قاعدة

وائل عبدالله

مصيبتنا في نخبنا الدينية التي لا ندري من فرضها علينا في ليلة وضحاها، فمن مصطفى الزرقا رحمه الله وجودت سعيد وعصام العطار، انحدر بنا الزمن إلى حسون وطنطاوي الأزهر وقباني لبنان وعدناني وجولاني مجهولي الاسم والرسم.

فأنتج هؤلاء مما أنتجوا، مشايخ على قياس راقصي الهزهزة المولوية الحداثوية مع الكونترباص، أو على قياس ما نتج عن الثورات العربية – ومثالاً عنها سوريا- من مشايخ تاه بهم الأمر، فلم يستطيعوا تعريف أنفسهم، فتارة هم متظاهرون سلميون، وتارةً هم قادة على (الثغور) وأخرى هم مجاهدون، وغيرها هم خلف صفوف الثوار لتحريضهم على القتال، وتارةً هم سياسيون يجادلون ويفاوضون، وإغاثيون يملؤون أكياس الرز والمعكرونة والمرتديلا، ثم هم محاورون على شاشات الفضائيات، وتارةً هم قادة مجتمع محلي ورؤساء بلديات.

هذه (النخب الدينية) الحديثة لا الحداثوية لن تسطيع فهم وهضم قيم الثورات من الحرية والديموقراطية والمساواة، هذه المفاهيم ليست ضمن قدرتهم على الفتوى، فأسهلها عليهم هو التحريم والعودة لنصوص ابن تيمية، ليتلاقوا بقصد أو بدون قصد بما يقوله الجولاني والبغدادي عن حرمة هذه القيم، وجرّعقول البروليتاريا المسلمة نحو نير العبودية مرة أخرى. هذه المرة ليس تحت شعار قائدنا إلى الأبد الأمين حافظ الأسد، بل تحت شعار طاعة ولي الأمر وحرمة الخروج عليه، حجة البغدادي والجولاني في كسب البيعة، فأصابوا الثورة بالضرر، وأضروا الثوار فأحالوهم مجاهدين بدلاً من متظاهرين، وجهاديين بدل أن يكونوا جيشاً حراً.

وحقيقة الأمر ألّا مكان لرجل الدين في مظاهرة تنادي بالحرية والمساواة والديموقراطية، فكانت المظاهرات خطوة فقط نحو الشعارات التي يستطيعون الوقوف خلفها وتحتها وفوقها. فهؤلاء لا يمتلكون أي تصور عن مجتمع إسلامي الطابع بحراك سياسي معارض وحراك مدني يعزز مفهوم المواطنة والمساواة ويعزز مكانة المواطن في بناء الدولة، فهمهم لا يتجاوز فهم داعش للدولة الإسلامية، طاعة عمياء، قبول بالأحكام، عدالة إجتماعية زائفة، تطبيق جماهيري للحدود الرادعة.

لا يجرؤ هؤلاء على التجديد في الفتوى، ولا على عصرنة الدين وخوض هذه الملحمة الحتمية، فمفهوم عصرنة الدين دخل أزمةً حقيقيةً حيث استحوذت عليه النخب الحاكمة وأجهزة السلطة المدعومة من الغرب الذي أطلق ثورة تحديث الإسلام بعد تفجير برجي التجارة 2001 ، ليتحول مفهوم خطير ومهم جداً كعصرنة الدين إلى مدلول سلطوي يمس جوهر العقيدة عند من تمترس في وجه الدعوة السريالية لرئيس أمريكي يدّعي رؤية الله الذي أخبره بصحة دولة إسرائيل، فأسقط الأمر في أيدي المسلمين فإن هم طالبوا بثورة مدنية لقوا اتهامهم بالكفر والعلمانية وتبني خطاب الخارجية الأمريكية وأجهزة السلطة في وطننا العربي المسلم، وإن هم أنكروا هذا الخطاب ورفضوه اتُهِموا بالتطرف والمغالاة والسير خلف ركاب الظواهري والبغدادي والجولاني .

بالعود إلى مشايخ زمن الثورة نجد أصحابنا من المشايخ في موقف صعب، فلا هم هنا ولا هم هناك، ولا هم في موقع معرّف أصلاً، فيلجؤون لوصف ساذج كاذب فيقولون أنهم مع الناس، تدليساً للناس لا قناعة ولا إيماناً، فيقف المواطن الإنسان البسيط موقف الحائر الملتبس عليه الأمر فيمتطي صهوة وسائل التواصل الاجتماعي ليجود بما يعرفه ولا يعرفه وتتحول هذه الصفحات إلى منابر تبث ما تبثه، فيظهر ويتمايز الخطاب التحريضي النكائي العدواني ويغيب الخطاب البسيط المتصالح الدعوي السلمي، فتصبح أرقام الإعجابات والمشاركات مؤشراً على صحة ما يقال هنا وهناك، والتي قد تحتوي على معلومات وحقائق غير صحيحة تاريخياً ولا علمياً.

لو أن الشيخ مصطفى الزرقا حيٌّ يرزق لما سمعه ولا أعجب به إلا القليل القليل، ولطغت صفحة معاليق الثورة وسلبينا وتغريدات الجولاني على عمله ومداركه وقيمته.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.