طرقات

لانا جبر

لم يعد التنقل بين المحافظات مهمةً سهلةً على المواطنين المضطرين، فالطرقات باتت محفوفة بالمخاطر، وعمليات السرقة والخطف انتشرت مهددة حياة المسافرين والسائقين، فضلاً عن ارتفاع تكاليف النقل بشقيه البري والجوي، وارتباطه بمدى جهوزية الطرقات التي انقطعت بعضها بعد أن طالتها نيران المعارك والاستهداف..

وباتت الطرقات الرئيسية خاصة الدولية منها والواصلة بين المحافظات هدفاً تتنازع عليه الأطراف المتحاربة في سوريا اليوم سواء كانت تابعة للمعارضة أو للنظام، بعد أن تحولت إلى طرق عسكرية للإمداد بالعتاد والمقاتلين، وبالتالي باتت سيطرة جانب على طريق ما، إنما تعني قطع الإمداد عن الجانب الآخر، إلا أنها تحرم في الوقت ذاته المدنيين من العبور عبر هذا الطريق وتجعل الأخير يقطع مسافات أطول بكثير، وربما طرقاً فرعية للوصول إلى مبتغاه.

وتتلخص مشاكل السفر بالنسبة للمواطنين بارتفاع تكلفتها من جانب، والخطورة التي يتكبدها المسافر من مشاق السفر من جانب آخر، ويعتبر الطلاب والمرضى أكثر الشرائح المضطرة إلى التنقل بشكل دائم بسبب فقدان الأمن في محافظاتهم، وبالتالي لجوئهم إلى محافظات أخرى لإكمال الدراسة أو لتلقي العلاج.

وفي هذا الإطار تتحدث السيدة حسنة وهي مريضة بداء خطير، أنها تضطر للسفر بشكل دوري من حلب إلى دمشق للتوجه بعدها إلي بيروت حيث تتلقى علاجاً كيماوياً لم يعد متوفراً في محافظتها، لافتةً إلى أن رحلتها تستغرق حوالي 17 ساعة للوصل إلى دمشق، تذوق خلالها الأمرين، وتعيش لحظات لاتنسى من الخوف الممزوج مع الإرهاق، فالطريق غير آمن وموحش على حسب وصفها، وهم يمرون بطرقات فرعية وقرى عديدة للوصول إلى دمشق، هذا فضلاً عن أصوات المعارك وإطلاق الرصاص المسموع على طول الطريق.

ولم تخف حسنة أن تسعيرة السفر تزداد مع كل مرة تريد فيها أن تسافر، حيث وصلت التكلفة أخيراً إلى 7000  ل.س، لافتة إلى أن باصات النقل تتحكم بحاجة المواطن، وبالتالي ترفع أسعارها بطريقة خيالية.

وفي هذا الإطار أشار ناشط إعلامي معارض من مدينة حلب أن نسبة الخطورة التي يمكن أن يتعرض لها المسافر بين حلب إلى دمشق تصل إلى 60%، حيث سيمر المسافر بطريق خناصر حماة ثم إلى دمشق، لافتاً إلى أن هذا الطريق يتعرض إلى هجوم مستمر من قبل الفصائل المعارضة كونه مستخدم من قبل قوات النظام لإمداد عناصرها المتركزة في حلب، ولم يخف الناشط هنا أن التسعيرة الأساسية يضاف إليها أتاوات يجمعها السائقون عادة للحواجز العسكرية التابعة للنظام كي يسهلوا من خلالها مرور الحافلة بأقل تفتيش ممكن.

أما بالنسبة للمدن الساحلية حيث تعتبر من أكثر المناطق التي عمل النظام على تأمينها داخلياً وتأمين الطرقات الواصلة إليها، إلا أن ذلك لا يعني بأنها آمنة، فيحدثنا فؤاد الذي يدرس في اللاذقية أن والدته القاطنة في دمشق نجت من “موت محتم” بعد أن تعرض البولمان الذي يقلها إليه، على طريق حرستا بريف دمشق لقنص من قبل مسلحين، حيث توفي السائق مباشرة ومعه الكثير من الركاب ، بعد أن هوى الباص، في حين أن والدته الناجية أصيبت إصابة بليغة في عمودها الفقري جراء الحادث..

