ألبسة

لانا جبر

لم يتوقف الضرر الذي لحق بصناعة الألبسة في سوريا عند ارتفاع تكاليف الإنتاج، وما رافقها من غلاء في أسعار الأقمشة والخيوط وكساد في المنتوجات والمستوردات، إنما ترافق ذلك مع إغلاق العديد من وكالات الألبسة الحائزة على ترخيص أجنبي أبوبها حتى إشعار آخر، بالإضافة إلى توقف العديد من المعامل المصنعة للألبسة عن الإنتاج في المناطق الساخنة، والتي يتركز معظمها في أرياف المحافظات كدمشق وحلب التي تشهد معارك وقصفتاً متواصلاً منذ أكثر من سنتين.
ولعل هذا التدهور إنما أرخى بظلاله على أسعار مختلف منتجات الألبسة في سوريا حتى متوسطة أو رديئة الجودة منها، مما جعل الغلاء يصل إلى مبالغ خيالية لم يعتد المواطن على رؤيتها أو سماعها سابقاً بالنسبة لسعر بنطال أو قميص على سبيل المثال.
وفي هذا السياق، لم يخفي مدير تسويق في إحدى شركات الألبسة بأن أسعار الألبسة بالنسبة لمدينة دمشق قفزت منذ نحو عامين أكثر من 100% عن أسعارها السابقة، وأرجع السبب إلى العديد من العوامل أهمها ضعف الانتاج بالنسبة للمعامل الكبيرة التي أغلقت معظمها، بالإضافة إلى توقف الاستيراد بنسبة كبيرة.
وتابع المصدر أن الماركات الأجنبية التي انتشرت في المحافظات الرئيسية قبل ثلاث سنوات بصورة كبيرة، إنما أغلقت خلال سنوات الحرب الواحدة تلو الأخرى، خاصة تلك التي تعتمد على استيراد منتجاتها من بلد المنشأ ذاته، كشركات لاكوست وزارا واستيفانيل وسيسلي، حيث بات وصول البضائع إلى سوريا عملية صعبة مليئة بالمخاطر، فضل وكلاء تلك الماركات عدم تحملها حسب ما وصف المصدر، في حين تبقى في سوريا اليوم الوكالات التي تصنع بضائعها محلياً فقط، أو التي تستورد من الصين حصراً.
وعلى اعتبار أنّ نسبة كبيرة من المعامل التابعة لشركات الألبسة أُغلقت بعد الدمار الذي لحق بأبنيتها، بفعل القذائف والاشتباكات، فقد اعتمد أصحابها على أسلوبين لمتابعة الانتاج حسب ما أوضح المصدر، الذي أشار إلى أن منها من استطاع نقل آلياته إلى مناطق هادئة نسبياً في قلب المدن كدمشق، في حين أنّ أخرى عملت على توزيع إنتاجها على الورشات الصغيرة التي باتت منتشرة بكثرة في المناطق الهادئة.
ولعل ما يجري بالنسبة لكبريات الشركاء إنما كان أثر بصورة إيجابية إلى حد ما على الورش الصغيرة التي باتت كثيرة في دمشق وريفها الخاضع لسيطرة النظام.
وقال صاحب إحدى الورشات المصنعة للألبسة في مدينة جرمانا، إن الطلبيات ازدادت مؤخراً وانتعش عملهم، على اعتبار أن الكثير من المحال والوكالات تعتمد عليهم بالدرجة الأولى.
إلا أن معوقات كبيرة تزامنت مع انتعاش العمل حسب ما وصف المصدر، الذي بين أن أهم تلك الصعوبات يتركز على غياب التيار الكهربائي لأكثر من 16 ساعة يومياً، وبالتالي يضطرون إلى الاعتماد على الموالدات الكبيرة التي تحتاج إلى مازوت للتشغيل، وهو غير متوفر اليوم إلا في السوق السوداء وبأسعار مضاعفة عن أسعارها الرسمية، مما يجعل التكلفة عليهم تتضاعف، مشيراً إلى أنه يشتري ليتر المازوت الواحد بين 250 إلى 300 ل.س.
وتابع المصدر أن الموضوع يتوسع أيضاً، ليطال النقص الواضح في اليد العاملة بهذه الصناعة، بالإضافة إلى صعوبة الحصول على الأقمشة اللازمة للإنتاج والخيوط التي ارتفعت أسعار المتوفرة منها في الأسواق، بالإضافة إلى أنَّ هناك أنواعاً غابت عن الأسواق بشكل كامل بسبب صعوبة استيرادها.
وأكد المصدر أن أسعار المواد الأولية اللازمة للإنتاج باتت تتقلب بين يوم وآخر متأثرة بأسعار الدولار في ظل غياب للرقابة على التجار والمستوردين لتلك البضائع، وهو ما يرفع من تكلفة الانتاج ويؤثر على سعر القطعة النهائي.
ومن جانبه، بيّن مواطن من دمشق فضل عدم ذكر اسمه، أن أسعار الألبسة المتداولة اليوم في الأسواق العادية لم “نكن نراها أو نسمعها إلا في الماركات الأجنبية والمولات”، فبات أقل سعر لبيجامة متوسطة الجودة 12000 ل.س في حين يصل سعر بنطال الجينز الرجالي إلى 5000 ل.س، حيث كان سعرها سابقاً لاي تجاوز الـ 2000 ل.س.
ولعل هذا “الجنون” بالأسعار كما وصفه المصدر، طال أيضاً أسعار الجوراب، التي تراوح ثمنها اليوم بين 600 إلى 800 ل.س، في وقت كانت أفضل الأنواع تباع في سوريا التي تعتبر من أوائل البلدان المنتجة للقطن بـ 200 ل.س.
أما عن العروضات والتخفيضات التي تنتشر هذه الفترة في الأسواق، أكدت عدّة مصادر من المدينة أنها ليست سوى تخفيضات “وهمية” على اعتبار أن سعر القطعة بقي مرتفعاً حتى بعد التخفيض الذي وصلت نسبته إلى 70% لدى بعض المحال.
وجعل هذا الوضع الشريحة الأكبر من السكان تلجأ إلى الأسواق الشعبية كالحميدية، كما أثّر على سوق البالة (الملابس المستعملة) التي انتعشت بدورها جراء عدم قدرة الأسرة على تحمل تكاليف إضافية خاصة بالنسبة لشراء ألبسة لأطفالها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.