والثوار المدنيين الذين وقفوا ضد التنظيم بالرأي، واعتبرهم مرتدين موالين للطواغيت فاستباح أموالهم وأرزاقهم”.

ويحصل التنظيم على دعم خارجي غير حكومي من مؤيدين للتنظيم ويحملون فكره وخصوصاً من دول الخليج التي تضع رقابة كبيرة على تحويل الأموال إلى تركيا باعتبارها تحد التنظيم، وقد قام كثير من عناصر التنظيم بجلب أموالهم معهم باعتبار أن  تنظيم الدولة هي دولته وليس له عودة لبلده الأصلي.

رغم سيطرة التنظيم على مساحات شاسعة في سورية والعراق فإنه ما زال يدير اقتصاده بعقلية التنظيم لا الدولة، فهو يدفع رواتب وبدلات سخية (طعام، تدفئة، تعويض عائلي ) لعناصره ناهيك عن تأمين المسكن المحترم لهؤلاء العناصر، في حين لم يقدم شيئاً حقيقياً للمواطن العادي، علماً أنَّ الحركة الاقتصادية القائمة تعتمد على السوريين أنفسهم سواء أكانوا عمالاً أو تجاراً أو مزارعين أو صناعيين دون فائدة تذكر من التنظيم، بل التنظيم هو الذي يستفيد منهم، فلم يقدم التنظيم حتى الآن خدمة من خدمات الدول كشق الطرق وبناء المشافي والمنشآت والإنفاق على التعليم والصحة، يقول محمود خريج اقتصاد من ريف حلب الشرقي: “اقتصاد التنظيم أشبه باقتصاد المافيا، فهو اقتصاد يقوم على جمع المال بيد فئة معينة لا تملك مشروعاً تنموياً يصب بمصلحة الدولة”.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.