دار العدل

بشّار يوسف

تشكل الأمور القضائية والجهة التي تعمل على التحقيق مع المتهمين، سواء كانوا مدنيين أم من عناصر الفصائل المسلحة، واعتقالهم وتطبيق العقوبات بحقهم، الهاجس الأكبر في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة. وبشكل عام يمكن القول إن كل المناطق التي خرجت عن سيطرة قوات النظام تشهد فوضى عارمة في هذا الخصوص، نتيجة لكثرة المحاكم الشرعية في المنطقة الواحدة، والتي تتبع كل منها لفصيل معين، ويتم اتخاذ الأحكام فيها وفقاً لمصالح هذا الفصيل ومن قبل “شرعيين” تمت تزكيتهم من قبل الفصيل نفسه، ليبقى المدنيون وحدهم من يتم تطبيق الأحكام، الصارمة غالباً، بحقهم، دون وجود جهة قادرة على ضبط هذه الأحكام، وفي غياب وجود أية محكمة مدنية في هذه المناطق.

اللافت في الأمر، أن محاولات توحيد هذه المحاكم انتهت في أغلب الأحيان بتشكيل محكمة سرعان ما سيطر عليها الفصيل الأقوى في المنطقة، كجبهة النصرة في شمال سوريا، أو جيش الإسلام في ريف دمشق، لتبقى تجربة دار العدل في محافظة درعا جنوباً، على الرغم من حداثتها، أفضلها حالاً حتى الآن.

تعتبر دار العدل، أو مجلس القضاء الموحد في حوران، خطوة أولى من نوعها في مجال القضاء، فهي تضم كافة فصائل المعارضة المسلحة على اختلاف انتماءاتها، سواء التابعة للجيش السوري الحر أم الإسلامية بما في ذلك جبهة النصرة، كما تعترف بها جميع الهيئات المدنية والمجالس المحلية، وذلك بعد أن تمكنت من إلغاء معظم محاكم درعا وإحالة قضاياها إلى دار العدل، كما قامت أيضاً بجلب جميع المعتقلين اللذين كانوا في سجون بعض الفصائل المعارضة.

بدأت الدار بالعمل مطلع شهر كانون الأول من العام الماضي، وهي تتخذ من مبنى سجن غرز سابقاً الواقع شرق درعا مقراً لها، وتمتاز بانضمام عدد من الشخصيات المهمة في محافظتي درعا والقنيطرة إليها، أبرزهم الشيخ أسامة اليتيم رئيس المحكمة، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات القانونية التي كانت تعمل ضمن القضاء سابقاً ولديها خبرة في الأمور القانونية.

أفاد عمار الخطيب، ناشط إعلامي في درعا، بأنه منذ انطلاق الدار وخلال الأشهر القليلة من عملها، عمل القائمون عليها على البت في عدد من الأمور القضائية المتعلقة بالأفراد المدنيين والعسكريين وفقاً لقوانين تستند إلى الشريعة الإسلامية، كما واجهت الدار قضيتين بارزتين، الأولى هي القتال بين جبهة النصرة ولواء شهداء اليرموك التابع للجيش السوري الحر الذي تسبب بمقتل وجرح العشرات من الطرفين، فقد تمكنت الدار من دفع الطرفين إلى الاحتكام لديها للتحقيق في القضية والاستماع إلى المتهمين من الجانبين ولا يزال العمل عليها مستمراً حتى الآن، والثانية هي ما بات يعرف بقضية بيع الحبوب، إذ قامت بعض فصائل المعارضة نهاية العام الماضي بمطالبة دار العدل بالسماح لهم ببيع كميات من القمح المتواجد في صوامع الحبوب شرق مدينة درعا إلى الأردن بحجة قلة الدعم وحاجتهم لتسديد بعض الديون المترتبة عليهم وتأمين احتياجات مقاتليهم، إلا أن ذلك قوبل بالرفض بعد ضغط متواصل من الناشطين الإعلاميين والمدنيين واعتبار القضية تمس المصلحة العامة.

من جهته أثنى أبو محمد، مدرس متقاعد من مدينة درعا، على قرار دار العدل بمنع الفصائل من بيع الحبوب المخصصة للأفران، وندد بالفصائل العسكرية التي رغبت في بيعها معتبراً إياهم “تجار أزمة ولا يتحملون مسؤولية المدنيين وأوضاعهم المعيشية”، وأضاف أبو محمد أن الدار بهذا القرار قد تكون “خطت خطوة كبيرة في طريق كسب ثقة المدنيين وتأييدهم لأعمالها.”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.