دمار حلب

CNN– نِك باتون وولش،6 كانون الثاني 2015.

ترجمة موقع الحل السوري

 

CNN)) من الصعب أن تعرف إلى أي درجة تُصبح الأشياء المرعبة طيّ النسيان، وتفلت من الرأي العام العالمي. ربما يحدث ذلك عندما تُحجب هذه الأشياء من قِبل الآخرين، فتبدو الأزمة ضيّقة أكثر. أو عندما يصبح الأمر شبه مستحيل _لأسباب أمنية أو لأسباب أخرى_ على المراقبين الخارجيين أن يصاحبوا شهود العيان إلى أماكن الخسائر اليومية.

لقد سقطت حلب _بطريقةٍ ما_ من على شاشات المراقبة العالمية في الفترة ما بين أواخر عام 2012 عندما بدأت جراح الحرب الأهلية السورية تنزف، وما بين اليوم حيث استرعت الحرب ضد داعش انتباه العالم بشكل كامل وشامل.

ولكن لا يجب أن ننساها بهذا الشكل، حيث يوجد فيها وبحسب التقديرات 300000 مدني باقون في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعات المتمردة_ لوحدها.

هؤلاء هم الناس الذين يعاني البعض منهم _ أو جميعهم _ من المآسي اليومية التالية:

* البراميل المتفجّرة التي تتساقط بشكلٍ عشوائي، وهي أجهزة مصنوعة من مواد خام يُقصد بها القتل والترويع والتدمير.

* الاقتتال بين القوات المتحاربة المتمرّدة، والتي تحارب قوات النظام أيضاً.

* الجماعات الإسلامية المتطرّفة.

* نقص الماء والغذاء.

* قطع الناس لأي من الأشجار التي يرونها، بغرض استخدامها كوقود.

منذ عدة أشهر، وفوق كل معاني اليأس التي تفاقمت في عالمهم _فقط_ منذ بدء القتال من أجل السيطرة على حلب في شهر حزيران من العام 2012، فإن معركتهم تعتبر بالنسبة للبعض بلا أمل وصعبة المراس، حيث ترك العالم الخارجي حلب لتواجه مصيرها بنفسها وعلى أتم الاستعداد لمساندة الفائز، ولكن دون دعم النصر.

حلب هي الجائزة الكبرى في القتال من أجل الشمال السوري، لكنها أيضاً الضحية الكبرى. حلب، أكبر المدن السورية، وقلب سوريا الثقافي، هي الآن مجرد هيكل عظمي ، كان شامخاً بفخر قبل ثلاث سنوات فقط.

من الصعب جداً أن تحظى _كإعلام_ بوصول حر ومستقل إلى حلب. ويمكنك أن تحصي على أصابع يدٍ واحدة عدد القنوات التلفزيونية التي وصلت إلى حلب خلال الثلاث سنوات الماضية. فآخر دخول لـ CNN إليها كان في شهر حزيران، حيث مكثت فيها مدّة 6 ساعات.

إن المجازفة الكبرى الآن هي خطر الاختطاف. فبعد أشهر من حسن ضيافة الثوار لأجهزة الإعلام الأجنبية ومخاطرتهم بأنفسهم لمساعدة هؤلاء الصحفيين، يجدون الآن أن صفوفهم قد أُفسدت من قبل المجرمين والمتطرفين الذين يرون في أجهزة الإعلام – غالباً – شكلاً من أشكال صناعة المال للمساعدة في التعزيز المالي أو للتعامل مع الكارثة الأخرى (داعش).

هناك استثناءات قليلة للذين استطاعوا تجنّب الأخطار الكثيرة المختلفة _من خلال حسن الحظ في التواصل. فقد استطاع المصور الصحفي غابريئل تشايم أن يقضي شهراً كاملاً في حلب مع البعض من مجموعات الثوار الأكثر اعتدالاً. لقد قدّموا له فرصة الوصول إلى عالمهم.

