الدروز

ليلى زين الدين

“حماية الجبل” شعار حملته مجموعة من المشايخ يحلو للبعض تسميتهم بـ “مشايخ الكرامة”، واستطاعوا عبر هذا الشعار تغيير كثيرٍ من بديهيات المشهد في محافظة السويداء الواقعة كلياً تحت سيطرة النظام.

وواجهت هذه المجموعة النظام بشكلٍ مباشر في العديد من المواقع، ويرى البعض أن لها الفضل في تحريك مياه الجبل “الراكدة”، لا سيما فيما يخص دعم الشباب الرافضين للالتحاق بالخدمة العسكرية، وتقديم الحماية لهم، علاوةً عن دورها في إعادة المختطفين والعمل على حماية السلم الأهلي بين السهل والجبل، إلى جانب دورها في الوقوف ضد فساد الإدارات ومَن وراءها مِن الأجهزة الأمنية، والأهم من كل ذلك انتفاضتها في وجه المؤسسة الأمنية في العديد من المواقف وكان أبرزها هدم حاجز الجوية في بلدة المزرعة، وتهديد وفيق ناصر رئيس فرع الأمن العسكري في السويداء بشكلٍ مباشر.

“لا يمكن اعتبار الإطار الذي شكله هؤلاء المشايخ منذ العام 2011 حزب أو حركة سياسية معارضة للنظام”، هذا ما يقوله أحد الناشطين من أبناء المحافظة الذي فضل عدم ذكر اسمه، في معرض تعليقه على من يطلقون على أنفسهم بـ “جيش الموحدين”، ويؤكد أنها حالة نشأت بعد بداية الثورة، داخل مجتمعٍ انكفأ على ذاته وأراد البقاء على الحياد، لكن في الوقت ذاته أتت بيقينٍ فطري أن “لا وجود لحماية الأقليات في سوريا”.

ويضيف الناشط “المتتبع لخطاب زعيم هذه المجموعة (الشيخ وحيد البلعوس) ينتبه أنه في البداية لم يقطع صلته نهائياً مع النظام، وكان يتحدث عن الفساد والمطالبة بإقالة وفيق ناصر، الذي توفي في أقبيته العديد من أبناء المحافظة تحت التعذيب. لكن الحادثة التي كانت فيصلاً في الكشف عن موقف البلعوس ومن معه، كانت حادثة قرية داما حين خذل النظام شباب من المنطقة وأرسلهم لمواجهة البدو دون أن يؤازرهم، بعد هذه الحادثة تغير خطاب البلعوس وربما أيضاً تغيرت طريقة تعاطيه مع السلطة، واستطاع حقاً أن يشكل حالة تحتاج إليها المحافظة”.

ابتعد البلعوس بعد حادثة داما عن التبعية للأجهزة الأمنية والتي تتهم بها السلطة الروحية القائمة والمتمثلة بمشايخ العقل، ولكنه أيضاً “لم ينطق باسم المعارضة التقليدية التي إلى الآن لم تجذب أبناء المحافظة إليها”. وحسب ناشطين من المحافظة فللرجل أثر كبير في حماية شبان الجبل من الانخراط في القتال إلى جانب النظام خارج حدود المحافظة، وهو ما أثار حفيظة الموالين للنظام ممن أكال الاتهامات للمحافظة بأنها السبب وراء سيطرة المعارضة على بصرى الشام.

ولعل آخر خطابات البلعوس أتت رداً على هذه الاتهامات حيث قال من القريا ومن أمام ضريح سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية الكبرى: “لن نشارك بهذه الحرب غير الوطنية…إنها حرب طائفية نحن منها أبرياء… لامكان للفتنة بحوران السهل والجبل.. ولطالما أعلن أهلنا في سهل حوران أنهم لا ينوون التعدي على الجبل… وأفصحت أحداث بصرى الشام بالكثير”.

ناشط آخر من السويداء يؤكد على طرح البلعوس ومجموعته لثلاثة شعارات أساسية وهي (حماية الأرض والعرض والمعتقد)، واستطاع ضمن خطابه أن يستقطب بشكل جيد في الجبل، وخاصةً حالات الفرار من الخدمة الإلزامية، حيث شكّل نوعاً من الحماية المعنوية لهؤلاء الشباب.

