جيش النظام

رامز أنطاكي

تواترت الأخبار عن طلب المزيد من المكلفين إلى الخدمة العسكرية ممن هم محسوبون على الخدمة الاحتياطية، أي ممن سبق وأن أدوا الخدمة الإلزامية في فترات سابقة وسرحوا منها، وعن توقيف حواجز الجيش والشرطة العسكرية وغيرها الثابتة والمتنقلة الشبان والرجال ممن هم في عمر التكليف، للتدقيق في وضع خدمتهم العسكرية وسوق بعضهم موجوداً إلى الخدمة، مع تداول حديث عن نفير عام أو طلب أعداد كبيرة تشمل شرائح واسعة من السوريين إلى الخدمة العسكريةـ في فترة ما بعد رأس السنة، مترافِقاً مع فرض الاستحصال على موافقة من شعب التجنيد على كل ذكر يود مغادرة القطر في قرار ما لبث أن ألغي.

على ضوء هذه المعطيات يبدو أن أعداد الشبان والرجال الذين يسعون إلى مغادرة القطر لتجنب الخدمة العسكرية الإلزامية سواء في نمطها العادي الإلزامي أو في ذاك الاحتياطي في ازدياد وتطور، وإن كان من المفهوم والمتوقع لجوء الشبان ممن يحملون آراء معارضة للنظام السوري إلى تجنب الخدمة العسكرية، إلا أن اللافت أن الموجة الأخيرة من الساعين إلى مغادرة سورية هرباً من الخدمة العسكرية تضم أعداداً كبيرة من مؤيدي النظام السوري أيضاً، مما تجعل البعض يطرحون أسئلة حول الجمع بين تأييد النظام ودعم جيشه وتجنب الخدمة العسكرية في الجيش نفسه في الوقت عينه.

في هذا الإطار تحدثت تقارير صحفية عن ارتباط موضوع السفر هرباً من الخدمة العسكرية مع قرار وزارة النقل السورية الذي صدر مؤخراً بإيقاف نقل الركاب عبر ميناء طرطوس الحكومي.

سهيل الشاب الذي فضل عدم الكشف عن كامل هويته يتحضر ليسافر إلى بيروت في الأيام القليل المقبلة بعد أن أحس أنه لن يستطيع تجنب أي طلب للاحتياط مستقبلاً، وهو يعتبر أن ليس في أمر مغادرته سورية ما يثير التعجب، فهذا من حقوقه كمواطن، إلى جانب مساهمته مستقبلاً في “دعم وطنه وجيشه بمواجهة الإرهاب والحرب على سورية” من خلال البدل النقدي البالغ 8000 دولار أميركي والذي سيقوم بدفعه بعد أن يعتبر مغترباً لمغادرته القطر.

والدة سهيل التي تتفق وابنها في الموقف في دعم جيش النظام ومما يجري في سورية، تعتبر أن ليس كل المواطنين مناسبين للخدمة العسكرية، فمنهم برأيها من ينجح في خدمة وطنه بطرق أخرى، وهي تلفت إلى أن الشبان في المناطق المسيطر عليها من قبل المعارضة سيفعلون كما يفعل ابنها في حال تعميم الخدمة الإلزامية هناك من قبل “العصابات المسلحة”، وتضيف أن لا علاقة بين الوطنية ومغادرة ابنها لبلده، ففي نهاية الأمر هو يسافر على نحو قانوني وسيرتب أمر “معاملة المغترب ودفع البدل النقدي” قانونياً ووفق الإجراءات المتبعة حسب العادة.

أما بشير فترتسم ابتسامة المطمئن على شفتيه بعد أن وفق بصعوبة في العثور على عمل له كموظف تسويق في أحد البلدان الخليجية، ويعبر بقوله: “شاركت في دعم وطني وصموده بقدر استطاعتي، ولم أكن لأمانع الالتحاق بالخدمة العسكرية على غرار أصدقائي، لكن ظرفي العائلي الخاص يلزمني بالعمل لإعالة والدي”.

حاول بشير أن يحافظ على عمله الضروري لمعيشة والديه ونجح في ذلك رغم كل الصعوبات الاقتصادية التي تعيشها مدينته حلب، ولكن خوفه من طلبه للخدمة العسكرية الاحتياطية بعد أن أنهى الخدمة الإلزامية قبل سبع سنوات وبقاء والديه بالتالي دون معيل جعلته يبذل كل ما يستطيع لتأمين فرصة عمل له خارج سورية، ويشرح بشير بقوله: “أخي في أوروبا يعيش ظروفاً صحيةً استثنائيةً تجعل مساهمته في دعم والدي مادياً أمراً غير ممكن، وكنت أنا أقوم بالواجب تجاه أهلي، لكن الخوف من طلب الاحتياط اضطرني آسفاً إلى مغادرة بلدي”، ويؤكد بشير أنه سيحمل هم بلده ومعاناته من الإرهاب وما يسميه “الحرب بين الأخوة” أين ما ذهب.

والد أحد الشبان المعنيين بهذا الموضوع يتكلم بغضب عن عدم مراعاة التحصيل العلمي للشبان المطلوبين للخدمة العسكرية، شارحاً كيف أن أحد زملاء ابنه الذي يحمل شهادة ماستر في هندسة الكومبيوتر ألحق بالخدمة العسكرية الميدانية كأي عنصر آخر بينما يمكنه أن يفيد الوطن والجيش بخبرته في المعلوماتية، “فالحرب الآن هي ليست فقط حرب سلاح فقط”، ويروي قصة أحد معارفه ممن عاد من ألمانيا حاملاً شهادة عليا في الكيمياء بعد إيفاده من قبل جامعة دمشق، ليلحق بالخدمة العسكرية ويفرز على حاجز في منطقة ساخنة وانتهى الأمر بإصابته إصابة بالغة أدت إلى عاهة مستديمة لديه أبقته طريح الفراش.

يرفض هذا الوالد اعتبار محبته وإخلاصه هو وعائلته للوطن محل شك، ولكنه يجد نفسه مضطراً لإرسال ابنه الذي تعب في تربيته ومساعدته في تحصيله العلمي إلى خارج البلاد لعلمه بالعشوائية واللا عدالة التي تسود تعيينات الجيش في هذه الظروف الخاصة والخطرة.

بين مؤيد ومعارض للنظام لم تعد الخدمة العسكرية كابوساً يقض مضاجع المعارضين فقط، بل صارت هماً يطال الجميع دون استثناء على نحو لم يعهد سابقاً، ولا يعتبر المؤيدون منهم أن الاجراءات التي يتخذونها من سفر أو غيره هرباً من الانخراط في هذه الخدمة أمراً معيباً أو مخجلاً، فلكل منهم مبرراته وأسبابه التي يعتبرها منصفة وكافية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.