ISIL-Reuters-Raqqa-full-size

هشام سراج الدين

لم يتخلّص السوري من الظلم في أقبية الأجهزة الأمنية السورية حتى جاء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ليضيف فصلاً جديداً في معاناة السوريين، فسجون التنظيم الأمنية لا تختلف شيئاً عن سجون الأسد وفق السجين السابق لدى التنظيم المحامي أبو أحمد من ريف حلب الشرقي “هناك كثير من أوجه التطابق بين السجون الأمنية عند النظام والتنظيم فكلا السجنين لا يخضعان لقانون أو رقابة، والقاسم المشترك بينهما هو غياب الرحمة”، فالمنظومة الأمنية عند التنظيم تماثل منظومة الأسد، و”ربما تتفوق عليها”، فالسجناء في السجون الأمنية لا يتمتعون بأي حق.. “زجك في المعتقلات الأمنية لا يتطلب دليلاً أو شهوداً بل يُكتفى بالشبهة، ووشاية المخبر، فأمن التنظيم وبقاء دولة الإسلام مقدم على كل اعتبار” و “الشريعة الإسلامية وقوانين الإسلام الحنيف لا تجد سبيلاً إلى سجون التنظيم الأمنية”.

لا يمكن الفصل بين الأمنيين والسجون عند الحديث عن السجون الأمنية لدى داعش، فالأمنيون يشكلون الوجه “المظلم الحقيقي”  للتنظيم الذي يجهله معظم الناس، فهم يشبهون إلى حدٍّ كبير “عناصر المخابرات الجوية عند النظام السوري”، فلا يقيدهم نظام أو قانون، ويرتبطون مباشرة بهرم السلطة.

يقول عمار وهو مدني مقرب من التنظيم من أبناء ريف حلب: “يتمّ انتقاء الأمنيين من العناصر الموثوقة الولاء على أساس التزكية لا الكفاءة، فالمعايير الأمنية مقدمة – حالياً- على المعايير الفنية”، ولعب هذا الاختيار دوراً سلبياً في مسيرة التنظيم.

تنحصر مهمة الأمنيين تحت خط عريض عنوانه الحفاظ على أمن الدولة الإسلامية وبقائها، وبالتالي فباستطاعتهم التدخل بكل شاردة وواردة تحت هذا العنوان، حيث يحق للأمني ليس اعتقال المواطن العادي فقط، بل اعتقال أي عنصر أو قائد في التنظيم نفسه بذرائع أمنية.. يقول أحد عناصر التنظيم المنسحبين منه: “لا يُطالب الأمني بأي إذن قضائي أو إجرائي، بل ربما يعتقل القاضي والأمير”، ويقوم الأمنيون بجل الأعمال “القذرة” في التنظيم، فهم مسؤولون عن كل عمليات الخطف والاغتيال.. يقول العنصر السابق: “لدى الأمنيين قوائم خاصة بأسماء الإعلاميين والقادة الذين يشكلون خطراً على التنظيم، وقد تمكنوا من خطف واغتيال عدد كبير من هؤلاء أثناء وجود التنظيم في حلب، ولو لم يُخرَج منها لما وجدت ناشطاً إعلامياً أو وجوداً للثورة السورية، ووضع الرقة برهان على ذلك”.

لا تقتصر سطوة الأمنيين على المواطنين والثوار والإعلاميين، بل تتعداها لعناصر التنظيم أنفسهم، وربما كانوا أكثر قسوة مع عناصر التنظيم، يتابع المنشق عن التنظيم: “يتولى الأمنيون مراقبة عمل الولاة والأمراء، ويأخذون الجميع بالشبهة، ومجرد إبداء الرأي قد يفسر كمحاولة للتمرد أو شق الصف، فتكون النتيجة التصفية كما حصل مع أبو عبد الرحمن المصري في الباب، حيث تمّت تصفيته في السجن مع عدة قادة عقب اعتراضه على إعلان الخلافة”، وزرعت هذه الإجراءات الرعب في صفوف منتسبي التنظيم قبل غيرهم من الأمنيين، يقول الأربعيني أبو جوان “قام التنظيم باعتقال أخي بدعوى الانتساب لصفوف حزب الاتحاد الديمقراطي فطلبت من أصدقاء لي في التنظيم مساعدتي، ولا سيما أنّهم يعرفون كره أخي للحزب، لكني فوجئت بخوفهم من مجرد السؤال عنه في السجن الأمني خشية أن يظن بهم سوءاً”.

