مدونات

دلير يوسف

“رحلة بحث عن المدونات السوريّة وظهورها وانتشارها والبحث في أسباب تراجع هذا النمط من الكتابة مؤخراً”

ظهرت أولى المدونات السورية مع بداية الألفية الجديدة، أو بصورة أدق مع نهاية الألفية السابقة في العام 1999، ثم تتالى ظهور المدونات والمنتديات مع ازدياد انتشار استخدام شبكة الانترنت في سوريا وقدرة الوصول إليها بشكل أسرع، لتصل المدونات السورية إلى ذروتها من حيث عدد المتابعين والمدونين في نهاية العام 2010 وخلال عام 2011.

اشتهر من المدونات السورية “الفردية” مدونة “حشيش سوري”  حيث وصل عدد المعجبين بصفحة المدونة على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك إلى (296155) شخصاً لحظة إعداد هذا التحقيق.

كما اشتهرت المدونة طل الملوحي المعتقلة لدى النظام السوري منذ ديسمبر/ كانون الأول 2009، حيث تمتلك الملوحي ثلاث مدونات، هي “مدونتي، رسائل، القرى الفلسطينية المهجرة”، ويرجح إن اشتهار مدونات طل الملوحي يرجع إلى ملابسات اعتقالها واتهامات النظام السوري لها بـ “التخابر مع الكيان الصهيوني”.

هذا بالإضافة إلى العديد من المدونات الشخصية التي حظيت بمتابعة جيدة خاصة خلال فترة الثورة السورية وبشكل أخص في السنتين الأولتين من عمر الثورة، وعلى سبيل المثال لا الحصر مدونة أمواج اسبانية في فرات الشام، مدونة رزانيات، مدونة لمحات، مدونة بلا اسم، وكثير من المدونات الأخرى لا مجال لذكرها الآن.

أما المدونات الجماعية فكانت أبرزها على الإطلاق هي مدونة “المُندسة السورية” التفاعلية بدرجة كبيرة مع عدد كبير من المقالات والمواضيع المختلفة بشتى الصيغ الأدبية والتدوينيّة، وذلك قبل أن يتراجع الاهتمام بها مؤخراً.

بعض المدونات الجماعية الأخرى كان لها حضور جيد وعدد متفاوت من المتابعين قد يصل إلى عشرات الآلاف في بعض الحالات، من هذه المدونات مدونة دحنون.. سوريا فوق الجميع، مدونة كبريت، مدونة بلوكة.. وغيرها.

الكثير من المدونات السورية كانت تحمل طابعاً إسلامياً، إذ لا يمكن إنكار أنّ الشباب المسلم ساهم بشكل كبير في رفع نسبة المدونات الناطقة باللغة العربية، كما أنّ المدونات ذات الهم الرقمي (المتخصصة في مجال الكومبيوتر أو الموبايل أو نظم التشغيل… إلخ) كان لها نصيب كبير من عالم التدوين السوري. لا بدّ لنا أن نذكر هنا بأنّ أحد أهم المدونين العالميين في مجال تطوير نظم التشغيل مفتوحة المصدر باسل خرطبيل (الصفدي) ما زال معتقلاً عند النظام السوري منذ آذار/ مارس 2012، بالإضافة إلى الكثير من المدونين الآخرين كالمدون حسين غرير المعتقل منذ شباط/ فبراير 2012.

ربما لم تصل المدونات السورية إلى حجم وقدرة تأثير مدونات أخرى في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كبعض مدونات تونس والمغرب ومصر، بل وحتى كمدونات لبنان والتي تؤثر في حركة المجتمع المدني اللبناني بشكل مباشر، لكن ورغم ذلك فإن المدونات السورية قد شاركت في حملات جماعية عابرة لحدود الدول كحملة “أسير من أجل الأسير” والتي تم من خلالها ربط أسير سوري لدى نظام الأسد مع أسير فلسطيني لدى السلطات الإسرائيلية، أو حملة دعم معتقل الرأي البحريني عبد الهادي خواجة، فضلاً عن حملات مشتركة قامت بها بعض الحملات السورية مجتمعة ساهمت برفد الحراك المدني السوري كحملة “الحرية لمعتقلي المركز السوري للإعلام وحريّة التعبير.”

