سد تشرين1

هشام سراج الدين

سد تشرين (الفاروق) الذي يبعد 30كم عن مدينة منبج، والمقام على نهر الفرات، هو من أبرز السدود السورية المنتجة للطاقة الكهربائية باستطاعة 630 ميغا واط بالحد الأعظمي، إذ يتكون السد (المحطة الكهرمائية) من ست مجموعات توليد استطاعة كل مجموعة 105 ميغا واط.

الغاية من إقامة السد توليد الكهرباء لا استثماره زراعياً، فمجال الاستثمارات الزراعية محدود جداً مقارنة مع غيره من السدود، يقول المهندس (ن خ) العامل في مؤسسة السد: “سد تشرين غير مستفاد منه في الزراعة، أما سد الفرات الذي توجد عليه محطات ضخ البابيري ومسكنة شرق ومسكنة غرب مستفاد منه زراعياً، فتوقف عمل سد تشرين لا يؤثر على الزراعة”

وقد واجه السد تحديات كبيرة عبر عمر الثورة السورية، فعقب السيطرة على المناطق والمدن المحيطة به من قبل قوات المعارضة، بقيت قوات للجيش السوري متحصنةً في السد قبل أن تتمكن المعارضة لاحقاً من دحرها والسيطرة عليه.

وأُخُضع السد لإدارة مدنية من أبناء البلد، مما منح العاملين فيه راحة وطمأنينة، يقول السيد عماد حنيظل رئيس المجلس الثوري لمنبج وريفها: “تولت السد إدارة مدنية يشرف عليها المجلس الثوري المحلي في مدينة منبج الذي ينضوي ضمنه المجلس العسكري الجامع لأغلب كتائب الجيش الحر في المدينة”، حيث لم تحصل أية مشاكل أو صراعات.

ويتابع عماد:” لم تمنع هذه الطمأنينة هروب عددٍ كبيرٍ من العاملين والموظفين، وتم تدارك النقص بمضاعفة الجهد من بقية الموظفين”، وازداد نقص  الموظفين في الفترة التي تسلم تنظيم الدولة الإسلامية فيها إدارة السد.. يقول أحمد موظف سابق  في السد: “انحسر عدد العاملين لـ100 تقريباً بعد أن كان السد يدار من 530 عاملاً نتيجة مضايقات داعشً”، وبهذا فقد السد كثيراً من الخبراء والعمال ذوي الخبرة.

والعقبة الثانية كانت مادية وفنية، حيث احتاج السد لمواد وقطع تبديل غير متوفرة في الأسواق، ولم يكن  يتوفر للمجلس المحلي المبالغ اللازمة لتأمينها، ناهيك عن تهديدات النظام بقصف السد، حيث قصف محيط السد بصاروخ سكود سقط بالقرب منه، ورغم ذلك استمر العمل، يقول عماد حنيظل: “استمر العمل بسبب روح المحبة والإخلاص بين الموظفين والمجلس الثوري الذي حافظ على هيكلية العمل ذاتها بل وطورها للأفضل، حيث أسقط النظام في المدينة دون أن يتم إسقاط الدولة ومؤسساتها” فكان ذلك نموذجاً مشرقاً للثورة السورية.

وقد وعى تنظيم الدولة الأهمية الاستراتيجية للسد وغيره من المنشآت الحيوية من صوامع ومحطات وحقول نفط، فعمل على بسط سيطرته على السد من خلال اختراق بعض الفصائل وإجبارها على “مبايعته”، وغياب قوة عسكرية حقيقية تحمي السد، يقول عماد حنيظل: “لم تكن هناك قوة عسكرية بعد التحرير لأنّ أقرب نقطة للنظام تبعد عن السد أكثر من 100 كم، ولم نكن نتوقع سيطرة التنظيم على السد، فكنا نظنه جاء لقتال الأسد لا للسيطرة على مقدرات البلاد” وهنا بدأ السد في رحلته الثالثة، وتحول اسمه من سد تشرين لسد الفاروق.

في نهاية 2013م أصبح السد حصناً منيعاً لتنظيم الدولة بعد انقلاب التنظيم على الإدارة المشتركة (التنظيم، الجيش الحر، أحرار الشام)، ولم تستطع القوات المعارضة في بداية عام 2014م إخراج التنظيم من السد رغم سيطرتهم على الباب ومنبج، ويعود ذلك أساساً لموقع السد المحصن، وخوف الثوار من تعرضه لأضرار فنية كبيرة، فأي عطل قد يسبب كارثة للمنطقة.

