من مخيم درعا

إن النزاع في سوريا يُعرف بأزمة عصرنا الإنسانية. نحن بحاجة لمزيد من المساعدات ومزيد من الضغط على كلا الجانبين لتخفيف وطأة المعاناة.

ديفيد مليباند وجوستن فورسث وجان إجلاند، الغارديان، 18 كانون الأول 2014.

ترجمة موقع الحل السوري.

 

تصل مساعدات أكثر إلى عدد أكبر من الناس داخل سوريا. لكن العنف المتزايد في كافة أرجاء البلد ترك أناساً أكثر من أي وقت مضى غارقين في الحاجة. لذلك يحذر بان كي مون بهذا الشأن في تقريره الأخير عن الأزمة السورية. فيشير تقرير الأمين العام إلى الحاجة الملحة للقيام بخطوة من شأنها التغيير في المشاركة الدولية مع سوريا، حيث جاء هذا التقرير في الوقت الذي تستعد فيه الأمم المتحدة لإطلاق نداء إنساني من أجل هؤلاء المتأثرين بالنزاع، وحيث يشكل هذا النداء أكبر طلب مساعدات في التاريخ. تتوقف حياة المدنيين المحاصرين في البلاد، ومستقبل معايير الحرب المكتسبة بشق الأنفس، جميعها تتوقف على هذا النداء.

يتزايد عدد الناس الذين يطلبون مساعدات أساسية داخل سوريا بشكل شهري: فالآن يبلغ عددهم 12.2 مليون شخص. أكثر من نصف هؤلاء قد خرجوا من بيوتهم، وربع مليون شخص منهم مازالوا محاصرين في ضواحي حلب ودمشق، محاصرين في بقايا وخراب ماكان يسمى بيوتهم.

ويستمر _في هذه الأثناء_ الخرق السوري لحقوق الإنسان. فالالتزامات المنصوص عليها في القانون الدولي لم يعرها أحدٌ أي اهتمام في البلاد: تعرضت الكثير من المدارس للهجوم، حيث أنه خلال 30 يوماً تعرضت مدارس للهجوم 6 مرات، قبل 16 تشرين الثاني. تمطر السماء قنابل وقذائف على المدنيين المذعورين الذين يحتمون داخل صالات الأفراح أو في المستشفيات، في انتظار علاجهم. يتم قطع الماء والتيار الكهربائي بشكلٍ دوري، وأصبح القتل والتعذيب والعنف الجنسي جزءاً من الحياة اليومية.

دعت منظمتنا مراراً وتكراراً إلى الحل السياسي للنزاع في سوريا، ذلك منذ اندلاع الحرب في ربيع 2011. ونحن نشيد بالجهود التي يبذلها مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا لتجميد القتال في حلب وضمان توقفه. ومع ذلك، وبكل حزن، فإن فرصة حصول اتفاق سلام أوسع تبقى بعيدة، والعنف المستمر لن يؤدي إلى شيء سوى عدم استقرار عارم في الشرق الأوسط، وإلى إنعدام الأمن المتصاعد إلى مابعد ذلك. ولكن هناك خطوات ملموسة يمكن للمجتمع الدولي الأوسع وللأطراف المتحاربة _التي لها تأثير على المنطقة، وخارجها_ أن تتخذها، بل ويجب أن تتخذها للتخفيف من وطأة المعاناة على الشعب السوري.

أولاً، يجب على المساعدات الإنسانية أن تصل إلى هؤلاء الذين هم بحاجتها، بغض النظر عن كونهم في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة أو المعارضة. القرار 2165، هو ثاني قرار لمجلس الأمن بشأن وصول المساعدات في سوريا، تخول وكالات الأمم المتحدة، بشكل واضح، لإيصال المساعدات عبر الحدود وعبر خطوط النزاع. بينما شكّل القرار المُتخذ في تموز انفراجة دبلوماسية، فقد حقق إنجازات محدودة على الأرض: عبرت 30 قافلة تابعة للأمم المتحدة _فقط_ من الدول المجاورة إلى سوريا منذ الصيف.

