بيت سحم

ليلى زين الدين


خرجت جبهة النصرة من بلدة بيت سحم، بعد موجةٍ من الاحتجاجات الشعبية، وسط تناقض الآراء بين مدافعٍ عن النصرة ومؤيدٍ لخروجها، لكن الأهم حسب ناشطي المنطقة هو تحقيق مطالب الحاضنة الشعبية بإجبار التنظيم على الخروج من البلدة.
الحدث الأبرز الذي فجر هذه الاحتجاجات التي أفضت إلى إجبار النصرة على الخروج من البلدة، هو قيام مجموعة مسلحة ملثمة مكونة من سبعة عناصر يتبعون لجبهة النصرة ويقودهم المدعو أبو رامز الملقب “بطاطاية” بالاعتداء على نقطة أمنية تابعة للجيش الحر مهمتها حماية بلدة بيت سحم.
قائد عسكري ميداني فضل عدم ذكر اسمه يقول: “لا يخفى على أحد تململ الحاضنة الشعبية في مناطق تواجد جبهة النصرة والخارجة عن سيطرة النظام من سلوك هذا الفصيل العسكري، الذي بدأ يفرض شروطه وقوانينه، علاوةً عن ممارساتٍ عسكرية تذهب حد شنّ الحرب على المختلفين معهم“.
ويشرح تفاصيل الحادثة بالإشارة إلى أن “مجموعة تابعة للنصرة قامت بعملية سطو على النقطة الأمنية المتوضعة قرب جامع حذيفة بن اليمان جنوب بلدة بيت سحم، والتي يحرسها ثلاثة عناصر من شبان البلدة، والمرخصة من الهيئة الشرعية باتفاق جميع الفصائل العسكرية، ومن ضمنها جبهة النصرة في البلدة“.
وقامت المجموعة بسلب السلاح الخفيف الموجود في النقطة بعد الاعتداء على الحراس وشتمهم، وأثناء انسحاب المجموعة أطلق أحد عناصر النقطة النار من مسدسه الفردي، وهاجم آخر عناصر المجموعة، و”بعد عراك بالأيادي، تم كشف اللثام عن وجهه ليتبيّن أنه المدعو أبو رامز“.
وأتت المظاهرات التي بدأت في اليوم الثاني من الحادثة لتعبر عن السخط الشعبي على ممارسات النصرة، حيث يشير ناشط فضل عدم ذكر اسمه إلى أن نساء مدينة بيت سحم بادرن بالتظاهر وطالبن بمحاسبة المدعو أبو رامز وإخراجه مع بقية عناصر التنظيم من البلدة، كما هتفن لفك الحصار وفتح الحاجز، وعندما وصلت المظاهرة إلى أمام منزل أحد عناصر التنظيم في البلدة والملقب “بورو”، قام بشتم النساء المشاركات.
ويكمل الناشط أن تلك الألفاظ أدت إلى مواجهاتٍ بين عددٍ من الشباب المتواجدين في الشارع وبين المدعو “بورو” الذي بادر إلى إطلاق النار، وأوقع عدداً من الجرحى، وأفضت المواجهة تلك إلى مقتل الشاب عدنان الهندي (أبو بلال).
وينوه الناشط إلى أن هذا الحدث أتى بمثابة “الشعرة التي قصمت ظهر البعير”، فممارسات النصرة كانت غالباً موضع رفضٍ من قبل الأهالي.
حيث استمرت المظاهرات والاعتصامات بشكلٍ يومي في البلدة والتي تطالب بخروج النصرة تماماً من بيت سحم ومن أبرز هتافاتها “بيت سحم حرة حرة والنصرة تطلع برا“.
من جانبها أصدرت الهيئة الشرعية في البلدة بياناً اتهمت فيه صراحةً المدعو أبو رامز خاوندي بالاعتداء على النقطة الأمنية، كما اتهمت المدعو عمار أوبري بإطلاق النار مما أدى إلى مقتل الشاب عدنان الهندي.
لكنها في الوقت ذاته نوهت إلى أن هذه الأعمال إنما هي أعمال فردية وطالبت النصرة “بالتبرؤ من عمل أفرادها المفسدين وتسليم كل من أبو رامز خاوندي وعمار أوبري طوعاً إلى الهيئة الشرعية ليتم محاكمتهم وتحكيم شرع الله بما فعلوا“.
واستجابت النصرة لمطالب الهيئة الشرعية حيث أعلن قائد التنظيم أبو عبد الله السلفي أن النصرة “جاهزة للتحاكم إلى شرع الله فيما يخص القضية“.
