الأم

لانا جبر

هو العام الرابع لعيد الأم يمر بمزيد من أوضاع إنسانية واقتصادية صعبة على السوريون، فلم يعد طابع الفرح هو الطاغي على هذه المناسبة أو غيرها، ولم يعد بالإمكان أن يسارع الأبناء للاحتفاء بأماتهم وتقديم الهدايا لهن، بل وربما تحول هذا العيد إلى أكثر المناسبات حزناً ورحى الحرب ما تزال تعصف في البلاد وتقتل من أمهاتها وأبنائها.

ولعل ما أشارت إليه آخر الإحصائيات حول أعداد ضحايا الحرب السورية والتي خلصت إلى أن هناك أكثر من 10000 طفل قضوا في سوريا خلال السنوات الماضية، وما يزيد عن 6000 أنثى فوق سن الثامنة عشر قتلت، كفيل برسم صورة واضحة لكيفية قضاء السوريين لعيدهم أمس… المقابر امتلأت بالزائرين سواء بأمهات توجهن لزيارة أبنائهن الذين قتلوا فحرمن من الاحتفال معهم في هذا العيد، أو بأبناء لم يعد لهم سوى مثوى أمهاتهم وتراب القبور للمعايدة.

أم كنان فضّلت أن تقضي جلّ يومها بجوار قبر ابنها الذي قضى وهو في العشرين من عمره جراء إحدى التفجيرات التي طالت مدينة جرمانا بريف دمشق، ورأت أن قضاء تلك الساعات بجانب مثواه أدخل إلى قلبها شيءً من السكينة والاطمئنان، لتكون ذكريات السنين الماضية المكان الأمثل الذي احتفلت من خلاله مع ابنها بعيد الأم. أما رولا فكان الوضع معاكساً حيث فقدت هي وإخوتها أمهم العام الماضي بعد أن أصابتها شظية إحدى القذائف، فكانت المناسبة “موجعةً” لهم، حسب ما وصفت.. هو العيد الأول الذي يمر وأمهم بعيدة، وبالتالي تحوّل قبرها إلى المكان الذي ستجتمع فيها العائلة كل عام، وباتت الزهور هي الهدية الوحيدة التي يمكن تقديمها لها من بعد اليوم.

بالنسبة للمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة كقرى وبلدات غوطة دمشق وغيرها حيث تقصف بشكل متواصل ويومي من قبل قوات النظام التي تحصد يومياً العشرات من القتلى جلّهم أطفال ونساء، فالقصص تبدو أقسى، حيث حرمت الأمهات والأبناء في تلك المناطق حتى من قبور يدفن أحبائهم فيها، فكان الألم مزدوجاً، والهدية غائبة..

أما من حاول أو يحتفل بأمه في هذه المناسبة لاسيما بالنسبة للأسر التي تعيش في المناطق الأكثر أمناً والبعيدة نسبياً عن المعارك الساخنة، كمدينة دمشق فكان للعامل الاقتصادي وتدهوره دور أيضاً في غياب مظاهر العيد، حيث اقتصر الاحتفال على المعايدات واجتماع العائلة في منزل الوالدين، في حين أن الهدية كانت غائبة… في هذا الإطار قال أحد الشبان إنه مع وصول سعر الدولار إلى 257 ليرة سورية وارتفاع أسعار مختلف المواد في الأسواق من ألبسة إلى حلويات وحتى الأزهار، باتت الهدية مكلفةً لمعظم الأسر السورية، مشيراً إلى أن أسعار قوالب الكاتو على سبيل المثال تبدأ من 5000 ل.س وما فوق، في حين أن أقل قطعة ملابس تبدأ من 3000 ل.س، وهو مبلغ بات يثقل كاهل الأسر، ما جعل العيد مقتصراً على اجتماع العائلة فقط. أما الخروج إلى المطاعم فكان حكراً على طبقة معينة، كما بينت السيدة ربا، التي أشارت إلى أن بعض مطاعم العاصمة عجت بالمرتادين الذين ينتمون إلى الشريحة الميسورة، على اعتبار أن فواتيرها باتت مرتفعة جداً مقارنة مع مدخول الموظفين، حيث تبدأ أسعار الوجبات في مطعم متواضع من الـ 1000 للشخص الواحد، وهو ما بات يعتبر مبلغاً “ضخماً” بالنسبة للكثيرين. في حين أن الأسواق تعاني من روكود في حركة البيع والشراء وكساد في البضائع، حسب ما روت مصادر من العاصمة، حتى في أكثر الأسواق شعبية كسوق الحميدية، حيث بات الناس يرتادون الأسواق كنزهة لكسر الروتين اليومي وليس للشراء أو التبضع، حتى في مناسبات كعيد الأم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة