إئتلاف

وائل العبدالله

كلّما خرج الدخان الأبيض من مدخنة الائتلاف نادى الفرسان الثلاثة الجدد بثوابت الثورة وخطوطها الحمراء والحديث عن مرحلة قادمة تشع بالأمل الساطع والوعود الطنانة، وبين الجمل المكررة والممجوجة المبثوثة على شاشة العرض المساعدة تُبث رسائل تسول الدعم والإحسان من هنا وهناك، ويعرَّج خالد خوجة أخيراً على الشعب الثائر طالباً منه الالتفاف حول الائتلاف، ودعمه والوثوق به وإعلاء رايته، طلب مبايعة مستتر لخليفة جديد – بمعنى السلطة لا بمعنى التوجه السياسي-.

هذا الائتلاف الضحية من الجميع، من الدول الداعمة والنظام وروسيا وإيران والصين وكوبا، ومن الأمم المتحدة والجامعة العربية ومجلس الأمن، ومن أصدقاء سوريا وحلفائها، يطالب الشعب بالوقوف إلى جانبه مراراً وتكراراً، ثم يتلوا على الشعب (المعتر) عبارات سلطوية استحواذية، بأنه الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري بقرار من أحد ما هنا أو هناك.

هذا الائتلاف الذي خرج من الدوحة بصيغة توسعة أولى للمجلس الوطني، ثم أُتبع توسعة أخرى لم يعرف الشعب الثائر مبررات الأولى كي يعرف الثانية، الحامل لعدوه وخصمه اللدود (المجلس الوطني) بتركيبة عجيبة غريبة، صعد خلالها عدد من السذج من سياسيين ومعارضين مخضرمين لم يسمع بهم أحد من قبل، ليقولوا للشعب الثائر ها نحن ذا قادة حراكك الثوري، سنجلس لنتقاسم ونتفاوض ونحارب ونقبض ونسافر ونلجأ ونتسول ونمسك ونحرر ونبيع وننسحب ونبايع ونحزن ونعزي ونواسي ونبارك عوضاً عنك.

هذا الائتلاف الذي لم يعرف عنه الشعب سوى معاركه السياسية الدونكيشوتية بين أعضائه الجبابرة فيقضون ثلاثة شهور للتحضير لانتخاب رئيسه، وثلاثة باقية للعمل على رحيله، ممسكين بمكتسبات هزيلة رخيصة، مبددين فرصاً ذهبية للارتقاء بتمثيل الشعب السوري الثائر، الشعب الذي قدم مئات الآلاف من شهداء ومعتقلين ومفقودين.

فمنهم من حصل على اللجوء السياسي ومنهم من حصل على جواز سفر تركي أو قطري أو أممي، ومنهم من يقضي وقته في بيته ينتظر هدم تحالف وبناء تحالف، ليقتات على بضعة آلاف قطرية أو سعودية، وليصطف من جديد هنا أو هناك، ومنهم من يتشبث بالنواجذ والأنياب بمنصب في هيئة أو بدعة سياسية إغاثية، ومنهم من سرق ونهب قوت الناس ومعاشها ومستحقاتها، ومنهم من بالغ في الأمر فامتهن بيع الفيز للراغبين بالعبور للقارة العجوز.

الائتلاف الضحية يطرح توصيفه للوضع القائم، الوضع الذي تصفه الأمم المتحدة بأنه أسوأ ما مر على البشرية منذ الحرب العالمية الثانية، ويزيد الوضع قتامة، ويرفع سقفه في التفاوض والخطوط الحمر، لمن؟ لا أأأحد يعلم.

الكارثة أن يمتلك زمام السياسة الثورية لثورة نادت بالحرية، أشخاص لا يؤمنون بالحرية ولا بالديموقراطية ولا بالتعددية ولا بالآخر. وعليه، لم ولن يستطيع الائتلاف قيادة أي مرحلة أو أي عمل سياسي، لأن أعضاءه تعلموا السياسة برؤوس الدراويش المسحوقين الآملين.

الائتلاف الضحية المسكين، يطلب من الشعب المترف في الخيام وسفن المتوسط ودول اللجوء ومدن النزوح أن يدعمه، وبأن يصبر فالنصر صبر ساعة، كما يطلب النظام من مؤيديه -المنهكين موتاً وجوعاً وغلاء معيشة- الصمود وبأن النصر قريب.

وتختصر حادثة حصلت في أحد مطاعم فلوريا كل الصورة، فبينما كانت اللجنة السياسية تتناول طعام العشاء، قام أحد العمال بالتحدث إليهم بأنه مواطن سوري كان يعيش قبل الثورة في بحبوحة ومستقبل واعد، ولكنه كان من السباقين للمشاركة بالثورة التي طالما حلم بها، وهو اليوم ينظف حمامات المطعم الذي يجلسون فيه، وكان سؤاله: إلى متى؟ وماذا أنتم فاعلون لنا؟ فكان الصمت والتململ جواباً حقيقياً من هيئة موائد العشاء التي يخدمها سوري معدم، خسر تعليمه الجامعي وحياته وأحلامه ومستقبله، لينظف حمامات يترك فيها هؤلاء قذارتهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.