أسباب ظهور وانتشار التدوين في العالم معروفة، زد عليها في سوريا تعقيدات الوضع الذي آلت إليه البلاد بعد انطلاق الثورة السورية في آذار عام 2011، ورغبة فئات كثيرة من الشباب في التعبير عن آرائهم بعد كسر جدار الخوف من النظام السوري، بالإضافة إلى عدم وجود أجهزة إعلامية مما حوّل المدونين في هذه المدونات وبالأخص الجماعية منها إلى قادة رأي بشكل نسبي، أو على الأقل إلى محركين في مستنقع الكتابة السورية الجديدة، إلا أنّ الأمر تراجع بشكل كبير بعد العام 2012، وقد يرجع ذلك إلى أعداد الصحف الكبيرة والإذعات الكثيرة التي فتحت المجال مؤخراً أمام بعض المدونين للعمل الصحفي.

في نفس السياق يرى المدون السوري (ياسين السويحة) في حديثه مع موقع الحل السوري أنّ تأثير انخفاض التدوين هو ظاهرة عالمية وليست محلية، لكن طرق التعبير اختلفت وذلك يرجع إلى وجود شبكات اجتماعية تفاعلية لحظية ومباشرة وجماهيرية بشكل أكبر، علماً بأنّ الناس “تكتب وتعبر بكثافة أكبر بكثير” وأن “الناحية الثقافية والإبداعية على الصعيد الإلكتروني اليوم أفضل من الوقت التي كانت فيه محصورة بالمدونات والمنتديات.”

بينما يختلف الروائي والمدوّن السوري مناف زيتون مع ذلك إذ يقول إن “المدونات السورية لم يكن لها في الأساس أي أثر على أي شيء في البلاد، ربما تلعب دوراً في السجالات السياسية في الخارج، لكن في الداخل السوري أثر المدونات لا يتجاوز تحقيق بعض المكاسب المعنوية للمدونين.”

أحد أهم أسباب تراجع التدوين السوري يعود إلى تحول معظم المدونين السوريين إلى مشتغلين في الكتابة، وتحولت الكتابة بالنسبة إليهم إلى حرفة يعتاشون منها، كالمدون ياسين سويحة والذي تحوّل مشروعه الكتابي من مدونته أمواج اسبانية في فرات الشام إلى مشروع أكبر وهو موقع الجمهورية لدراسات الثورة السورية، فبعد أن كان التدوين هواية يمارسها إلى جانب دراسته، تحولت الكتابة بالنسبة لسويحة إلى حرفة ولم يعد يجد الوقت الكافي للتدوين رغم تمنيه ذلك، حسب تعبيره.

المدون مناف زيتون هو المدون الرئيسي في مدونة بلوكة، زيتون تحول إلى الكتابة الاحترافية من باب الرواية، حيث أصدر حتى الآن روايتين، قليل من الموت، وطائر الصدى، لكن انصراف زيتون عن التدوين يعود حسب تعبيره إلى أنّهم في مدونة بلوكة لا يمجدون الكراهية وبالتالي “عدم وجود من يقرأ أو يموّل.. طلبنا تمويلاً من عدة جهات ثقافية تدّعي دعم المشاريع الثقافية السورية، وكان التمويل يذهب لمشاريع أخرى ذات طابع سياسي أقل ما يمكن أن توصف به مستويات منتجهم أنّها ساذجة، بلوكة لم يكن مناسباً للحرب على ما يبدو، فأخلينا الساحة، كما اضطر الجميع في الداخل، للكراهية.”

ربما كانت وسائل التواصل الاجتماعي (فيس بوك، يوتيوب، سكايب، تويتر) قد ساهمت عن طريق انتشارها الكبير في الحد من تأثير التدوينات واختفاء عدد كبير من المدونات عن العمل، فضلاً عن الوضع العام الذي يعيشه السوريين من ظروف اعتقال وتهجير وقتل مما ساهم في “قتل” رغبة الكثير من المدونين في الكتابة، لكن لا بد من التنويه إلى أنّ التدوين في سوريا وتاريخه وإصدارات المدونين بحاجة إلى بحث تفصيلي أكبر للمساهمة في الوصول إلى فهم أعمق للواقع الثقافي السوري والذي يشكل التدوين رافداً مهماً له، وخاصة بعد تحول الكثير من المدونيّن السوريين إلى كتاب محترفين.

 

 

 

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.