الوصول إلى مدرسة مخفيّة بعيداً في أحد المنازل، حيث لا يزال الأطفال يتعلمون اللغة الإنكليزية. والوصول إلى فنان، والذي يُحيي ويُمجّد قتلى الحرب برسومات يحفرها في كهفٍ تحت الأرض، حيث يوفر أيضاً فرصة الحماية من القنابل. وإلى الخطوط الأمامية للجبهة، حيث تدور رحى المعركة من أجل كُبرى المدن السورية بيأس لم يشهد له مثيل.

تمكّن تشايم من الوصول إلى واحدة من المعارك الرئيسية الدائرة في الوقت الحالي. وكما هي الحال بالنسبة لكثير من المعارك في الحرب السورية. كانت المعركة تدور بنفس الطريقة التي دارت عليها خلال أشهر، والتي من المحتمل أنها سوف تستمر على ذات النحو. وكما أن النتيجة الأساسية هي أن لا أحد لديه الاستعداد للاستسلام والتخلي (الاقتتال من أجل تل صغير يدعى حندارات).

يمتد التل، والتجمعات السكنية التابعة له، إلى الشمال الشرقي من مدينة حلب، وعلى طريق أساسي في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعات الثائرة. لدى النظام حضور قوي في المنطقة الغربية من التل، ولقد تقدّم نحو المنطقة الشرقية منه خلال الأسابيع القليلة الماضية.

يتدافعون كل يوم وكل ساعة نحو هذه القطعة الجغرافية المرتفعة قليلاً، والتي فيما لو وقعت تحت سيطرتهم، فلن تمكّنهم من السيطرة سوى على الطرقات التي تؤدي من وإلى المنطقة، مؤثرة بذلك _عملياً_ على الثوار، والمدنيين الذين يعيشون ضمن المنطقة، فتحرمهم استخدام تلك الطرقات. وعندها تعزّز المخاوف الكثيرة من أن حصار مدينة حلب سوف يبدأ.

لقد جرّب النظام هذا التكتيك من قبل، فقد أطلق عليه لقب سياسة التجويع أو الاستسلام، حيث طبّقه في حمص سابقاً. فيقوم بالسيطرة على المنطقة، ويحرم مقاتليها والمدنيين فيها من الغذاء والدواء وكل شيء. ويقدّم النظام في النهاية اتفاقيته (ترك المنطقة أو الاستسلام).

تكمن المخاوف من سقوط حندارات بيد النظام من أن ذلك يمنحه فرصة مماثلة. فتتفاقم من بعدها الكارثة الإنسانية الحالية التي تحدث في المناطق الثائرة، وتكبر.

تقول هانا سنغر، الناطقة باسم اليونيسيف، إن الحالة الإنسانية في حلب مستميتة جداً هذا الشتاء، سواء كانت في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام أو الجماعات المعارضة المسلحة.

ويستمر انتشار الأمراض المنتقلة في الماء في هذه الأثناء، ويعود السبب في ذلك _جزئياً_ إلى تشارك من 50 إلى 70 شخص من النازحين باستخدام دورة المياه ذاتها.

وتضيف سنغر قائلة: “لا يوجد تيار كهربائي أو وقود للتدفئة، مما يضطر العديد من الناس لمواجهة الخيار الوحيد وهو قطع الأشجار من الحدائق العامة واستخدامها كوقود لتدفئة المنازل”، كما تضيف: “إن الوضع يصبح أصعب وأقسى بالنسبة للنازحين، حيث يعيش الكثير منهم في أبنية غير مكتملة البناء أو في ملاجئ جماعية حيث لا توجد فيها نوافذ أو أبواب، أو حتى جدران”.

وتشير تقديرات اليونيسيف إلى أن 65000 أسرة تواجه خطر الحرمان من أي من المساعدات التي ينبغي على النظام أي يأخذها إلى تل حندارات، حيث يقدر عدد الأشخاص فيها بـ 300000 شخص. وببساطة يحتاج 100000 طفل آخر إلى ملابس دافئة لمواجهة هذا الشتاء، أضافت سنغر. هذا فقط ما يحدث حول حلب لوحدها.

هذا هو الكابوس من الوقوع بين محاولة النظام للمحاصرة من جهة، وشر داعش في محاولتها لفرض وجهة نظرهم الراديكالية والعالمية من الجهة الأخرى.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.