علم

هشام سراج الدين

أثار إعلان تنظيم الدولة الإسلامية افتتاح كلية للطب البشري في الرقة استغراب الأهالي في مناطق التنظيم عموماً والرقة خصوصاً، فالتنظيم الذي أغلق المدارس ولم يسمح بها إلا على نطاق ضيق في الرقة مؤخراً، وما زال يغلقها في بقية الريف الشرقي لحلب، يفتتح جامعة باختصاص علمي عال هو الطب!.

يقول الطبيب محمد ص من مدينة الرقة “كلية الطب ليست إلا فقاعة إعلامية لا مستند لها على أرض الواقع، فلا يمتلك التنظيم مقومات عمل هذه الكلية، وربما تكون الكلية مجرد معهد تمريضي يساعد الخريج على إجراء الإسعافات الأولية دون غيرها، وحتى كليات التمريض مدتها أربع سنوات في معظم دول العالم”، وهنا يرى الأستاذ حسن النيفي رئيس المكتب السياسي السابق لمحافظة حلب الحر أن” تنظيم الدولة ليس لديه مشروع دولة، وإنما تنظيم ظلامي يفرض هيمنته بالقوة والشوكة، وماقام به هو تضليل للناس وادعاء بأنه يشجع العلم”.

وما يثير الاستغراب أنَّ التنظيم قام بإغلاق الجامعات الحكومية والخاصة التي كانت موجودة، ثم وجاء بجامعات وهمية، بدلاً من أن يقوم بالبناء على المنظومة التعليمية السابقة، وإصلاح الأخطاء فيها “هو بنسف التجربة التعليمية السورية برمتها” حسب النيفي،” الأَولى أن يتيح المجال للتعليم الابتدائي، ولا يقوم بخطواته التي فصّلت تعليماً يناسب أفكاره لضخ أجندته الظلامية في نفوس هذا الجيل، فهو غير محتاج لمتعلمين قد يؤثرون عليه في المستقبل، وإنما يريد أشخاصاً يحملون فكره وسلاحه دون تفكير”.

ولم يقف التنظيم على تعطيل المؤسسة التعليم بل يتهم القائمين عليها بالكفر والردة، متوعداً كل من يدرس المناهج الحكومية ولو بشكل سري بالعقوبات الرادعة، يقول المدرس أبو أحمد من ريف حلب: “ألزم التنظيم جميع العاملين في الحقل التعليمي على الخضوع لدورة شرعية، وقبل ذلك على إعلان التوبة عن تدريسهم المنهاج البعثي الكفري على حد زعمهم”.

كما أسهم التنظيم في العام الماضي بإغلاق جامعة الرقة الحكومية عقب تدخله المستمر ومضايقاته للهيئة التدريسية والطلاب، مما دفع وزارة التعليم في حكومة النظام لإغلاق الجامعة وحرمان آلاف الطلاب والطالبات من إكمال تعليمهم لعدم قدرتهم على الدراسة خارج مدينة الرقة، كما أصدر مجلس التعليم العالي قراراً في 12/1/2014م بإغلاق جامعة الاتحاد الخاصة في الرقة، ثم سيطر التنظيم مطلع العام 2014م على جامعة الاتحاد في منبج وحولها إلى ثكنة عسكرية ليقوم طيران الأسد والتحالف لاحقاً بتدميرها.

يقول حسن وهو طالب هندسة عمارة في جامعة الاتحاد” بدلاً من استثمار مبنى الجامعة كصرح علمي، تم إعطاء السكن الجامعي لعائلات التنظيم المهاجرة، وتحويل القاعات والمخابر لمستودعات وورشات لتخزين وتصنيع الذخيرة، علماً أن عمرو العبسي (أبو الأثيرـ والي حلب) كان طالباً في جامعة الاتحاد، واعتقل في عام 2006  ثم عاد إلى الجامعة ليس لاكمال دراسته، وإنما للسيطرة عليها وإيقاف مستقبل زملائه، فلم يترك التنظيم الجامعة تمارس عملها، ولم يستطع حمايتها أو إعادة تأهيلها”.

ولم يكتف التنظيم بإغلاق الجامعات، وتحويلها لمقرات عسكرية بل منع الطلاب الجامعيين من إكمال تعليمهم في الجامعات الحكومية أو الخاصة الواقعة تحت سيطرة النظام، فأي شاب أو شابة حتى لو لم يكن جامعياً لا يسمح له الذهاب لمناطق النظام، وتقوم حواجز التنظيم بأمره بالعودة للمدينة، يقول الطالب عمار م من ريف حلب: “كان المنع سابقاً في الإطار النظري، قبل أن يقوم التنظيم مؤخراً بمصادرة دفاتر خدمة العلم ووثائق التأجيل الدراسي والبطاقات الجامعية وتمزيقها وحرقها بدعوى عدم جواز الدراسة بالجامعات الكفرية”، والطالبات يمنعن من السفر دون “محرم شرعي”، وإذا عرف التنظيم أن سبب سفر الفتاة هو الدراسة أعادها مع المحرم الذي”يُهان”.

وأغلق التنظيم في هذا العام جامعة ابن خلدون الخاصة الواقعة في حي الحمدانية في مدينة منبج، وهي التي كانت أملاً ولو لعدد ضئيل من الطلاب، على الرغم من أن إدارة الجامعة حرصت على الالتزام بكل معايير التنظيم الضمنية والشكلية، ففصلت بين الذكور والإناث، ودعت التنظيم لحضور حفل افتتاحها لكن دون جدوى، يقول أبو خالد: “حضرت حفل افتتاح لجامعة ابن خلدون في الصيف الماضي وكان عدد من عناصر التنظيم في هذا الحفل، وعلى رأسهم أمير ديوان الخدمات البلدية) أبو محمد الألماني)، والذي ألقى خطبة عصماء عن تشجيع التنظيم للعلم، وأن تنظيم الدولة جاء للبناء وليس للهدم، ولكن المفاجأة كانت باغلاق الجامعة التي فصلت الذكور عن الإناث وأسست فيها كلية للتربية الإسلامية وهي متوافقة مع قوانين للتنظيم، ولولا هذا لما سمح بافتتاحها أصلاً”.

