طلاب غزة يلتحقون بمدارسهم رغم الدمار الذي خلفه الاحتلال+ فيديو

دلير يوسف

 السطور التالية هي محاولة لتسليط الضوء على واقع التعليم في سوريا بشكل عام وفي مقاطعة عفرين ذات الأغلبية الكوردية بشكل خاص

طفلٌ سوري بلغَ السادسة من العمر في العام 2011 (سن دخول الطفل السوري إلى المدرسة)، قُصفت مدرسته ولم يكمل تعليمه. الآن نحن في عام 2015 الطفل بلغَ العاشرة من عمره ولنفترض أن “الأزمة” لم تُحل حتى السنة القادمة، أي أن الطفل سيتجاوز عشر سنوات، وحسب منظمات الطفل ومنظمات التعليم فإن تعريف الشخص الأُمي هو من بلغ العاشرة من عمره ولا يعرف القراءة والكتابة.

هذه هي الكارثة التعليمية السورية يا سادة.

الوضع التعليمي لا يطاق بالطبع إلا أنّه وبفضل بعض الجهود الفردية ظهرت بعض المبادرات التي ساعدت في صنع مؤسسات تعليمية وإن على نطاق ضيق في المناطق التي لا يسيطر عليها النظام السوري، كمجموعة غصن زيتون العاملة في درعا وما حولها، وبعض المبادرات في الغوطة الشرقية.

أنجح هذه المحاولات هي محاولة الاستمرار في عملية التعليم في المدارس الحكومية في منطقة عفرين الواقعة جغرافياً في الشمال السوري موازية للحدود التركية من جهة مدينة حلب، وهي إحدى المقاطعات الثلاث الرئيسية المكونة لمناطق الإدارة الذاتية الكوردية في سوريا “روج آفا”.

الحالة التعليمية في عفرين، مقارنة بالظروف التي تعيشها سوريا حالياً، جيدة والمستوى التعليمي جيد وجميع مدارس “مقاطعة عفرين” تشهد ازدحاماً بأعداد الطلاب. أحوال المدارس في عفرين صعبة استطعنا حصر مشكلاتها بعدد من النقاط الأساسية بعد حديثنا مع عدد من الأساتذة العاملين في القطاع التعليمي في عفرين. أولى المشكلات تتعلق بالخدمات الرئيسية اللازمة لعمل المدارس، فصعوبة تأمين المقاعد والطاولات والسبورات ومواد التنظيف إضافة إلى صعوبة إصلاح النوافذ والأبواب والمراحيض في حال تعطلت فضلاً عن عدم توفر المياه النظيفة اللازمة للشرب وانقطاع الكهرباء الدائم، وهنا نستطيع القول بأنّ ما يتم تقديمه لا يتجاوز 40% من احتياجات المدارس في الحالة الطبيعية هذا رغم أن هيئة التربية في مقاطعة عفرين لا تتوانى عن تقديم الدعم اللازم إلا أن إمكانات الهيئة تعتبر إمكانات ذاتية لا يمكنها سد فراغ الحاجة الكبيرة.

كما تجدر الإشارة إلى عدم قيام الكادر التدريسي السابق بدوره الأساسي في عملية التعليم، لذا يتم الإعتماد على الإمكانات الذاتية و”الكوادر الوطنية” وهو أحد أسباب تغيير المناهج إلى اللغة الكوردية شيئاً فشيئاً، وذلك حسب ما صرح به السيد رياض منلا محمد رئيس هيئة التربية والتعليم في مقاطعة عفرين للحل السوري.

الحصار المفروض على مقاطعة عفرين منذ أكثر من ثلاث سنوات ساهم بـ “دهورة” العملية التعليمية كما في باقي مجالات الحياة في عفرين، أضف إلى هذه المشكلات عدم القدرة على توفير الكتاب الكوردي والعربي، كذلك مشكلة عدم الاعتراف بالشهادات الصادرة عن المقاطعة كونها تصدر عن هيئة التربية والتعليم في مقاطعة عفرين وليس عن وزارة التربية السورية (وزارة حكومة النظام وليس وزارة حكومة الائتلاف)، وتبرز هذه المشكلة لدى الطلاب المتقدمين للحصول على شهادتي التعليم الأساسي والتعليم الثانوي، فلا هم قادرون على السفر إلى مناطق سيطرة النظام بسبب الحصار المفروض ولعدم وجود الأمان اللازم أثناء تنقلهم وإقامتهم في مناطق النظام، ولا هم قادرون على مواصلة التعليم في مقاطعة عفرين.

في شهر تشرين الأول من العام 2014 أوردت بعض وكالات الأنباء قراراً لحكومة النظام السوري يقضي بإيقاف رواتب المدرسين في مدينة عفرين، وأرجعت بعض الوكالات ذلك القرار إلى بدء مقاطعة عفرين بتدريس اللغة الكوردية في مدارس المقاطعة، إلا أنّ منلا محمد رئيس هيئة التربية والتعليم نفى ذلك في حديثه معنا “لم يتم توقيف رواتب معلمي عفرين أبداً لكن يتم التأخر بصرفها عدداً من الأيام”، وأن اللغة الكوردية قد تمّ اعتمادها في العام الدراسي 2012-2013 وفي العام الدراسي الحالي 2014-2015 يتم تطبيق منهاج كوردي كامل من الصف الأول الإبتدائي وحتى الصف الثالث الإبتدائي للمكون الكوردي، بينما المكون العربي في عفرين بقي يدرس منهاجه باللغة العربية.

وبالإضافة إلى تأخير صرف رواتب المعلمين، فالمعلم الذي يحصل على راتبه من مديرية تربية حلب يرى “الذل بكل أشكاله” حتى يحصل على راتبه وذلك حسب تعبير بعض المعلمين أثناء إجابتهم عن أسئلتنا، أما معلمو اللغة الكوردية فأولئك يعملون بشكل مجاني منذ أكثر من سنتين حتى الآن.

رغم هذه النقاط المضيئة نسبياً في سير العملية التعليمية (كاستمرار عملية التعليم في عفرين رغم الصعوبات) على امتداد الجغرافيا السوريّة، إلا أنّ الكارثة التعليمية عظيمة، ولن تنتهي برحيل النظام أو بأيّ حل آخر لهذه “الأزمة”. فالأزمة الحقيقة مستمرة والقادم أعظم، فالجيل السوري القادم هو جيل أُمي بشكل كبير، والأميّة هي الأساس الذي سيبنى فوقه كل مشاريع التطرف والإرهاب مما يجعل سوريا “المستقبل” منبعاً لحركات وتيارات ستكون “داعش” شيئاً صغيراً أمامها.

هذه حقائق أوردتها منظمات الطفل والتعليم الدولية، فأكثر من 40% من الأطفال السوريين لا يتلقون تعليمهم في المدارس، والبقية يجازفون بحياتهم يومياً للوصول إلى مدارسهم والتي تعرضت أكثر من ثلاث آلاف مدرسة منها إلى التدمير، أو لحقت بها الأضرار بشكل كلّي أو جزئي. هذا بالإضافة إلى النازحين من المناطق المنكوبة الذين يشغلون حوالي ألف مدرسة أُخرى.

الأميّة هي الكارثة السورية الحقيقية التي تهدد مستقبل البلاد، ومستقبل المنطقة بشكل عام. الجهل والأميّة هي المرض الأصعب الذي يجب معالجته في الجسد السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.