-

دلير يوسف

تشهد بعض المدن الألمانية منذ مطلع عام 2015 مظاهرات منتظمة لأنصار حركة بيغيدا (أوربيون وطنيون ضد أسلمة الغرب)، وهي حركة ظهرت في العشرين من شهر تشرين أول من العام الماضي. يصل تعداد المشاركين في هذه المظاهرات أحياناً إلى الآلاف، كما حصل في الثاني عشر من الشهر الماضي عندما تجمع نحو 25 ألف شخص في إحدى التظاهرات التي نظمتها الحركة.

وقد تزايدت هذه المظاهرات بشكل ملحوظ في أعقاب الاعتداء الذي طال صحيفة شارلي إيبدو في العاصمة فرنسية باريس في السابع من شهر كانون الثاني الماضي، والذي نفذه شخصان من أصول مسلمة وفقاً للسلطات الفرنسية، مما تسبب بمقتل 12 شخصاً معظمهم من العاملين في الصحيفة، حيث عملت حركة بيغيدا على “استغلال” هذا الهجوم لزيادة عدد أنصارها وحشد أعداد أكبر في التظاهرات.

في المقابل تشهد هذه المدن مظاهرات، ضخمة أحياناً، مناهضة لحركة بيغيدا، بمشاركة مسؤولين ألمان رفيعي المستوى، تدعوا إلى استقبال المزيد من اللاجئين ووقف العنصرية، وتدعم التقارب والاندماج بين مختلف شرائح المجتمع الألماني.

تضم المظاهرات المناهضة لحركة بيغيدا معظم حركات اليسار الألماني وحركات مناهضة الرأسمالية ومناصري انفتاح ألمانيا على العالم، بالإضافة إلى بعض الأحزاب الشيوعية وحزب الخضر، فضلاً عن المهاجرين واللاجئين من الجنسيات المختلفة، بما فيها السورية.

 

مواقف السوريين من المظاهرات

يتواجد السوريون في هذه المظاهرات كأشخاص دون واجهة تنظيمية تعبّر عنهم، فمعظمهم يتواجد بصفته أحد سكان الفيدرالية الألمانية.

تختلف آراء السوريين الساكنين في ألمانيا حيال هذه القضية، إذ يعبّر بعضهم، وخاصةً الجدد منهم، عن أن الأفضل هو تجاهل ما يحدث وعدم التدخل في المظاهرات أو النشاطات أو أية  فعاليات أخرى، كما أفاد أحد السوريين القادمين حديثاً إلى برلين طالباً عدم الكشف عن اسمه. مواقف هؤلاء غالباً ما تكون نتيجة مشاعر الخوف المحمولة من سوريا على حسب تعبير أحدهم. كما يوجد قلّة من السوريين القدامى يناصرون حركة بيغيدا!

عدد كبير من السوريين يدعمون الحركات المناهضة لـ “بيغيدا” في وقت يتنامى فيه دعم السوريين لنشاطات اليسار في سرعة واضطراد، فبات من المستطاع اليوم التعرف على عشرات من السوريين المشاركين في مظاهرات مناهضة العنصرية في ألمانيا.

 

تأثيرات سلبية محتملة على وجود السوريين في ألمانيا، ولكن الواقع الحالي يتحسن

الغاية من حركات رفض اللاجئين ومناهضة أسلمة الغرب هي سن قوانين ضد وجود الإسلام كدين رسمي في ألمانيا بشكل خاص، وفي أوروبا بشكل عام، والحد من تدفق اللاجئين إلى ألمانيا. في حال تم الضغط لإيجاد مثل هذه القوانين فسيتأثر وجود الأجانب، بما فيهم السوريون، في ألمانيا، وسيفقدون بعضاً من حقوقهم الأساسية، من قبيل الحرمان من حق العمل على سبيل المثال لا الحصر، مما سيؤدي بدوره إلى إلغاء التنوع اللغوي والديني في المدن الألمانية، وخاصة الكبيرة منها، وهذا يعني أنه ستتأثر الجالية السورية في ألمانيا بكل تأكيد، وخاصةً المسلمين منهم، كغيرها من الجاليات الأجنبية في هذه البلاد.