ومن أبرز الأعمال التي قام بها التنظيم في السد تحويل قسم منه إلى سجن، إذ نقل عدداً من السجناء أثناء انسحابه من حلب، إضافة لتحويله السكن الملحق بالسد لثكنة عسكرية بعد أن طُرد كثيراً من الموظفين، فقد أصبح السكن مدينة سكنية لعناصر التنظيم، فيمنح كل عنصر راغب بالزواج شقة سكنية.

ولعل أبرز عمل قام به التنظيم هو تحويله إلى مقر للدورات العسكرية والشرعية الخاصة بالتنظيم، وساعد موقعه المعزول والبعيد عن المدن في ذلك، وهذا ما يفسر تعرض محيط السد لضربات التحالف الأولى، ضربات اهتز بها الريف الجنوبي الشرقي لمنبج، يقول أبو حسن الأنصاري: “رغم قصف التحالف مايزال السد يعمل بطاقته المعتادة، وتأثيرات الضربات طال البناء ولم يؤثر على عناصر الدولة الإسلامية”

وقد عاود التنظيم فتح معسكراته بعد توقفها فترة من الزمن، ولكن بسرية فالمواقع الجديدة غير معروفة، وهي تدرّب “أشبال الخلافة” (تحت سن 16)، يقول حسان سائق شاحنة: “من خلال مروري من سد تشرين(الفاروق) ألاحظ تغيرات وأحيانا أجد مجموعات من الأطفال، ولدى استفساري عن هذا الأمر تبين لي أنه مقر لدورات الأطفال المنتسبين للتنظيم”، وهذا ما أكده أبناء القرى المجاورة للسد، إذ أنه أصبح مقراً لدورات مايسمى أشبال الخلافة.

وتعاقب على إدارة السد عدد من القادة منهم أبو محمد المصري الذي قتل على يد قوات المعارضة، ثمّ أبو يعقوب السوداني، والذي فتح المخازن في السد وذهبت لجهة مجهولة، والآن أبو منصور المصري.

وتعتبر إدارة داعش هي الفاعلة في السد وتتحكم فيها على هواها، وما الموظفون إلا منفذون لقرارات  التنظيم، و”ستكون لهذه القرارات نتائج كارثية في المستقبل”، يقول أبو محمد وهو موظف في السد: “إن قطع التبديل محدودة، ولا يوجد سوق لجلب قطع  تبديل أخرى”، ويضيف “كانت في المخازن كميات كبيرة من قطع التبديل تبخرت إبان إدارة أبو يعقوب السوداني، ونحن لا نستطيع أن نتدخل في هذه الأمور” ويضف  بابتسامة “هم المُلاك ونحن العبيد”. وبهذا فالسد عرضة للتوقف في أي وقت.

حرص تنظيم الدولة على سير العمل في السد لسببين رئيسين، ليظهر قدرته على إدارة الدولة وتوفير الخدمات للمواطنين من جهة، ولتوفير السد موارد مالية ضخمة من جهة أخرى، عبر تحصيل التنظيم لفواتير الكهرباء من الأهالي، في وقت حرص النظام على عمل السد وإعطاء الموظفين رواتبهم باعتباره ينظر للتنظيم على أنه منظمة إرهابية طارئة.

سد تشرين الذي كلّف 22 مليار ل .س، ويحجز خلفه مياهاً تقدر بـ 2 مليار م3 لا يعمل بشكل جيد إلا عندما يكون مستوى الماء جيداً، لذلك يتوقف السد أحياناً عن العمل ريثما يتم تخزين المياه، كما أنّ الشبكة السورية للكهرباء تعمل بشكل حلقي، وبالتالي فإنّ سدي الفرات وتشرين يعملان وقت الذروة فقط، يقول المهندس (ن خ) : “العمل بهذه الطريقة توقف مؤخراً، ولا سيما بعد توقف المحطة الحرارية بحلب، وبالتالي فقد أصبح توقف السد يعني انقطاع التيار الكهربائي كلياً عن الريف الشرقي (منبج، الخفسة، جرابلس)”.

 

 

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.