ترتبط بهؤلاء الأمنيين شبكات عنكبوتية من المخبرين السريين، وغياب الضابط المهني والرقابة القضائية جعلت قسماً من المخبرين والأمنيين يستخدمون قوة التنظيم لتحقيق مآربهم والانتقام من أعداء الأمس أياً كانوا، ويعطي سجن الأمنيين صورة صادقة عن الأمنيين والدولة التي يرغب التنظيم بناءها.

“قد تعتقل لأتفه الأسباب.. بسبب نظرة أو موقف أو صورة، فأسباب الاعتقال مفتوحة” يقول حسن وهو معتقل سابق لدى التنظيم.. “تم تفتيشي على أحد الحواجز أثناء حظر التجول، ولدى فتح جوالي وجدوا أنّ أحد أصدقائي في الواتس آب يضع شعار الجيش السوري، فاتهمت بداية بالعمالة ثم تحولت التهمة لمولاة الكفار ومناصرتهم، وتعرضت لضغوط نفسية رهيبة أنستني العذاب الجسدي، فهددت أكثر من مرة بالذبح”.

اللافت في السجون الأمنية عدم محاسبة قادة التنظيم لعناصرهم على موت المواطنين تحت التعذيب، يقول حسن: “شاهدت بأم عيني موت شخص تحت التعذيب، إذ لم يتحمل جسده قسوة التعذيب، ولدى سؤالي للجلاد بعد أن أصبح بيني وبينه نوعاً من العلاقة عن إحساسه نتيجة موت الرجل على يديه أجابني: نبتغي وجه الله ونصرة دولة الإسلام ومحاربة من يقف أمام بقائها وتقدمها”، ويبرر شدة التعذيب بقوله: “لو اعترف لأراح نفسه وأراحنا، وهو إن مات مظلوماً فقد نال أجر الشهادة، وإن كان مذنباً فقد نال ما يستحق”، بكل هذه البساطة “تهون على الأمنيين دماء المسلمين”.

خرج كثير من المعتقلين بعاهات دائمة نتيجة أساليب التعذيب القاسية، يقول طبيب شهد عدة حوادث تخص السجون الأمنية “فوجئت عندما أسعف لي مريض شُلت أطرافه الأربعة بعد شبحه لعدة أيام، ناهيك عن حالات الفشل الكلوي نتيجة التعذيب والتغذية السيئة” فلا تختلف أساليب التعذيب شيئاً عما يوجد في سجون النظام، “فالتنظيم يستخدم إضافة لما سبق الكهرباء”.

يتعمد جلادو السجون الأمنية إعطاب السجناء والتسبب بعاهات دائمة لهم، فهم يستخدمون العصا الخشبية في الضرب مما يسبب كسوراً لا يمكن الشفاء منها، ولا سيما وأنّ الإسعاف يتأخر.

الطامة الكبرى أنَّ عدداً من القادة والعناصر الأمنيين الذين عذبوا الناس وقتلوهم يُكتشف بعد فترة أنهم “عملاء للخارج”، يقول المدرس أبو حسن من ريف حلب الشرقي “صدمني إعدام أبو عبيدة المغربي بتهمة العمالة للمخابرات الغربية، فقد قتل هذا الرجل كثيراً من الثوار بتهمة الردة وموالاة الكفار، وما أكثر المظالم بفعل هؤلاء الأمنيين”، وترددت مثل هذه الحالات كثيراً فأبو عبد الله الكويتي الذي أفتى بقتل الشعيطات في دير الزور يقتل ويُصلب لاحقاً بتهمة العمالة للغرب، وهنا يقول المحامي أبو أحمد “من المسؤول عن كل هذه الدماء التي أريقت، ألا يسأل قادة التنظيم أنفسهم هذا السؤال، فالتنظيم لم يراجع نفسه أو يقدم اعتذاراً لمن قُتل على يد هؤلاء، والتنظيم لا يكترث بدماء المسلمين بقدر اكتراثه بهيبته وقبضته الأمنية”.

“الأمنيون سيكونون سبباً رئيساً في انهيار التنظيم كما كان الأمن السوري سبباً باشتعال الثورة” يقول الناشط أبو محمد من ريف حلب.. “النظام السوري حكم البلد بقبضة أمنية حديدية بدعوى القومية العربية ومحاربة القوى الرجعية، والتنظيم يحكم بالحديد والنار باسم الدين”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.