-

بيروت – رامز أنطاكي

السفارة السورية في لبنان، بدل أن تكون كعادة السفارة لمواطنيها محطة توفر للسوريين في لبنان شعوراً بالأمان والدعم والمساعدة، صارت تشكل هماً وقلقاً وشعوراً بالمهانة لبعض من يراجع سفارة بلده لتمديد أو تجديد جواز سفره أو تصديق أوراق أو تأجيل خدمته العسكرية الإلزامية…

من الواضح للمعنيين أن قدرة السفارة محدودة حالياً، وهي قاصرة عن خدمة ما يقارب مليون ونصف من السوريين في لبنان، نظراً لصغر مساحتها وعدد الموظفين المحدود فيها، بالإضافة للبيروقراطية والروتين الإداري اللذين نقلتهما السفارة معها من سورية إلى لبنان كما عبّر العديد من مراجعيها، وبالتالي فإن قصور السفارة المذكور عن أداء مهامها يتسبب بازدحام كبير للمراجعين على أبوابها وأيضاً بتعامل مهين ولا إنساني معهم، بالإضافة إلى انتهاك للخصوصية الشخصية في بعض المرات من قبل عناصر الجيش والأمن العام اللبناني.

خمسة نوافذ حالياً للمراجعين في السفارة: واحدة لتصديق المعاملات والأوراق، وأخرى لمعاملات الزواج والشؤون العائلية المشابهة، ونافذة للأجانب، فيما تبقى نافذتان مخصصتان للمراجعين في شؤون جوازات السفر.

شاب سوري من مراجعي السفارة رفض الكشف عن هويته، يروي من خلال تجربته الشخصية أن تعامل الجيش اللبناني مع السوريين قرب السفارة كان جيداً رغم الازدحام الشديد، ولكنه اشتكى من قيام بعض عناصر الأمن العام المولجين بأحد الحواجز هناك بتفتيش الهواتف الخليوية للمواطنين السوريين، حيث يقومون بمراجعة الصور المحفوظة على ذواكر هذه الهواتف، وهو الأمر الذي اعتبره انتهاكاً لخصوصيته دون موجب أو حق، وإن كان عبّر عن تفهمه للتشدد في الإجراءات الأمنية نظراً لقرب موقع السفارة من وزارة الدفاع اللبنانية.

يشير هذا الشاب المتحدر من المنطقة الجنوبية في سورية إلى أنه على من يريد مراجعة السفارة الواقعة في منطقة اليرزة لأمر ما أن يخصص يوماً كاملاً لذلك، وخصوصاً في الفترة الممتدة من أول شهر كانون الثاني إلى منتصف شهر آذار، حيث يكون الازدحام مضاعفاً بسبب تخصيص هذه الفترة من السنة لتجديد تأجيل خدمة العلم الإلزامية للسوريين المغتربين، ويتحدث هذا الشاب عن أن عناصر الدرك اللبناني الموجودين عند باب السفارة يقومون بتسجيل أسماء المراجعين السوريين الذين يشرعون بالتوافد منذ الخامسة صباحاً أحياناً ثم ينظمون دخولهم بالدور حين تفتح الأبواب، ومن ينجح بدخول حرم السفارة عليه أن ينتظر دوره الذي عادة ما يكون غير منظم إلا في بعض الحالات مثل المتقدمين للحصول على “وثيقة إثبات إقامة”، ويشير الشاب هنا إلى عدم توفر امكانية التحقق من التزام الموظفين هناك بتراتبية الدور فعلاً مما يسمح للموظفين بالتلاعب به.

يحصل كثيراً أن يعود المراجع خائباً بعد انتظار ساعات طويلة لنقص بسيط في أوراقه، ولذا فمن المفيد بحسب هذا الشاب أن يتوفر موظفون يتحققون أولياً من أوراق المراجعين كي لا ينتظروا طويلاً دون نتيجة، أي كما يجري في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مما يوفر وقتهم وجهدهم ويخفف من الازدحام، وبما أن هؤلاء الموظفون المدققون غير متوفرون حالياً ينصح بأن يستعين المرء بخبرات معارفه وأصدقاءه وبعض الصفحات المخصصة للسوريين في لبنان على مواقع التواصل الاجتماعي كي يتأكد قبل ذهابه لإجراء معاملة ما من أن أوراقه كاملة لا يعتريها نقص قد يلزمه تكرار الجهد مرة أخرى.