ويشير الناشط إلى أن هذا لم يمنع من استمرار المظاهرات الشعبية ضد التنظيم، حيث استمر الأهالي بالتظاهر محافظين على مطلبهم بخروج عناصر تنظيم جبهة النصرة من بيت سحم.
وسلمت النصرة أحد عناصرها الملقب بـ “بورو” إلى الهيئة الشرعية واللجنة المكلفة في البت في هذه القضية، لكن لم يتم تسليم المدعو أبو رامز حتى الآن.
المقربون من جبهة النصرة يعتبرون أن هذه الأحداث تم تضخميها واستغلالها من أجل الضغط على جبهة النصرة لقبول المصالحة مع النظام، حسب ما يقول مصدر مطلع، مضيفاً أن النصرة تكاد تكون الفصيل الوحيد الذي يرفض عقد المصالحة مع النظام، ويطالب باستمرار المواجهات لا سيما أن بنود المصالحة غير متكافئة، ويضيف المصدر أن بيت سحم التي عقدت المصالحة منذ أكثر من عام تشهد بشكلٍ مستمر خروقات من قبل النظام، كإغلاق حاجز ببيلا ومنع دخول أو خروج الطعام، أو حتى نقل المرضى.
ويتهم المصدر بعض الفصائل العسكرية باستغلال الناس التي خرجت لمحاسبة عناصر الجبهة، ثم رفع سقف مطالبها إلى إخراج النصرة تنفيذاً لأجنداتٍ خاصة حسب ما يقول المصدر، الذي يذهب إلى حد اعتبار هذه الفصائل تابعة للنظام.
ويعتبر المصدر أن الخطأ الذي حدث هو خطأ فردي لا يعبر عن كل جبهة النصرة التي استجابت لمطالب الهيئة الشرعية.
أحد القادة الميدانيين يرد على ادعاءات المقربين من النصرة بالإشارة إلى أن ما حدث من قبل عناصر النصرة ليس عملاً فردياً، لا سيما أنه يتكرر بشكلٍ مستمر، وكان من الصعب اكتشاف أن المجموعة الملثمة التي اعتدت على النقطة الأمنية تابعة للنصرة لولا كشف اللثام عن أحد العناصر المهاجمين، ويقول القائد “أكاد أجزم أن النصرة هي خلف العديد من الاعتداءات الأخرى التي بقيت ضد مجهول لأن الحظ لم يساعد على كشف الملثمين“.
أما لناحية المصالحة مع النظام فيشير المصدر العسكري إلى أن النصرة ترفض المصالحة وفي الوقت ذاته لا تقدم بديلاً للأهالي الذين يعانون الجوع ونقص الأدوية، ولا تؤمّن لهم ما يحتاجونه من موادٍ أساسية لإبقائهم على قيد الحياة، كما أنها بممارساتها تبعد الحاضنة الشعبية عن الثورة، وتدفعها للمطالبة بالمصالحة مع النظام.
وبين الفصائل المسلحة والناشطين هناك رأي آخر للحاضنة الشعبية، التي أكدت عبر مظاهراتها أنها تريد خروج النصرة من البلدة، فهنا تشير إحدى المشاركات في المظاهرة النسائية التي خرجت بعد يومٍ واحد من الاعتداء على النقطة الأمنية، إلى أن كل من يشارك في التظاهر ضد النصرة لا تقوده أي أجندة، ولم يستشر أي أحد في رأيه، و”أنا واحدة من المشاركات أطمح مثلي مثل غيري إلى تطهير الثورة من الممارسات البعيدة عن أهدافها ومبادئها، ووضع حد للفصائل التي جعلت من الثورة وسيلةً لها لتنفيذ أجنداتها وبرامجها الخاصة، وبرأيي أن النصرة واحدة من هذه الفصائل”.
وتضيف إن النصرة إلى الآن لم تفي بوعودها التي قطعتها للهيئة الشرعية بالانصياع إلى المحاكمة، حيث أنها لم تسلم “أبو رامز” إلى الآن وخرجت من البلدة وتركت القضية معلقة.
ولا تخفي السيدة مخاوفها من نوايا مبيتة للنصرة، حيث يمكن أن تشعل مواجهات جديدة مع الثوار مستفيدة من الوضع الحالي في ظل استمرار الحصار وإغلاق النظام لحاجز ببيلا وانشغال المقاتلون والأهالي بهذا الأمر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.