إعاقات

حلب ـ جود العمادي

لا يتحرّك الشاب عبدالله إلّا ومعه عكّازه التي اعتاد عليها مع مرور الوقت بعد أن أُصيب بقذيفة مدفعيّة في مدينته الرستن مما أدّت لبتر قدميه بعد عملية خضعَ لها في مشفى بتركيا.

أثناء اللقاء بعبدالله الذي استقرّ أخيراً في دار الاستشفاء القريبة من الحدود السورية التركيّة بعد خروجه من المشفى، جاءته الضحكة فجأةً بعد أن حاولَ الوقوفَ دون الاستعانةِ بعكّازه وقال: “نسيتُ ما حلّ بي”.

بتر أطراف

تضرر العديد من السوريين من القصف الهمجي الذي تشنّه قوّات النظام على الأحياء الخاضعة للمعارضة ممّا أدّت إلى بتر أطراف من أصيب بشظايا على مدار ثلاث سنوات من اليوم، وأكّدت منظّمات دوليّة أن هنالك 270 ألف إصابة دائمة تمّ إحصائها في سوريا منذ اندلاع الحرب فيها، محذرّة من ازدياد هذه الأعداد مستقبلاً.

عبد الله كان مثالاً عن آلاف المدنيين الذين تعرّضوا لإصابات أثّرت عليهم نفسيّاً وجسدياً، ويقول إنّ قذيفة واحدة من آلاف القذائف التي سقطت على مدن عديدة في سوريا غيّرت مجرى حياته، ونقلته من إنسان عادي إلى إنسان يشكو الإعاقة الجسديّة والعجز أثناء الحركة.

لم يتوقّع عبدالله ذو الأربع وعشرين سنة أن حاله ستتبدّل في ليلة وضحاها ولم يفكّر يوماً أن يلجأ إلى العكّازة حتّى يستطيع المشي لبضعة أمتار.

يواصل عبدالله سرده لقصّته ويقول: “بعد إصابتي بقذيفة مدفعيّة في مدينتي الرستن نقلوني مسعفون إلى مشفى ميداني وتمّت معالجتي لكن لم يكتمل العلاج فأوصى المشرفون عليّ بنقلي إلى تركيا على الفور من أجل استكمال العلاج وتركيب طرف صناعي”.

يقول عبدالله “دفعتُ 600 دولار حتّى تمكّنت من اجتياز المناطق الموالية للنظام أثناء خروجي من الرستن ثمّ أكملنا الطريق نحو معبر باب الهوى”.

لم تشفع إصابة عبدالله له أثناء تهريبه عبر الحدود نحو تركيا إذ عانى المعاناة التي يتعرّض أيّ مواطن يحاول العبور لتركيا، ولولا الوساطات لما أدخلوه عبر المعبر.

حياة صعبة

يقول البعض من ذوي الاحتياجات الخاصّة إنّ الحرب في سوريا وغياب الدعم النفسي والمالي بالتزامن مع تخلّي المؤسسات المحليّة وإهمال الدوليّة لرعايتهم أو تقديم المساعدة لهم، جعلهم يواجهون حياةً صعبة من كلّ النواحي.

الشاب محمد عنصر منشقٌّ من جيش النظام انضمّ إلى إحدى الفصائل المعارضة، وفي إحدى المعارك التي شارك بها انفجر به لغم أرضي كانت قد زرعته قوّات النظام أثناء محاولات المعارضة السيطرة على ضاحية الأسد في حلب.

اللغم الذي انفجر أدّى لقطع قدمه ممّا أجبره على الجلوس، محمد الشاب الذي يعتبر أنّ إصابته ليست مشكلة تعترضه بقدر ما يواجه المشكلة الأهم وهي رعاية إخوته الخمسة الذين لم يبقى لهم معين خاصة بعد إصابته ومقتل والدته في قصف جوّي لطيران النظام على الرستن بوقت سابق، أمّا والده فقد فارق الحياة قبل بداية الثورة السورية.

يقول محمّد في حديثه: “كنت ببداية تعرّضي للإصابة أعاني كثيراً بسبب عدم تقبّلي لوضعي الصحي الجديد لكن مع مرور الوقت تأقلمت مع وضعي سيما بعدما رأيت حالات صحيّة أسوأ بكثير من حالتي، بالإضافة إلى ذلك لقيتُ دعماً من أصدقائي وأقاربي وتشجيعاً متواصلاً على مواصلة حياتي وعدم الاكتراث للإصابة، لكن أحنّ دائماً للعب كرة القدم”.

في ذات السياق التقينا بمرهف الزعبي مدير دار الرحمة للاستشفاء في مدينة الريحانيّة التركيّة وقال: “نقدّم ما نستطيع لخدمة المصابين بإصابات دائمة حتّى يتمّ تخريجهم بشكل نهائي لكن بكل صراحة نقلق كثيراً من وضعهم المأساوي خاصّة أنّهم لا يستطيعون العودة لمدنهم المحاصرة مثلاً”.

ويضيف “هنا في تركيا لا يوجد من يؤمّن لهم المساعدة لذا نطالب عبركم الحكومة المؤقّتة والمؤسّسات والمنظّمات الطبيّة العالميّة بتوفير الدعم النفسي والمالي لذوي الاحتياجات الخاصّة في المجتمع وتقديم البرامج الخاصّة لهم”.

يجدر الذكر أنّ عدداً كبيراً من الشباب السوري فقدوا أطرافهم خلال الحرب في سوريا، ومع مرور الوقت تتزايد الأعداد بسبب احتدام المعارك بين أطراف عديدة في سوريا بالتزامن مع قلّة اهتمام المنظّمات الدوليّة الإنسانيّة والحقوقيّة.

 

 

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.