ربيع أبو عيار بدوره كان عليه مراجعة السفارة كمواطن سوري في لبنان كي يقوم بتصديق بعض الأوراق، يحكي ضاحكاً كيف سمع العسكري اللبناني قرب مدخل السفارة يصيح بأعلى صوته متوجهاً السوريين المزدحمين أما بابها: “من لديه واسطة أو معرفة بشخص ما داخل السفارة عليه أن يتصل به الآن ليسهل دخوله”، ويعتبر أن تعامل عناصر الجيش اللبناني مع المواطنين السوريين رغم سلبيته أحياناً يبقى أفضل من تعامل موظفي السفارة مع المراجعين، ويقول “تحس أنك تدخل إلى فرع أمن في سورية، لا إلى سفارة دولة… ربما الأمر متعلق بعامل نفسي ذاتي أكثر مما هو موضوعي، لكنه شعوري في النهاية”، ويردف مؤكداً رغم ذلك أن لا شك لديه بسوء وضع السفارة والخدمات التي تقدمها على أي مقياس من المقاييس، من أعظمها تشدداً إلى أكثرها تساهلاً.

تكرار أخطاء الموظفين في المعاملات والأوراق التي يطلبها المراجعون تجعل البعض مضطراً لمراجعة السفارة مرة ثانية ليقوموا بتصحيح الخطأ الأول الذي لا يتحملون هم مسؤوليته، وهي أخطاء متوقعة نظراً للضغط الهائل من المراجعات التي تتعامل معها السفارة، ويشبه ناظم اللبناني من أم سورية الذي يتردد إلى السفارة نظراً لطبيعة عمله كمسير معاملات في بيروت، دور السفارة السورية في لبنان بدور مجموعة كاملة من الأجهزة والمؤسسات الحكومية السورية في محافظة متوسطة عدد السكان ضمن سورية، فعدد اللاجئين السوريين في لبنان يناهز عدد سكان بعض المحافظات السورية، وفي هذه المحافظات تتوفر دوائر حكومية لكل نوع من أنواع المعاملات، لكنها تجتمع كلها سورية في سفارة واحدة بخمسة شبابيك للمراجعين.

كما في سورية كذلك في لبنان، فـ “الواسطة” متوفرة والرشوة ممكنة كي يتمكن من يشاء ويرغب ببذل المقابل المناسب ليسرّع قضاء أموره ويتجاوز الدور الطويل، ويستطيع من يشاء أن يسأل معارفه وأصحابه من السوريين في لبنان ليصل بجهد بسيط إلى من يقدر أن يوفر عليه هم ّمراجعة السفارة في كثير من الأمور، ليقوم هو عنه بمراجعة السفارة وتأمين ما يلزم لقاء بدل مالي، وهذا ما يحصل أمام عيون المراجعين “العاديين” للسفارة كل يوم، فمراجع يأتي برفقة فلان ويتجاوز كل الدور، وذاك يأتي يومياً بمجموعة من الأوراق ليتم تصديقها بسرعة ثم يخرج من السفارة في رحلة لا تستغرق أكثر من ساعة بحسب عدة شهادات لسوريين عاينوا هذا الأمر في أيام مختلفة.

يعتبر المرء أن سوء خدمات السفارة رغم البدلات المادية التي تتقاضاه بالدولار الأميركي أمر مقصود لجعل السوريين “نادمين على ما فعلوه بحق النظام، وكي يشعروا ألا بديل لديهم عن العودة إلى حضن الوطن”، وعلى أي حال من الهم المعيشي إلى القلق على الوطن وقرارات معاملات إقامة السوريين في لبنان وصولاً إلى السفارة السورية في لبنان وخدماتها البطيئة والسيئة، يلاحق الهمّ المواطن السوري أينما استدار وأينما رحل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.