بينما نحن مرحبون بقرار يوم الأربعاء الذي سيتخذه مجلس الأمن لتجديد القرار وتمديده 12 شهراً، هناك أكثر بكثير من ذلك من الضروري أن يُفعل. ينبغي على وكالات الأمم المتحدة أن ترفع مستوى الإمدادات التي تدخل إلى سوريا عبر الحدود والتي تعبر خطوط الصراع، ذلك بالتعاون الوثيق مع المنظمات الإنسانية، مثل منظمتنا، فحتى الآن أًصبحت منظمتنا توصل المساعدات الإنسانية لمدة ثلاث سنوات تقريباً من الدول المجاورة. ينبغي على مجلس الأمن، والدول الرئيسية في الشرق الأوسط، إضافة إلى السياسيين وكبار الدبلوماسيين والمبعوثين الإنسانيين، ينبغي عليهم جميعهم أن يطالبوا بدعم وتشجيع مبادرات الأمم المتحدة التي تهدف لتسهيل وصول المساعدات.

ثانياً: ينبغي على الدول التي تدعم الحكومة السورية _ المقصود بها إيران وروسيا_ والدول ذات التأثير على قوات المعارضة، ينبغي عليهم الضغط على من يخرق الإلتزامات التي ينص عليها القانون الدولي. يجب أن يتم ذلك بوضوح بشأن الذين يستهدفون المدنيين أو يقومون بالهجوم العشوائي عليهم وعلى البنى التحتية المدنية حيث يمكن لهذه الجرائم أن تُرتكب ويفلت مرتكبوها من العقاب. إن التزايد الأخير في الهجمات على المدارس _ تلك الأماكن الخاصة بالتعلم والأمان والإخاء_ يتوضّح كم سيغرق المتحاربون في سوريا إذا تُركوا دون ضوابط ومتابعة، ويشكّل تذكيراً صارماً بأن جيلاً كاملاً من الأطفال السوريين ضاعوا في هذا الصراع.

ثالثاً: يجب على الجهات المانحة أن يمولوا نداء الأمم المتحدة بشأن سوريا: سوف تستمر الحاجات وتتجاوز الموارد بنسب أوسع وأشمل بكثير إذا لم تنضم كل الدول إلى جهود الإغاثة. إن تقديم كل من لبنان والأردن وتركيا والعراق المأوى والحماية لأكثر من 3 مليون شخص من الذين فرّوا من البلد، جعل من هذه الدول وإلى حد بعيد أكثر المتبرعين الإنسانيين حتى الآن. ومن المقلق أن هذه الدول بدأت تحد من وصول الناس إلى أراضيهم، حيث يُسمح لمن هم بأمس الحاجة فقط أن يدخلوا. من الضروري أن تحصل هذه الدول على الدعم الذي تحتاجه لتبقي حدودها مفتوحة، بما في ذلك إعادة توطين اللاجئين السوريين خارج المنطقة.

تعكس المعاناة في سوريا واقع الحرب في القرن الـ 21. اندلاع العنف المتطرف داخل البلد، ساحات حرب مدنية، الهجوم على عمال الإغاثة. لكن الحصار وقطع إمدادات المياه تعود لقرون.. سوريا هي الأزمة الإنسانية الحاسمة في وقتنا الحاضر، بمزيجها القاسي بين الحضارة والقرون الوسطى، وازدراء الحياة الإنسانية فيها والتي تهدد بإضعاف القانون الدولي والسير به إلى الزوال.

حان الوقت للتصرف.

 

* ديفيد مليباند هو الرئيس التنفيذي للجنة الإنقاذ الدولية  وجوستن فورسث هو الرئيس التنفيذي للجنة المملكة المتحدة  لإنقاذ الطفل وجان إجلاند الأمين العام لمجلس اللاجئين النرويجي.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.