داعش1

محمد رشو

تحرّك التحالف الدولي فضرب بقوة في سنجار لحماية الإيزيديين، ثم وسّع عملياته فحمى حدود كوردستان العراق من شرقها إلى غربها، وكثّف غاراته في سوريا لتحرير كوباني (عين العرب)، والآن ينشط بشكل أساسي لحماية الآشوريين في ريف الحسكة. بينما عملياته بقيت محدودة في الموصل والرقة مركزَي التنظيم الإرهابي، الذي أعلن التحالف بحجته “محاربة الإرهاب”، ولم تصل طائراته إلى اللاذقية ودمشق حيث رأس النظام الذي قتل أضعافاً مضاعفة مما قتل التنظيم الداعشي، وشرّد ما لا يقلّ عن ستة ملايين إنسان.

إذاً من تعتبرها الأكثرية العربية السنّية “أقليات” تداعى المجتمع الدولي برمّته لحمايتها، متناسين أن أكثر من تضرّر حالياً ومستقبلاً من إرهاب الجماعات الراديكالية الإسلامية “السنّية” هم ذاتهم أهل السنة الذين نضجت في بيئتهم الحاضنة بذور هذه التنظيمات لأسباب كثيرة على رأسها ممارسات الأنظمة الحاكمة؛ ففي العراق كان هناك نظام المالكي الطائفي الذي شيّع الجيش والدولة بحجّة “اجتثاث البعث”، وفي سوريا نظام الأسد الذي كبت على نَفَسهِم بحجة ملاحقة الأخوان المسلمين نظرياً، وخوفاً من الأكثرية السنّية على مكتسبات الطائفة الحاكمة عملياً، ناهيك عن باقي الدول المصدرة والممولة للراديكالية، والتي تنمّي الإرهاب لديها ليمارس ما تدرّب عليه خارج أراضيها وفق ما يخدم مصالحها.

قد يكون الفكر الأصولي المنحرف الذي تتبنّاه الدولة الإسلامية (داعش) له جذوره المتعمقة في التاريخ الإسلامي، و التي يستغلها التنظيم خير استغلال في تبرير إجرامه، ويعود ذلك إلى عدم وجود مراجعات جادة لهذا التاريخ، وللثقافة التي تقف عند أخطاء الماضي وانحرافات الفكر الإسلامي وحتى الطرق التي اُتُّبِعَت في نشره وما رافقها، مراجعة تتم بإتباع منهج ذو نظرة موضوعية بعيدة عن التحيز الديني أو القومي.

ما سبق يمكن أن يفسّر ظهور ونمو التنظيم في البيئة المحلية، ولكنه لا يقدم التبريرات اللازمة لاستيراد الإرهابيين من دول تنعم بحقوق المواطنة والديمقراطية، إذ يمكن أن نرجع أسباب ظهورهم في هكذا مجتمعات إلى عدة أسباب منها حالة عدم الإندماج التي يعاني منها الكثير من المهاجرين والمورثَّة إلى أبنائهم، الأمر الذي أدّى إلى نمو حالة التزمّت الديني الناتج عن الانغلاق والشعور السلبي بالاختلاف، أو حب المغامرة وتغيير الروتين لدى أوربيي الأصل والذين ليس من المنطق أن يكونوا مؤمنين بأفكار داعش، وهم حتى من غير المجيدين للغة العربية أو المطّلعين على الفقه الإسلامي.

أما المجتمع الدولي فبدلاً من معالجة مصادر الإرهاب قام بتنميته من حيث لا يدري، فالتدخل الدولي في أفغانستان والصومال والعراق وسوريا استهدف بشكل أساسي السنّة دونما غيرهم، الأمر الذي وطّد مفهوم “المظلوميّة السنّية”، ودفع الطائفة إلى الالتفاف حول كل من يرفع راية نُصرتها، خاصة وهي ترى أن المجتمع الدولي -على سبيل المثال- يفاوض إيران على نسب تخصيب اليورانيوم المرصود بكاميرات الهيئة الدولية للطاقة النووية، ويكتفي ببعض العقوبات الاقتصادية، بينما اجتاح ذات المجتمع الدولي العراق بحجة أسلحة دمار شامل لم تُكتشف حتى بعد أكثر من عشر سنوات على الاجتياح.

قد لا يروق ظهور داعش السابقة للبعض، وهذا طبيعي، خاصة لمن لا يرى حركة الكون إلّا عبر نظرية المؤامرة، النظرية التي تفسّر فقره وتعاسته وغنى جاره وسعادته، تفسّر تخلّف بلده وفساد منظومة حكمه بل و تبررها أيضاً، وبإمكانها تفسير كل ما يعجز عقله عن أن يفسّره، وتبرير كل ما لا يقبل تبريره، خاصة إن افتقد العقل لآلية التحكيم والقدرة على النقد الذاتي بسبب سلسلة محكمة من الممارسات المجتمعية التي تجعل بعض الأمور خارج نطاق النقد حتى لو كانت مصدر الشرور.

لا أحد ينكر الظلم الذي لحقت بالطائفة السنّية، وحالة القهر التي تعاني منها في بعض الدول، والتي أدت إلى نمو حالات مشوّهة عن التفكير السليم، تبنّت السلفيّة الجهاديّة كفكر مخلّص لها، مع شيطنة كل ما يأتي من الغرب، والحلم بأمجاد السلف الصالح. وهذه نتيجة طبيعية لتراكم أخطاء أكثر من ألف وأربعمائة سنة من تاريخ غير منقّح، وسبل جهادية لم تخضع للمراجعات من منظور إنساني، وشيوخ و فتاوى لم يُحكّم النقد فيها لما أحاط بقائليها من هالة قدسية متناسبة مع تخلف مجتمعاتها، وامتدت إلى عصرنا الراهن بسبب شيوخ التقليد وعلماء المنقول.

ادّعاء المظلوميّة فقط غير قادر على تبرير الانحراف الفكري، وخير دليل على ذلك القيامة الألمانية بعد هزيمة الحرب العالمية الثانية، والنهضة الصناعية اليابانية بعد الدمار النووي الذي لحق بها، في كلتا الحالتين لم تبرز النزعات الراديكالية، بل تمّت مراجعات فكريّة جذرية جعلت من هاتين الدولتين في ما هما عليه الآن، بالتالي، ألم يحن الوقت بعد لكي نبدأ بمراجعتنا الذاتية؟.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.