وعلى الرغم من التجربة التي مر بها فؤاد، إلا أنه مضطر بشكل دائم إلى السفر من اللاذقية إلى دمشق وبالعكس، لافتاً إلى أن هناك أجزاءً من الطريق خطرة جداً، ومن الممكن أن يتعرض الباص إلى قذيفة أو إطلاق رصاص عشوائي من إحدى الأطراف المتقاتلة، هذا بالإضافة إلى حوادث الخطف التي يمكن أن تحدث عند مرور البولمان بإحدى الطرق الفرعية.

وأكد المصدر أن الخطورة تتزامن مع تكلفة النقل المرتفعة بالنسبة له كطالب، حيث تصل أجرة هذه الرحلة إلى حوالي 4000 ل.س ذهاباً وإياباً، في حين أنها تزاداد في بعض الأحيان خاصة في مواسم الأعياد أو العطل الرسمية حيث ترتفع التذكرة للضعف من قبل من وصفهم بالسماسرة الذي يستغلون حاجة المواطن ويرفعون التكاليف.

ولا ينطبق هذا الوضع على المسافرين بين المحافظات البعيدة فقط، إنما يشمل أولئك الذين يتنقلون بين المحافظات القريبة فالطريق بين دمشق والسويداء لا يخلو من المخاطر، خاصة أنه يمر قرب مطار دمشق الدولي الذي يعتبر “غير آمن”، فكثير من المواطنين تعرضوا للقنص على هذا الطريق، في حين أن تكلفة النقل تصل إلى 500 ليرة ذهاباً فقط ومثلها إياباً، وهو ما ينطبق أيضاً على طريق دمشق – درعا.

ولعل خطورة النقل البري وانعدامه لبعض المحافظات إنما جعل التوجه إلى النقل الداخلي الجوي متاحاً حيث نشطت المطارات في كثير من المحافظات خاصة في القامشلي شمال شرق سوريا، والتي انعدمت الطرق البرية الواصلة إليها، وباتت الشركة السورية للطيران هي الوكيل الحصري لتلك الرحلات. إلا أنَّ إقبال المواطنين على النقل الجوي ساهم في نشوء سوق سوداء لبيع التذاكر تتحكم بالتسعيرة ضاربة عرض الحائط بالتسعيرة الرسمية التي حددتها الجهات الحكومية، حيث وصلت تسعيرة التذكرة إلى القامشلي لـ 40 ألف ليرة سورية، في حين أنَّ سعرها الرسمي لايتجاوز الـ 7000 آلاف ليرة ، أما التذكرة إلى اللاذقية تجاوزت الـ 7000 ل.س، في حين أن سعرها الرسمي لايتجاوزالـ 2500 ل.س.

ولكن وعلى الرغم من أنَّ النقل الجوي بات منفذاً أو حلاًّ لطبقة ميسورة من المواطنين كما يرى البعض، لكن الطرقات إلى المطارات باتت مسدودةً في بعض المناطق، فبالنسبة لمحافظة حلب يبدو مطارها خارج الخدمة حتى إشعار آخر بسبب المعارك الدائرة في المحافظة بين كر وفر، أما بالنسبة لدمشق فالوصول إلى المطار رغم أنه متاح اليوم ولكنه لا يخلو من المخاطر، فالكثيرون يتعرضون للقنص من قبل عناصر مسلحة متمركزة على طول الطريق خاصة بين الجسرين الثالث والخامس، حيث يعتبر طريقاً يتنازع عليه الطرفان.

أما الدور الحكومي فينحصر مسؤوليته اليوم في موضوع النقل على وضع التسعيره وضبطها، وبالتالي ممارسة دور رقابي على الشركات العاملة في هذا المجال، إلا أنها على مايبدو عاجزة عن أداء هذه المهمة، على اعتبار أن الأسعار وبشهادة المسافرين في حالة فلتان ومرتفعة عدة أضعاف عن الأسعار الرسمية، فسائقو البولمان وشركات النقل يتخذون من عدم توافر مازوت اللازم للنقل ذريعة يعملون من خلالها على فرض الأسعار المناسبة لهم.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.