لكن، ولحسن الحظ، فإن الحكومة الألمانية هي حكومة عملية، لا ولاءات عرقية ودينية واضحة لديها، وبالتالي لا توجد مشكلة في توافد اللاجئين إلى ألمانيا طالما أن الحكومة الألمانية قادرة على دعمها، كما صرّح أحد السياسيين الألمانيين مؤخراً.

في الوقت نفسه فإن الحكومة الألمانية تعمل على توفير جو متكامل من الأمان في المظاهرات كي لا تحدث أية صدامات بين الطرفين، كما أنها منعت مؤخراً بعض المظاهرات لحركة بيغيدا في عاصمة حراكهم، مدينة دريسدن، بحجة وجود تهديدات إرهابية من باب الحرص على سلامة المتظاهرين، بينما فتحت الباب “بالمطلق” لتظاهرات اليسار الألماني المناهض لـ “بيغيدا.”

كل هذا أثر بشكل إيجابي على البرلمان الألماني، الذي دعم بدوره عدداً أكبر من القوانين التي تسهل حياة اللاجئ في ألمانيا، ولا سيما اللاجئ السوري، وعملت على تسريع الإجراءات المتعلقة باللجوء والإقامة لهم بعد بدء هذه الحركات والمظاهرات.

كما أنه لا بد من التنويه إلى أن حركة بيغيدا تواجه حالياً مشاكل جمة بعد استقالة عدد من قادتها، مما اضطر الحركة إلى إصدار بيان أعلنت فيه إلغاء المظااهرة التي كان مزمعاً إجراؤها في مدينة دريسدن في الثاني من شهر شباط الحالي إلى حين تشكيل مجلس إدارة جديد، في ظل توقعات من جانب اليساريين بأن هذه قد تكون “بداية النهاية” للحركة.

 

دعوات لزيادة فعالية السوريين في الاندماج بالمجتمع الألماني

يشارك مؤنس بخاري، وهو مواطن سوري مقيم في ألمانيا، حالياً في المظاهرات بشكل دوري، وهو عضو في منظمة يسارية ألمانية تدعى المرزعة 15 “Garten 15”. أوضح بخاري أنه يساهم في تنظيم نشاطات فنية واجتماعية بالتعاون مع منظمي تظاهرات برلين بهدف تسهيل دمج السوريين في المجتمع الألماني، وإظهار ضرورة وجود تنوع داخل المجتمع الثقافي من خلال “إبراز جمالية ثقافة السوريين الشعبية.”

من جهتها تتمنى لورا المحمد، مواطنة سورية مقيمة في ألمانيا، أن تزيد مشاركة السوريين في التحركات الاجتماعية الألمانية المناهضة لحركة “بيغيدا” وأن يتم التقرب أكثر من اليسار الألماني بكل حركاته، كون “جناح اليسار مناصر لوجود السوريين والأجانب في ألمانيا.”

الجدير بالذكر أن ألمانيا تضم أكثر من سبعة ملايين لاجئاً من مختلف دول العالم وفقاً لإحصاءات رسمية صدرت عام 2011، وأبرزها الدول التي قدم منها اللاجئون هي تركيا، في حين أن عدد السوريين الذين استقبلتهم ألمانيا منذ اندلاع الثورة السورية منتصف شهر آذار من عام 2011 قد وصل إلى نحو عشرة آلاف شخص، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى عشرين ألفاً وسط تزايد ضغوط منظمات حقوق الإنسان لبذل مزيد من الجهود في هذا السياق وتحمل الدول الأوروبية لمسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية للتخفيف من معاناة اللاجئين السوريين.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.