لكن هل يمكن اعتبار البلعوس حالة ثورية مرادفة للثورة القائمة في باقي المحافظات؟

سؤال يجيبنا عليه الناشط بالنفي فهو ليس حالة ثورية على الإطلاق لكنه في الوقت ذاته يحمل على النظام ويرفض الفساد المتعلق في المحافظة. معتبراً أن حراك البلعوس ساهم بزعزعة هيبة النظام في المحافظة، وحاول تحسّس الوجع السوري انطلاقاً من واقع المحافظة.

ورغم أن البلعوس كثيراً ما يؤكد على شعار الثورة السورية الكبرى “الدين لله والوطن للجميع” إلا أن العديد من أبناء المحافظة يطمحون أن يرتقي بخطابه أكثر إلى حالة الخطاب الوطني الصرف البعيد عن الانغلاق والطائفية والإنعزال، حسب ما يقول الناشط، ويضيف أنه لا يوجد بينه وبين المعارضة التقليدية أي تقاطعات. ويضيف الناشط باعتقادي أن هذه الظاهرة قد تشكل حماية وضمانة مستقبلية لواقع السويداء في المستقبل كحالة مُضادة للشبيحة والزعران، بتوظيف هذه الحالة (العسكرية) كضامن للسلم الأهلي وحماية المؤسسات في حال عمّت الفوضى المحافظة.

أحد المتقاعدين من جيش النظام والذي فضل عدم ذكر اسمه يلتقي مع الرأي القائل إن البلعوس في مجمل خطاباته يطالب بمحاسبة النظام، حيث يقول: “حتى هذه اللحظة لم يأخذ البلعوس موقفاً مناهضاً ضد معارضة السويداء والمعارضة بسوريا بشكل عام، وكثير من تصريحاته تطالب محاسبة النظام ويعتبره السبب بكل ماحصل”، لكن ومع ذلك تتوجس المعارضة التقليدية في السويداء من أي حراك بزعامةٍ طائفية وهو ما يؤكد عليه الناشط بالقول”البلعوس يدعو إلى حماية الجبل من أي خطر لذلك لا ضير من حركته، لكن بالمجمل أنا ضد أي حركة طائفية منعزلة عن النسيج السوري”.

ويعزو البعض انجذاب أبناء الجبل لحالة البلعوس وابتعادهم عن المعارضة التقليدية إلى المنطلق الديني، إلا أن الناشط يعتبر أن هناك ما هو أهم من ذلك، وهو مبدأ حماية الجبل.

حركة “مشايخ الكرامة” بدأت بمواجهةٍ مباشرة مع الأمن العسكري، في محاكاةٍ لما حدث في درعا، وهي المقارنة التي يشير إليها عضو المجلس الوطني وائل فياض قائلاً “في العودة إلى انطلاقة الثورة السورية من مهدها في محافظة درعا، كانت نتيجة لغضب شعبي ناتج عن تجاوز حاكم أمني مستبد، أدت لانطلاق الشرارة الأولى لهذه الثورة، من هذه الناحية نستطيع أن نقيّم حالة الغليان التي أوصلتنا إلى الغضب الشعبي، ولكن وعلى الرغم من خروج العديد من المظاهرات والاعتصامات داخل المحافظة إلا أنها لم تصل إلى حالة الغضب الشعبي المتمثل بحركة الشيخ البلعوس”.

كل محاولات النظام لإضعاف الرجل في السويداء فشلت لا بل زادت من شعبيته حسب رأي فياض وأضعفت موقف مشايخ العقل، مشيراً إلى قرار “الإبعاد الديني” للشيخ البلعوس والصادر عن مشايخ العقل، والذي أدى إلى زيادة شعبية الرجل ومحبة الشارع له بسبب الانشقاق الذي أحدثه ورثة مشيخة العقل بالابتعاد الكلي عن المهمة الأساسية المرتكزة على عاتقهم، ودخولهم في السياسة التي تتناقض مع العمامة المكلفين بتمثيلها

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.