حاول التنظيم ردم كل مكونات العلم في مناطقه، فلم يكتف بإغلاق المدارس، بل جمع كافة السجلات والوثائق والكتب الموجودة في المدارس والجامعات وقام بحرقها، وأصدر تعميماً وزعه في الساحات والمساجد هدّد فيه رعايا الدولة الإسلامية من دراسة أو تدريس أي منهاج غير مناهج الدولة الإسلامية.. يقول الأربعيني أبو سامر من ريف حلب” أصبح طلب العلم نوعاً من التجارة المحرمة، فبات الأهالي المقتدرون يعتمدون على الدروس الخصوصية، ومن له قريب أرسل ابنه لمناطق النظام أو الثوار لإكمال دراسة الشهادة الثانوية”.

أعد التنظيم المناهج على عجل دون مراعاة للجوانب التربوية والمهنية والعلمية، فجمع عدداً من المدرسين الموالين له دون اعتبار توفر شرط الكفاءة، وأعدوا المناهج على هواهم، وتمثل الإعداد في تغيير بعض المواد القديمة وحذف مواد بأكملها.

وبالعودة للجامعات التي ينوي التنظيم فتحها وفي مقدمتها كلية الطب في الرقة ومقرها في بناء نقابة الصيادلة في منطقة الثكنة، يكاد يجزم الأكاديميون بفشل خطوات التنظيم، فالجامعات الحكومية التي عمرها عشرات السنين تعاني نزيفاً بالهيئة التدريسية نتيجة هجرة أعضائها، ولا سيما في الكليات العلمية، يقول الطالب الجامعي محمود: “أغلب الكفاءات والقامات العلمية في الجامعات السورية هاجرت، حتى أنّ بعض الكليات تستعين بمدرسي المرحلة الثانوية لتدريس طلاب المرحلة الجامعية الأولى، فكيف يفتتح التنظيم جامعة لا يتوفر فيها أساتذة، فطلاب قسم الجيولوجيا في فرع الحسكة يدرسهم مدرسو العلوم في المدارس الثانوية، إذ يقتصر التدريس على قراءة الكتاب المقرر دون إجراء التجارب والبحوث، وينسحب هذا الأمر على مختلف الاختصاصات، فأقسام التاريخ والجغرافية الجامعية باتت تزخر بمدرسي المرحلة الثانوية”.

أما كلية الطب التي أعلن التنظيم عنها فإنّ الواقع يحول دون نجاح المشروع لأسباب عدة أبرزها عدم وجود أطباء يدرسون في هذه الكلية، وإن توفر أطباء يدرسون في المراحل الأولى فإنه يستحيل فتح تخصصات لانعدام وجود المتخصصين، حيث أهالي هذه المناطق يتوجهون لمناطق سيطرة النظام للعلاج نتيجة عدم توفر الأطباء، يقول المحامي حسين م من مدينة الرقة: “قبل الثورة تفتقر المناطق الشرقية لأطباء من ذوي الخبرة، فالمواطنون كانوا يقصدون دمشق وحلب للعلاج، ولا سيما في الأمراض الصعبة”، ويستبعد الأكاديميون أن تصل هذه الجامعة لمستوى معهد صحي أيضاً، يتابع المحامي حسين” افتتاح كلية الطب ليس أمراً سهلاً، فالمسألة ليست قراراً سياسياً وقاعات درسية، إنما تحتاج لمدرسين مهرة، ومشفى رديفاً، ومخابر ومعدات وغير ذلك، كما أنّ المدة الدراسية (ثلاثة أعوام) برهان على فشل هذه الكلية، فالمعلومات والخبرات الطبية التي يمكن أن يحصلها الطالب في هذه السنوات لا تؤهله لأن يكون طبيباً عاماً، فما بالك بالمتخصص”.

يقول الطبيب محمد أ من ريف حلب الشرق” تقع المسؤولية على عاتق الأطباء الذين أيدّوا التنظيم ووافقوه على هذا المشروع دون أي دراية أو علم بالنتائج سواء لنظرتهم الضيقة أو لأمور أخرى، والمعاناة ستكون أعظم في حال درس هؤلاء الطب وتخرجوا، ولا سيما أن لدينا تجارب سابقة في سورية مع الذين اشتروا الشهادات من دول أوربا الشرقية”.

تشكل الأسباب الأمنية عبئاً إضافياً، فالرقة تتعرض لقصف شبه يومي من طيران التحالف، ناهيك عن العوامل الاجتماعية، فالتنظيم يلزم الطلاب المسجلين شكلياً الذين لم يتجاوزا المئة) وأغلبهم من حملة الشهادة الإعدادية) اتباع دور شرعية قبل أن ينسحب معظمهم نتيجة القصف المكثف في الفترة الأخيرة، مما شكل حاجزاً إضافياً أمام اللحاق بهذه الجامعة، يقول خريج الشريعة أبو أحمد من ريف حلب الشرقي “كان على التنظيم لو كان صادقاً بخدمة المجتمع الحفاظ على الأطباء الموجودين بدلاً من خلق العوامل والظروف الطاردة، حتى بات المواطن يخشى المرض لندرة الأطباء”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.